عيسى قراقع - النجاح الإخباري - أعلن مركز الاحصاء الفلسطيني أن عدد الفلسطينيين بلغ في نهاية عام ٢٠٢١ عشية رأس السنة الجديدة ١٤ مليون نسمة في الوطن والشتات، وأن نسبة الأعمار الفتيَّة ، ( ١٤ سنة ) في نهاية عام ٢٠٢١ بلغت ٣٨٪ من مجمل عدد السكان في فلسطين ، هذه الإحصائية أسقطت نظرية إبادة الكنعانيّ الفلسطيني كما رسمها العبرانيون في أساطيرهم ، وتهدمت نظرية احتلال أرض الغير واستبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة.
بعد ٧٤ عاماً من قيام دولة الاحتلال الصهيوني لا تزال لعنة كنعان الفلسطيني تطاردهم في الجغرافيا والديمغرافيا وفي الوفيات والمواليد، وفي الزمان والمكان ، فقد فشل الغزاة الصهاينة من تجريد الأرض من روح الجسد الكنعاني المتوالد والمتجدد والمقاوم والمنتفض والصامد والمشتعل والمتمسك بوجوده وبإيمانه بالحرية والاستقلال.
ما هذا الكنعاني الخارج من نكبة ومجزرة ومذبحة ؟ يتساءل آباء التدمير الجماعي الصهاينة ، يتكاثر الكنعانيون ، يضعون في رحم المستقبل فتية شجعان ، يولدون بكوفياتٍ رقطاء ومقاليع وحجارة، فتية مختلفون جريئون، يتحدون الحواجز العسكرية، يتصدون للجنود وللمستوطنين الطغاة ولمستوطناتهم، كل أيامهم مواجهات، في ساحة المدرسة، في الجامع والكنسية، في الشارع، في الجبال والوديان ، في القرى والجنازات ، فتية مخلوقون من ذاكرة ملتهبة ، يقيسون أعمارهم بأعمار الشجر وبأنفاس انتفاضة قادمة.
في كل شهر يتنبأ المحللون العسكريون في دولة الكيان المحتل بهبة فلسطينية تلوح في الأفق، يشاهدون أمواج الفلسطينيين تغمرهم وتغرقهم ، العقل الصهيوني مصاب بهوس الفلسطيني الكنعاني، لم يختفِ هذا الفلسطيني من الوجود كما حسبوا، لم تنفع سياسة القتل والاستباحة والتعذيب والعزل والتطهير الماديّ والثقافيّ، لم يتحول الكنعانيون إلى أقلية أو موتى كما توقعت لغة السياسة والأدب والجريمة واللاهوت العبري.
الكنعاني الفلسطينيّ لم يتنازل عن حقه في البقاء والحياة والتحرر والسيادة على أرض وطنه ، أعدموه آلاف المرات ، فقام من الموت ، سجنوه وقيدوه فحفر نفقاً وعانق فضاء السماء، ضربوه وعذبوه فخاض إضراباً حتى كسر السلاسل بحفنةِ ملح وقطرة ماء، الكنعانيّ في كلِّ الاتجاهات ، لم تستطع منظومة القمعِ والتشويه صهر الوعي ومحوه ودفنه في الغياب، اختل ميزان الوفيات والولادة، لم يستطع رب التوراة المسلح وخرافة شعب الله المختار من تسويغ تدميره لإقناعه بشرعية عبوديته، الضحايا ينتشرون في مسامات الأرض والهواء، في دولةٍ مغتصبة محشورة بين الجدران والأسلاك الشائكة، دولة الطغاة والأكثر عنصرية وفاشية في تاريخ المنطقة.
١٤ مليون فلسطيني خرجوا من المعسكر الذي بناه المحتلون، إنهم الكنعانيون الذين، رفضوا أن يتم التعامل معهم بلا حقوق قومية وسياسية، رفضوا أن يصنفوا بأشباه البشر الذين يستحقون الأذلال أو الموت، رفضوا أن يحتل الشواذ من المستوطنين أراضيهم وينهبوا أرزاقهم ويدنسوا أماكنهم الدينية المقدسة.
١٤ مليون فلسطيني هدموا السور الصهيوني وفجَّروه، وكما تنبأ الصحفيّ الأمريكيّ “بنيامين شفارتس” بأن الديمغرافية الفلسطينية ستقود إسرائيل الى الخراب، لا يمكن السيطرة على الفلسطينيين على المدى الزمني، اسرائيل المحتلة تسير نحو الانتحار، الرحم الفلسطيني هو قنبلة موقوتة، انظروا ها هي القنبلة تنفجر في كل مكان في فلسطين من غزة إلى الضفة والقدس واللد والرملة والناصرة.
١٤ مليون فلسطيني انقلبت المعادلة، شعب أكثر وأرض تزلزل أثقالها، لم يعد هناك تفوق ديمغرافي لليهود في أرض فلسطين، السلب والنهب والطرد والتشريد لم ينتج دولة يهودية نقية خالية من الفلسطينيين، الرحم الفلسطيني يفزع قادة المشروع ما بين البحر والنهر، مجتمع المهاجرين الغزاة يضيق.
أنا خائف، أنا موجود، هذا هو شعار الاسرائيليون المحتلون الآن، يجب صناعة أعداء، يجب صناعة الخوف وشن حروب جديدة، دولة الكيان الصهيوني غير قابلة للحياة، لهذا أصدروا تعليمات صادمة مع نهاية عام ٢٠٢١ للجنود الاسرائيليين بإعدام وقتل الفلسطينيين، مزيد من القتل بلا رحمة ولا اعتبارات انسانية وقانونية، لاحقوا شبان الحجارة وازرعوا الرصاص في صدورهم، أحصدوهم، مزيد من الاعتقالات، مزيد من الجرائم في صفوف أهالينا في مناطق ١٩٤٨، لقد فشل مشروع الأسرلة، لا نريد أن نرى هبة الكرامة مرة أخرى في النقب والجليل وعكا ، هذا هو صوت دولة اسرائيل المحتلة في السنة الجديدة.
١٤ مليون فلسطيني نجوا من أطول وأدمى إبادة في التاريخ البشري، شهداء وأسرى ومبعدين ولاجئين، مصادرة أراضي وهدم بيوت ونهب للثروات والممتلكات، مستوطنات ومستوطنين، حروب متتالية، أطنان القنابل فوق المنازل ورؤوس السكان المدنيين، حرب على الوعي والثقافة والرموز والذاكرة، كل ذلك كان كفيلاً أن يقضي على الشعب الفلسطيني آجلا أم عاجلاً، أن تنسف كيانه وتدمر قواعد وجوده وحضارته.
١٤ مليون فلسطيني انتصروا على سياسة الاقتلاع والاخضاع والتعرية الثقافية والروحية، نهضوا، رسموا دولتهم في الأمم المتحدة، رسموا خطواتهم التي تبدأ وتنتهي في القدس العاصمة، نهضوا في كل حيٍ وزقاق، ورفعوا علم فلسطين بألوانه الأربع، تفوقوا في العلم والابداع والتعليم والمقاومة، امتلأت الساحة والمدرسة والجامعة، حافظوا على أسمائهم الكنعانية وأديانهم وأنظمتهم وتقاليدهم وحياتهم الإنسانية.
١٤ مليون فلسطيني كنعاني مع مطلع العام الجديد، الوعاء الفلسطيني أوسع من دولة مستعمرة ومن روحها المتطرفة، الحضور العالي في الأرض والسماء وأبعد، الحضور العالي في الحياة الدنيا وفي الآخرة، الحضور الإنساني الذي يعلو على شهوةِ الانتقام الصهيوني، هي لعنة كنعان الفلسطيني، طائر الفينيق، الشبح الذي يطارد القاتل في النوم وفي اليقظة.