رجب أبو سرية - النجاح الإخباري - كلما اقتربت مفاوضات فيينا الهادفة الى العودة لاتفاق العام 2015 حول الملف النووي الإيراني، وجد المعنيون بملف الشرق الأوسط الرئيسي، أي ملف الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين، أنفسهم على أعتاب الاستحقاق الخاص بإعادة المفاوضات حول ذلك الملف بهدف التوصل إلى حل الدولتين، أو ما كان يطلق عليها مفاوضات الحل النهائي، التي توقفت بدورها بالضد من اتفاق إعلان المبادئ منذ العام 2014.
وتأكيداً لما سبق وأن قلناه في أكثر من مقال سابق، كشف وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عن وجود جهود أردنية مصرية فلسطينية أميركية وصفها بالمكثفة، من أجل إعادة إطلاق مفاوضات جادة وفاعلة باتجاه حل الدولتين حسب وصفه، وذلك بالتزامن مع الأنباء التي تتحدث عن تقدم جدي في مفاوضات فيينا، الى حد القول بأن الاتفاق بات وشيكاً، وهذا يعني بأنه إذا كان من الممكن القول بأن إدارة جو بايدن، بعد أن منيت بهزة سياسية نجمت عن انسحاب قواتها العشوائي من أفغانستان، صارت بحاجة الى تحقيق منجزات سياسية، فمن الواضح بأنها تجدها في الشرق الأوسط، حتى تتفرغ على الأقل لملفات أكثر تعقيداً، في مواجهة روسيا في أوكرانيا، وكذلك الصين في الحقل الاقتصادي.
في حقيقة الأمر، فإن نجاح المفاوضات يحتاج الى وحدة داخلية فلسطينية، ليس لأن الوحدة تبدد أوهام الإسرائيليين بإمكانية احتفاظهم باحتلالهم طالما الفلسطينيون منقسمون، وحسب، وليس من أجل سحب الذريعة الإسرائيلية بأن السلطة لا تمثل سوى نصف الفلسطينيين، وأن اتفاقاً معها ينطبق على الضفة فقط ولا يشمل غزة، ولكن من أجل نجاح اي اتفاق ينتج عن المفاوضات، ذلك أن المفاوضات نفسها ليست هدفاً بحد ذاتها، وصحيح أنه ليس شرطاً وجود توافق داخلي تام على إجراء المفاوضات أولاً، ومن ثم على أي اتفاق ينجم عنها ثانياً، لكن هناك فرقاً كبيراً بين أن تجري معالجة الاختلاف السياسي في ظل الوحدة الوطنية، وبين أن يجري ذلك في ظل الانقسام.
من الواضح أننا نبالغ لو قلنا بأن إنهاء الانقسام، مطلوب من أجل إجراء مفاوضات من موقع المفاوض القوي، ذلك أن إنهاء الانقسام يبقى مطلباً دائماً وملحاً ومنذ اليوم الأول لوقوعه والى آخر يوم يتم فيه وضع حد له، لذلك ورغم كل ما حدث سابقاً، وعلى مدار جولات الحوار الداخلي التي جرت رعايتها من قبل أكثر من طرف عربي وإقليمي، مازال يحدونا الأمل، في أن ترتقي الفصائل إلى مستوى المسؤولية الوطنية العليا، حتى تنجح برعاية الأشقاء المخلصين في التوصل الى النتيجة المرجوة.
وعلى الطريق إلى «جامع» الفلسطينيين في الجزائر، وهو اللقب الذي أُطلق على المؤتمر المنوي عقده في العاصمة الجزائرية بدعوة من رئيسها عبد المجيد تبون، لا بد لنا من أن نستذكر كل الجهود الطيبة التي بذلتها مصر وقطر وتركيا، ومن قبلهم سورية بهدف إنهاء الانقسام، ولا بد لنا أن نستذكر المكانة الأثيرة لفلسطين في قلوب الجزائريين، ومكانة الجزائر المرموقة لدى الفلسطينيين، بما يثير الأمل مجدداً، في تحقيق هدف إنهاء الانقسام أخيراً.
كذلك نستحضر من الماضي دورة المجلس الوطني السادسة عشرة، ومن قبلها مؤتمر الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين، الذي دشن الوحدة الداخلية الفلسطينية بعد انقسام داخلي مرير، كذلك إعلان استقلال دولة فلسطين في الجزائر، بما يعنيه كل هذا من أجواء يمكن لها أن تسهل المهمة الصعبة على الراعي المضيف الشقيق الجزائري أولاً، ومن ثم على الضيوف الفلسطينيين ثانياً.
ويبدو أن الجزائر الدولة التي مس كبرياءها جرح الشقيق، بما أوقعه التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وقد وجدت نفسها مجدداً في الخندق السياسي مع الشقيق الفلسطيني، قد حضّرت للجامع الفلسطيني عبر حلقتين: الأولى تجري خلالها حوارات ثنائية مع الفصائل الرئيسية، «فتح»، «حماس»، «شعبية»، «ديمقراطية» و»الجهاد الإسلامي»، والثانية، ينعقد خلالها المؤتمر الجامع، برئاسة الرئيس الجزائري شخصياً، حيث من المتوقع أن يحضره أيضا الرئيس الفلسطيني، وربما الأمناء العامون، وهذا سيعني حينها بأن بشرى إعلان إنهاء الانقسام ستكون في نهاية أعمال المؤتمر.
خطة سير الجامع الجزائري منوطة إذاً بتقدير المضيف بعد جولة حواراته الثنائية، والتي بناء عليها سيتقدم بمقترحه الخاص لإنهاء الانقسام، وإلا سيكون الأمر مجرد احتفالية أخرى، تضاف إلى اتفاق مكة، والدوحة والشاطئ والقاهرة، لكن السؤال الأهم هنا هو، هل ستحاول الجزائر إنهاء الأمر استناداً الى رؤية آنية وجديدة، أم أنها ستثقل جهدها بالاستناد الى الاتفاقات والمقاربات السابقة؟
على الأرجح لن تكون الجزائر معنية بمتابعة المقاربات السابقة، لأنها ستجد نفسها إزاء إرث مرهق من إدارة الانقسام، ارتباطاً بمصالح خاصة لكل دولة سبق لها وأن تدخلت ورعت المسألة، أما الجزائر فليس لها من مصلحة خاصة تؤثر على رؤيتها، لا مصلحة سياسية كما كان حال كل من قطر وتركيا وحتى سورية، ولا مصلحة أمنية كما كان حال مصر، وإن كان من الواضح أنها تتحرك بناء على موقف معارض لتدخل إسرائيل في شمال أفريقيا، إلى أن وصل إلى جوارها محاولاً التأثير عليها داخلياً، وقد اتضح هذا من خلال موقفها العظيم في مواجهة قرار مفوض الاتحاد الأفريقي بمنح إسرائيل العضوية المراقبة في الاتحاد.
على أي حال ما هي إلا أيام وتتضح الصورة تماماً، فإن تابعت الجزائر نحو عقد المؤتمر الجامع بعد جولة الحوارات الثنائية، فهذا يعني بأنها في طريقها لإنجاز ما هو مأمول، وإلا فإن الأمر سينتهي عند حدود المحاولة، «من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد»، ذلك أن العد التنازلي لمستقبل القضية الفلسطينية، ومركزها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين، قد بدأ، وعلى الأرجح فإن إطاره العام سيظهر خلال هذا العام، كما قدرنا في أكثر من مناسبة سابقة، وكما أشرنا أعلاه. لذا لا بد لكل فلسطيني وطني أن يتابع الأمر بكل ما لديه من تأثير على المتحاورين الفلسطينيين ليخرجوا بالتوافق ومن ثم بالاتفاق، على الوحدة أولاً وأخيراً، وليس مطلوباً دائماً، وهذه المرة أيضاً، الإقرار بعدم وجود خلافات أو تباينات سياسية، بل الاتفاق على الوحدة مع الاختلافات والتباينات، من أجل تحقيق هدف إنهاء الاحتلال، وفق مسار الاحتكام للشعب في الانتخابات التشريعية والرئاسية، مستذكرين بطولات الأسرى والمقاومة الشعبية في بيتا وبرقة وسلوان والشيخ جراح، وكل مدن وقرى القدس والضفة الغربية، حتى يغض الشعب نظره على بقاء كل هذا الصدأ السياسي الذي اعتلى الهياكل التنظيمية للفصائل، حتى وصل الى العظم منها.