عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - من المؤكد لا يوجد إنسان عاقل على وجه الكرة الأرضية يرغب، أو يدعو لنشوب حرب في شرق أوروبا؛ لأن هكذا حربا تعني التمظهر الحقيقي للحرب العالمية الثالثة بكل تجلياتها، والتي لن تتوقف عند حدود روسيا أوكرانيا، ولن تتوقف عند حدود بولندا ورومانيا وبلغاريا، بل ستشمل غرب وشرق أوروبا والولايات المتحدة، فضلا عن تورط دول أخرى من العالم علانية وبشكل مستتر؛ لأن العالم دخل فعلا لا قولا عملية إعادة تقسيم النفوذ على كعكته الاقتصادية والأمنية والجيوبولتيكية. وبالتالي تداعياتها على البشرية ستكون أكثر وبالا وخرابا، لأنها ستزهق أرواح عشرات الملايين من البشر، وبالضرورة ستفوق عدد السبعين مليونا من البشر، الذين سقطوا في الحرب العالمية الثانية، فضلا عن التدمير غير المسبوق لدول شتى في العالم.
رغم أن الحرب العالمية الثالثة بالوكالة بدأت منذ مطلع العقد الثاني من الألفية الثالثة، وتحديدا بعد قرع أنصار الولايات المتحدة طبول ما يسمى "الربيع العربي"، والذي لم يستهدف تمزيق وتفتيت وحدة الدولة الوطنية، أو إفرازات دول اتفاقية سايكس بيكو، وإنما استهدف تأكيد الهيمنة الأميركية الإسرائيلية على الوطن العربي خصوصا وإقليم الشرق الأوسط الكبير، وهو ما يعني عمليا إسقاط دور ونفوذ وحصص الأقطاب الدولية الأخرى.
غير أن روسيا الاتحادية تمكنت من تدارك الموقف مع تكريس دورها في سوريا، وأعادت الاعتبار لحضورها في ليبيا والجزائر وحتى بمعايير نسبية مصر. وكذلك فعلت الصين بتوسيع تمددها عبر مشروع طريق الحرير، وتوقيع عدد من الاتفاقيات مع الدول العربية والإفريقية، فضلا عن تعزيز نفوذها في بحر الصين وجنوب شرق آسيا بشكل عام. كما أن أوروبا حاولت إيجاد موطئ قدم لها هنا وهناك. لكنها ما زالت تتعثر، كونها لم تخرج حتى اللحظة من تحت سيف الوصاية الأميركية، مع أن كلّا من ألمانيا وفرنسا بشكل خاص حاولتا، وما زالتا حتى الآن تسعيان للتعامل بندية مع بلاد العم سام.
وعلى صعيد التطورات العاصفة على الحدود الروسية الأوكرانية، من الواضح، أن إدارة بايدن ومن معها من دول الغرب وغيره، نلحظ أنها هي من يقرع طبول الحرب ويمهد لها، وليس أحد غيرها، ومن تابع أمس وأمس الأول وخلال الأيام الماضية تصريحات بلينكن، وزير الخارجية، وسوليفان، مستشار الأمن القومي، وقبلهما، وعلى رأسهما رئيس الولايات المتحدة بايدن بالإضافة لسفرائهم وأدواتهم في مختلف منابر الدنيا، هم الذين يعلنون كل يوم موعدا لشن روسيا الحرب على أوكرانيا، مرة خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في الصين، ومرة أثناء انعقاد حلف الناتو يوم 16شباط/ فبراير الحالي، كما نشروا أكثر من سيناريو لكيفية شن روسيا الحرب على أوكرانيا. في حين أن القيادة الروسية وعلى رأسها بوتين، أكدوا صباح مساء عدم لجوئهم لخيار الحرب. لكن لم يتنازلوا قيد أنملة عن مطالبهم، وأهمها رفض انضمام الدولة الجارة لحلف الناتو؛ لأنها جزء لا يتجزأ من حصتها من كعكة العالم أولا، وثانيا لأنها تمس الأمن القومي الروسي؛ ثالثا لأنها جزء من حديقتها الخلفية، وبالتالي لن تسمح روسيا بوتين لأميركا اللعب في عقر دارها وعلى حسابها.
بيد أن الولايات المتحدة تعمل جاهدة لإغراق روسيا في مستنقع الحرب، ووضعت كماً من السيناريوهات لتطويق قادة الكرملين، ومحاصرة بلادهم بكم هائل من الإشاعات وحملات التحريض المغرضة، فضلا عن إرسال الأسلحة لأوكرانيا، وإرسال متواصل لبرقيات التهديد والوعيد. مع أن الولايات المتحدة وأوروبا تعلمان علم اليقين، أن روسيا ليست بحاجة لشن حرب لتحتل أوكرانيا، وتستطيع احتلالها دون كل هذا الصخب الدائر لو شاءت وخلال دقائق معدودات وليس ساعات، وأيضا يمكنها تحقيق هدف الاحتلال دون دخول جندي واحد للسيطرة على العاصمة كييف إما من خلال الأسلحة بعيدة المدى، أو من خلال إطلاق يد المعارضة الداخلية ومدها بما تريد من الأسلحة والمال. إلا أنها لا تشعر حتى الآن أنها معنية بالدخول في دوامة الحرب، وتعتقد أنها قادرة على ثني القيادة في كييف عن ولوج خيار المغامرة غير المحسوبة. لا سيما وأن رهانها على الغرب عموما والولايات المتحدة لن ينفعها نهائيا، لا بل سينعكس سلبا على الشعب الأوكراني، وهو من سيدفع الثمن.
مع ذلك وبعيدا عن التمنيات وتشخيص وتحليل المعطيات والواقع القائم على الحدود الروسية الأوكرانية، من الواضح أن الإدارة الأميركية وأضرابها سيستخدمون كل ما لديهم من ذرائع وسيناريوهات لإغراق شرق أوروبا في الحرب في استباق لما قد يشهده العالم من تحولات ليست في صالح الغرب الرأسمالي عموما والولايات المتحدة خصوصا. ولهذا تسعى لإنهاك روسيا، وتقليم أظافرها من الغاز والاتفاقات التجارية مع أوروبا وحتى دول الخليج العربي وافريقيا. ولا أعتقد أن القيادة الروسية غائبة عما ترمي إليه بلاد العم سام. وهذا لم يغب عن بال القيادة الروسية، ووضعته في اعتباراتها، ومستعدة له. كما ويشمل الهدف أيضا نهب حصتها من كعكة النفوذ في العالم ومن داخل عقر دارها. وهو ما لم يتم، ولن تتمكن أميركا ولا أوروبا من تحقيقه.