إبراهيم أبراش - النجاح الإخباري - تنهج واشنطن ،والغرب عموماً، ازدواجية في التعامل حتى بين حلفائها المفترضين، فبينما تحشد واشنطن والغرب الجيوش لمواجهة غزو روسي محتمل لأوكرانيا تقف واشنطن موقف المتفرج على الهجمات التي تتعرض لها حليفاتها دول الخليج وخصوصاً السعودية والإمارات من طرف الحوثي، أو يكتفون بالتنديد بهذه الهجمات أو الوعد بالمساعدة !!! فما سر هذه الازدواجية في التعامل؟ و ماذا يكمن وراء هذا الصمت أو التراخي في الدفاع عن الرياض وأبو ظبي؟..
منذ عقود ونحن نسمع أن دول الخليج العربي حليف وصديق استراتيجي للغرب وخصوصاً للولايات المتحدة الأمريكية وتحت مزاعم هذا التحالف وهذه الصداقة سمحت دول الخليج للغرب بالسيطرة شبه الكاملة على خيراتها من المواد الخام وخصوصاً النفط والغاز كما تستثمر غالبية مدخراتها المالية في الاقتصاد الغربي، وتحت عنوان الحليف والصديق ربطت هذه الدولة أمنها ومستقبلها بالغرب حيث صفقات السلاح بمئات المليارات من الدولارات والسماح بإقامة قواعد عسكرية غربية وخصوصاً أمريكية على أراضيها وتوقيع عديد الاتفاقات الأمنية، وفي السنوات الأخيرة وخصوصاً في عهد الرئيس الأمريكي ترامب مارست واشنطن أكبر عملية ابتزاز لدول الخليج ودفعت دول الخليج هذه الأموال صاغرة بأمل أن يؤدي ذلك لحماية أمنها من المخاطر الأمنية وخصوصاً من إيران.
بالرغم من ذلك تتعرض العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتهديدات أمنية خطيرة من طرف الحوثي المدعوم من إيران حيث الصواريخ والطائرات المسيرة تضرب مواقع استراتيجية في البلدين، بالإضافة إلى وقوف الغرب موقف المتفرج على السعودية والإمارات وهي تغرق في حرب استنزاف في اليمن ممتدة منذ سنوات، ومع ذلك لم يحرك الغرب ساكناً وترك حلفائه يواجهون هذه المخاطر لوحدهم وهي مخاطر حقيقية وخصوصاً بالنسبة للإمارات التي سخَّرت جل إمكانياتها للتنمية وجلب المستثمرين والكفاءات الأجنبية وهي أمور تحتاج لاستقرار وأمن تام وإلا سينهار كل شيء .
هذا الموقف الغربي تجاه حلفائه العرب والمسلمين لم يقتصر على الحلفاء الخليجيين بل ينطبق الأمر على حلفاء آخرين، فقد تركت واشنطن حلفاءها في أفغانستان يسقطون في قبضة جماعة طالبان التي صنفتها الأمم المتحدة كجماعة إرهابية، وتركت العراق ومن جلبتهم لحكمه إبان احتلاله 2003 وما بعده يغرقون في الفوضى والخراب وتَغوّل الجماعات الإرهابية و الميليشيات التابعة لإيران، وإبان ما يسمى الربيع العربي شجعت واشنطن والغرب على نشر الفوضى بل ودعموا كل الجماعات التي تقاتل لإسقاط الدولة الوطنية ونشر الفتنة والطائفية حتى وإن كانت جماعات إرهابية أو دينية متطرفة، كما تركت دول الجوار – إسرائيل وتركيا وإيران- تستبيح الأراضي العربية، وتركت الرئيس المصري مبارك والرئيس التونسي بن علي يسقطان وهم محسوبين بشكل أو آخر على الغرب.
موقف الغرب هذا ليس حباً منه للسلام، أو التزاماً بمبدأ عدم التدخل في الحروب والنزاعات الخارجية وليس دفاعاً منه عن الديمقراطية وحق الشعوب في الثورة ، فالغرب وخصوصاً أمريكا من أكثر دول العالم انتهاكاً للشرعية والقانون الدولي وأكثرها إثارة للفتنة وتدخلاً في شؤون دول العالم.
سِجِل تدخل الغرب وخصوصاً واشنطن عسكرياً دفاعاً عن مصالحه وحلفائه عديدة سواء خلال الحرب الباردة أو بعدها، مثلا تدخلت واشنطن في كوريا ،1951 وفي ايران 1954 لإسقاط حكومة مصدق، وفي كوبا 1961، وفي حرب فيتنام 1964، و في إندونيسيا 1965، وفي تشيلي عام 1973 لدعم الدكتاتور بينوتشه ضد سلفادور أليندي المنتخب ديمقراطياً ، 1980 في نيكارجوا، وفي نيسان 1986 قصفت طائرات أمريكية مدينتي طرابلس وبنغازي في ليبيا، كما غزت أفغانستان والعراق 2003، وتدخل حلف الأطلسي عسكرياً في يوغسلافيا سابقاً ، كما أرسل قاذفات لاغتيال معمر القذافي عام 2011، وأرسل الغرب قواته إلى سوريا لنشر الفوضى والحرب الأهلية وليس دفاعاً عن القوى الديمقراطية كما يزعمون، كما أن فرنسا ترسل جيوشها إلى مالي وتشاد والنيجر ودول أفريقية أخرى دفاعاً عن مصالحها حتى وإن كانت أنظمة هذه الدول غير ديمقراطية، واخيرا التحشيد العسكري لحماية أوكرانيا من غزو روسي محتمل هذا بالإضافة إلى العمليات الاستخباراتية السرية والعقوبات الاقتصادية .
هذه الازدواجية في التعامل مع (الحلفاء) لا تخلو من عنصرية وخصوصاً في حالة المقارنة بين تعامل الغرب وخصوصاً واشنطن مع إسرائيل وتعامله مع حلفائه العرب.
إسرائيل مارست وتمارس الاحتلال وهناك عديد القرارات الأممية التي تعترف بذلك وتطالبها بإنهاء احتلالها للأراضي العربية وخصوصاً المحتلة في حرب 1967 كما تمارس العنصرية ضد الفلسطينيين بشهادة منظمات حقوقية دولية آخرها منظمة العفو الدولية قبل أيام كما تمارس التطهير العرقي وجرائم حرب كما اعترف يهود بذلك وهم المؤرخون الجدد، كما فتحت محكمة الجنايات ملف الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين، كما أنها تواصل عدوانها على الفلسطينيين وعلى دول الجوار كما هو الشأن في سوريا ولبنان، وإسرائيل تحاصر قطاع غزة وتقتل المقاومين الذين يدافعون عن أرضهم في كل ربوع فلسطين كما تقتل المدنيين لنفس السبب.
الغرب وخصوصاً واشنطن يعرفون ذلك ويشاهدون ذلك ولا يتحركون حتى بإدانة لهذا الكيان الاستعماري العنصري بل يحميانه في الأمم المتحدة من أية إدانة له، بينما هذا الغرب الذي يزعم أنه يدافع عن حقوق الإنسان والسلام ويدافع عن حلفائه ينتقد ويستنكر انتهاكات حقوق الإنسان لمجرد مقتل أو اعتقال مواطن في دولة من الدول العربية التي تعتبر صديقة أو حليفة له كمصر أو السعوديةّ!!!
أما لماذا لا يتدخل الغرب لحماية حلفائه وأصدقائه العرب، فبالإضافة إلى القاعدة أو الفلسفة التي تحكم سياسات الغرب والتي تقول:: (لا توجد صداقات دائمة أو عداوات دائمة بل مصالح دائمة) وصديق الغرب هو من يحقق مصالحه الاستراتيجية بأقل الخسائر الممكنة، فإن واشنطن والغرب عمومًا يتدخلون للدفاع عن مصالحهم وليس عن حقوق الإنسان وقيم الديمقراطية، كما يتدخلون دفاعاً عن حلفاء موثوق بهم من وجهة نظرهم، ويبدو أن العرب لا يمكن الوثوق بهم من وجهة نظر الغرب وخصوصاً أمريكا.
حتى نفهم حقيقة سياسات أمريكا تجاه الشرق الأوسط وخصوصاً العالم العربي يجب أن نعود للأهداف الاستراتيجية الثابتة لواشنطن وهي تتمثل في ضمان أمن إسرائيل وتفوقها عسكرياً على كل الدول العربية، وضمان مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وما يهدد أو يمكنه أن يهدد هذين الهدفين هو وحدة الأمة العربية أو أي حالة عربية متحررة من الهيمنة الغربية و تعادي إسرائيل، ومن هنا فإن واشنطن وبعض حلفائها الغربيين يرون في إضعاف العرب حتى حلفائهم المفترضين مصلحة لهم ولإسرائيل، ومن هنا نفهم دعمهم للفوضى الناتجة عما يسمى الربيع العربي بل ودعم كل الجماعات التي تشارك في هذه الفوضى حتى وإن كانت جماعات متطرفة وإرهابية أيضا الصمت على التدخل العسكري التركي و الإيراني والإسرائيلي في سوريا والعراق وليبيا واليمن.
فبالرغم من الخطاب المعادي للغرب الذي نسمعه أحياناً من إيران وتركيا وجماعات إسلاموية فإن هذه الأطراف لا تشكل تهديداً حقيقياً للغرب وإسرائيل ونقاط الالتقاء والتفاهم الاستراتيجي بعيد المدى بينهم أكثر من نقاط الخلاف، فلكل طرف من هذه الأطراف مشروعه الخاص وجميعها مشاريع معادية للعرب كأمة وتتخوف من أية نهضة أو وحدة عربية وحتى للدول العربية القائمة منفردة.
وأخيرا فإن واشنطن غير قلقة مما تتعرض له السعودية والإمارات لأن دوام الحرب في اليمن وتورط دول الخليج ينسجم مع استراتيجية الفوضى الخلاقة التي تبنتها واشنطن منذ 2006، كما يسمح لها عقد مزيد من صفقات الأسلحة، وإبقائها تحت الضغط والتهديد الوجودي سيدفع دول الخليج لمزيد من العلاقة مع إسرائيل وهو ما يجري بالفعل .