ابراهيم ابراش - النجاح الإخباري - المراقب سرعة وكثافة الاتفاقيات في مختلف المجالات وخصوصاً الأمنية والعسكرية ما بين إسرائيل والمغرب وقبلها مع الإمارات العربية والبحرين يعتقد أن هذه الدول كانت مُحَاصرة ومعزولة وأمنها القومي مهددا وجاءت إسرائيل لفك الحصار والعزلة عنها ولتحمي وتُحصِن أمنها القومي ! .
في الواقع فإن هذه الدول المطبِّعة حديثا معروفة بعلاقاتها التاريخية مع أمريكا والغرب عموماً وهي صديقة ومنفتحة على كل دول العالم وفي استطاعتها الحصول على كل ما تحتاجه من أسلحة وتكنولوجيا متطورة ومساعدات من هذه الدول، ولا يوجد عند إسرائيل أكثر أو أفضل مما يوجد عند دول العالم وخصوصاً أمريكا والغرب، كما يوجد في جميع هذه الدول المُطبِعة قواعد أمريكية وبينها وبين أمريكا اتفاقات أمنية، كما أن كل من الإمارات والمغرب تعرف استقراراً ونهضة وتطور داخلي يحسدها عليه الجيران وهي ليست محل تهديد وجودي حقيقي.
فماذا يوجد عند إسرائيل ولا يوجد عند دول العالم؟ وما الذي ورطها بالتطبيع مع إسرائيل وخلق كل هذه الضجة داخليا ومع دول الجيران؟.
مع تقديرنا واحترامنا للدول المعنية كدول ذات سيادة من حقها إقامة علاقات مع من شاءت من دول، ومع عدم انكارنا لدور هذه الدول في دعم الشعب الفلسطيني، إلا أن مسألة التطبيع مع إسرائيل والاتفاقات الأمنية والعسكرية معها تتجاوز حدود الدول المعنية لتمس القضية والشعب الفلسطيني وأمن واستقرار المنطقة العربية برمتها .
فما الذي يكمن وراء اتفاقات التطبيع وعلاقتها بالقضية الفلسطينية وأمن واستقرار المنطقة العربية؟ وإن كانت واشنطن وطوال عقود من تحالفها الاستراتيجي مع الدول المطَبِعة لم تساعدها في صيانة أمنها القومي وحمايتها من التهديدات الخارجية، إن كانت مهدَدة بالفعل، فهل ستنفع إسرائيل هذه الدول من خلال ما يسمى (اتفاقات إبراهيم) وتنجز لها ما عجزت عنه أمريكا والغرب؟ وما علاقة (اتفاقات إبراهيم) بالقضية الفلسطينية؟ وهل اتفاقيات السلام بين الدول المُطَبِعة وإسرائيل ستؤدي بالفعل إلى سلام في الشرق الأوسط؟ وكيف يتحقق سلام في الشرق الأوسط بدون الفلسطينيين وحل قضيتهم التي هي أساس الصراع في الشرق الأوسط ؟.
ارتبط مصطلح الصراع في الشرق الأوسط تاريخياً بالصراع العربي الإسرائيلي وفي جوهره الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومنذ الربع الأول من القرن الماضي فإن المؤتمرات والندوات والاتفاقات ومشاريع التسوية داخل الأمم المتحدة و خارجها كان محورها وموضوعها الصراع العربي/الفلسطيني الإسرائيلي، والحديث عن مشاريع تسوية منذ قرار التقسيم 1947، بل قبل ذلك، ثم مشروع روجرز 1970 ومشروع الملك فهد 1982 و مؤتمر مدريد 1991 والمبادرة العربية للسلام 2002 وعشرات مشاريع التسوية … كان هدفها تسوية هذا الصراع، كما أن الحديث عن مؤتمر دولي للسلام كان يعني دائما حل القضية الفلسطينية بطريقة سلمية، وداخل أروقة الأمم المتحدة فإن أي مناقشات أو اجتماعات أو قرارات تحت عنوان الصراع أو النزاع في الشرق الأوسط كان المقصود به إنهاء النزاع أو الصراع المترتب عن الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية.
انطلاقاً من هذا التعريف والتحديد لطبيعة الصراع فإن الأطراف الرئيسة له هم الإسرائيليون والفلسطينيون والدول العربية الحدودية التي دخلت في حروب مباشرة مع إسرائيل، مصر والأردن ولبنان وسوريا وهي الدول التي يشملها قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967 والقرار 338 لعام 1973 والقرارات والتوصيات اللاحقة الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة وغيرها من المنظمات الدولية المتعلقة بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحقه في دولة خاصة به، أما الدول العربية الأخرى فكانت مساندة وداعمة أو مشاركة جزئياً كما هو الأمر مع عديد من دول العالم التي تقف مع عدالة القضية الفلسطينية و تقاطع إسرائيل أو لا تعترف بها.
وبالتالي فإن أي اتفاقات سلام في الشرق الأوسط تتجاهل الشعب الفلسطيني ولا تتضمن الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وتطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الشأن ستكون مجرد تزوير وقلب للحقائق وهروب من جوهر الصراع ولن تُحقق السلام بل ستزيد التوتر في المنطقة، وليس من حق الدول العربية التي شاركت فيما تسمى (اتفاقات إبراهيم) أو (السلام الإبراهيمي) أن تتحدث نيابة عن الشعب الفلسطيني أو تزعم أن الاتفاقات التي وقعتها مع إسرائيل ستجلب السلام للمنطقة وللشعب الفلسطيني.
كانت (اتفاقات إبراهيم) التي وقعتها الإمارات العربية مع إسرائيل في آب 2020 ثم البحرين بعد شهر ولحق بهما السودان والمغرب، هذه الاتفاقيات ليست حدثاً تاريخياً وانجازاً عظيماً للسلام في الشرق الأوسط والعالم كما زعم الرئيس الأمريكي ترامب عند عقد هذه الاتفاقات ثم كرر وصفها بهذه الصفة رئيس وزراء إسرائيل في ذكرى مرور عام على توقيع هذه الاتفاقات، بل هي أكبر عملية تزوير للتاريخ وتحايل على حقائق الواقع في الشرق الأوسط وأكبر خدمة قدمتها واشنطن والدول العربية المطبِعة لإسرائيل، وهي لن تحقق أي سلام بل ستزيد التوتر وفرص الحرب ليس في فلسطين فقط بل أيضا في منطقة الخليج والمغرب العربي كما نشاهد اليوم سواء فيما يتعلق بالملف الإيراني أو العلاقات الجزائرية المغربية .
مارس الرئيس ترامب أكبر عملية تغرير وخداع للدول المطبعة ولشعوب المنطقة، فلو كانت الإدارة الأمريكية صادقة في مساعدة دولة الإمارات العربية ودول الخليج لساعدت دولة الإمارات على استعادة جزرها المحتلة من طرف إيران منذ 1971 – طمب الصغرى وطمب الكبرى وأبو موسى – ولو كانت واشنطن معنية بأمن دول الخليج ما تركت العربية السعودية تتورط في اليمن وتركت الحوثيين يهددون أمنها القومي ويستبيحون أراضيها بالصواريخ، والسعودية أكبر وأهم حليف استراتيجي لأمريكا والغرب في المنطقة وقدمت لأمريكا في عهد ترامب فقط مئات المليارات، ولو كانت واشنطن معنية بأمن دولة الامارات والبحرين من الخطر الإيراني فإن قواعدها العسكرية المتواجدة في هاتين الدولتين وفي كل دول الخليج قادرة على ذلك ولا يحتاج الأمر لسلاح إسرائيلي أو قواعد إسرائيلية في الإمارات.
وبالنسبة للمغرب فهو حليف وصديق للغرب، ومشكلة الصحراء ،التي ساوم عليها ترامب المغرب في معادلة الاعتراف بمغربية الصحراء مقابل التطبيع مع إسرائيل، موجودة منذ 1974 وهي تقريبا كانت محسومة لصالح المغرب وعدد الدول التي تعترف بمغربية الصحراء تتزايد يوما بعد يوم، وطوال 47 سنة كان في استطاعة واشنطن والغرب حل المشكلة لو رغبوا في ذلك ولكنهم لم يفعلوا لأنهم معنيون باستمرار التوتر والصراع بين المغرب والجزائر وينتظرون لحظة الحرب بينهما لأن استراتيجية أمريكا هي إدارة الصراعات وليس حلها ما دامت خارج أراضيها، واعتراف واشنطن بمغربية الصحراء وتطبيع المغرب مع إسرائيل لن يساعد في حسم مشكلة الصحراء أو تعزيز الأمن القومي للمغرب بل ستتصاعد حالة التوتر ،وهي بالفعل تصاعدت، وقد يؤدي الأمر لحرب بين المغرب والجزائر وقد تتورط بها دول أخرى، آنذاك لن تنفع المغرب لا أمريكا ولا إسرائيل .
ليس هدف واشنطن وإسرائيل من اتفاقات إبراهيم أو السلام الإبراهيمي تحقيق السلام لا في فلسطين ولا في الشرق الأوسط عموماً، وليستا معنيتين بدعم وحماية الأمن القومي للدول المطبِعة، بل هي جزء من صفقة القرن الترامبية أو الشق العربي والإقليمي منها، وهي تهدف لتعميم (الفوضى الخلاقة) إلى بلاد المغرب العربي والخليج العربي، وتأجيج الصراعات الإقليمية و داخل الدول المطبِعة نفسها حيث ستعمل إسرائيل على إثارة النزعات الجهوية والعرقية .
وأخيرا، ستكتشف الدول المُطبعة أنها بفتح أبوابها للإسرائيليين سيكون حالها كحال (الذي أدخل الدب إلى حديقة منزله)، وأن المكاسب الأمنية التي ستحققها من خلال الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل ستكون أقل بكثير من الخسائر التي ستؤدي إليه هذه العلاقات وتزايد التهديدات الأمنية عليها سواء الداخلية أو الخارجية.