أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - كان يجب أن يكون هذا العام هو الأسوأ لإسرائيل على المستوى الدولي، فهناك ما يكفي من المقدمات التي كان يمكن الاتكاء عليها لمعرفة الاتجاه العالمي منها والتغير في المزاج الدولي وزيادة انكشافها، ففي أكثر من بؤرة كان هناك موقف أو تحرك أو لسعة أو بيان أو تظاهرة أو شركة تعلن مقاطعة، كان يمكن البناء على الحركة الدولية بما يبشر لفلسطين. وفجأة الآن يبدو أن هناك شيئاً معاكساً ظهر دون حساب.
هذا العام لأول مرة تحركت تظاهرات بهذا الحجم في كبرى عواصم أوروبا وفي مقر ودار وبيت الرعاية الإسرائيلية واشنطن، وفي هذا العام صار لإسرائيل حكومة أكثر تطرفاً وأقل ذكاءً تعلن أنها لا تريد مفاوضات ولا سلاماً ولا حلاً، بعكس نتنياهو صاحب نظرية «نعم مع شروط مستحيلة» على الفلسطيني ليرفض، إذ بدت هذه الحكومة كأنها تنسف جهد المجتمع الدولي لعقود وهو يستثمر في هذه القضية، وفعلت «الكورونا» فعلها أكثر في أنسنة العالم الذي توفرت له فرص الجلوس في البيت والبحث عن الأخبار واكتشاف حقائق كانت «السوشيال ميديا» تطفح بها.
وفي ذروة التفاؤل جاء التصنيف البريطاني لحركة حماس كمنظمة إرهابية، وهذا بعد تظاهرات عشرات الآلاف التي جابت شوارع لندن وهي تهتف لفلسطين، ثم يصدر الاتحاد الأوروبي موقفاً كأنه يقول هناك ما يبرر ذلك التصنيف، صحيح أن قادة «حماس» السياسيين لم يتمكنوا من ضبط أنفسهم وصادروا دور الجناح المسلح في التصريحات، ولكن التصنيف لم يقصد الحركة بقدر ما أن الأمر يمس الحالة الفلسطينية التي تكافح ضد اسرائيل واحتلالها. والأسوأ أنه لا يلقي بأي لوم على دولة يراها العالم يومياً تمارس الاحتلال بأبشع صوره، وكأن هذا العالم أصيب بالعمى فجأة وابتلع لسانه ومعه كل أوراقه التي صاغها والمدبجة بحقوق تقرير المصير والحريات والمستقبل للشعوب.
كيف حدث هذا الأمر وكيف انقلبت المؤشرات التفاؤلية؟ لقد تم كل شيء أمام الفلسطينيين ومن خلف ظهورهم، رأوا الأمر ولكنهم تجاهلوه منشغلين في استكمال صراعهم المقدس على السلطة، لقد تلقى الفلسطينيون الإشارة ولكنهم لم يلتقطوها كما تفعل الدول الحريصة أو القوى المسؤولة، بل استمروا في استهتارهم ولامبالاتهم متكئين على الآخرين أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك، ويتجاهلون مصالحهم ليصبحوا بين ليلة وضحاها الى جانب الحق الفلسطيني.
كانت الإشارة الأولى عندما صُدمت إسرائيل في ايار الماضي بحجم التظاهرات التي أغلقت كبرى عواصم العالم ورفعت العلم الفلسطيني وشعارات إدانة الاحتلال، وكان ذلك جرس الإنذار الذي أضاء الأضواء الحمر في تل أبيب. لم نعرف ما الذي فعلته أمام تهديد بهذا المستوى، ولكن كل ما نعرفه أنها رصدت مليار دولار لمعالجة هذا المستجد الحقيقي، والذي ان استمر سيضغط على الحكومات لتغيير موقفها، وتلك ستكون طامة كبرى لدولة رأسمالها الرئيسي أن العالم هو من تواطأ لإقامتها ورعايتها وتسليحها وتمويلها وتوفير الغطاء لكل ممارساتها كدولة احتلال، فماذا لو رفع هذا الغطاء؟
أعلنت إسرائيل صرف ألف مليون دولار لتغيير الواقع المستجد في المزاج الشعبي قبل أن يتطور ضاغطاً نحو مزاج رسمي ويُترجم بقرارات، وتلك كانت معركة كسر عظم تتم بهدوء بعيداً عن الاعلام وبعيداً عن الأنظار، كان الطرف الفلسطيني يعرف عنها جيداً لكنه لم يفعل ما عليه أو فضّل عدم رؤية الأمر والاتكال على غيره أو لقلة حيلته التي تكرست في أكثر من مجال حتى وصلت الى هذا المستوى.
وفيما كانت إسرائيل تحرث بهدوء في معركتها الرئيسية كان الفلسطينيون يواصلون صراعاتهم الصغيرة والمملة، وكل فعلهم هو المناكفة نحو الداخل الفلسطيني أيهما أجدر وأيهما أكفأ وأيهما أسوأ وأيهما أكثر بؤساً من الآخر، بما حملته اتهامات الأشهر الماضية المخجلة التي لم تتوقف قبل وبعد إلغاء الانتخابات، قبل وبعد الحرب، الأهم كيف يتربص كلٌّ بالآخر حتى بات الجميع مكشوفاً.
الحقيقة أن ساحة أوروبا شديدة الأهمية ولا تقل عن الولايات المتحدة، ولكن الاهتمام الفلسطيني بأهمية العمل فيها لا يدرك بعدُ أهميتها الإستراتيجية، فمنها أُقيمت إسرائيل ومنها تستمد مشروعية احتلالها، والحقيقة من شاهد عيان أن العمل الفلسطيني في الساحات الخارجية يستنزف نفسه في استكمال صراعات الداخل وكتابة التقارير والمناكفات والمشاحنات والمنافسات غير اللطيفة، يعملون ضد بعضهم وكأن ليس لهم قضية، وبكل أسف فإن تأثير الداخل المنقسم أكثر طغياناً، وقد تمكن من جر الجاليات الفلسطينية نحو مناكفاته لتتحول الى صورة تماماً تشبه الصورة المشوهة في الوطن.
ووسط هذا كان الإسرائيلي بحقائب المال والعقول والأدمغة، ومراكز الدراسات والمؤثرين، والشركات والحملات الإعلامية، وشركات العلاقات العامة، والتواصل مع مراكز الفكر وصناع السياسة، وأعضاء البرلمانات ونقاط القوة ونقاط الضعف، يسجل أهدافه موقناً أن لا أحد يواجهه لا من الجاليات العربية ولا من الفلسطينيين المنهمكين حتى آذانهم بمنافسة بعضهم.
منذ أن انتهت الحرب كُتب عن نوايا إسرائيل وما رصدته من أموال وخططها المرتدة، وهنا في هذه الصفحة في «الأيام» تم التحذير والمطالبة بالفعل المضاد. ولكن يبدو أن الأمر ككل حالتنا، صرخة في واد وأن لا حياة لمن تنادي، خسارة بعد أن بدأت نذر الوعي العالمي لصالحنا تركنا الأمر لنستمر في صراع الغنيمة، ويا لها من غنيمة بات همها الأول تأمين راتب..!!!
ومع ذلك تعلن ملكة جمال اليونان انسحابها من مسابقة ملكة الجمال التي ستستضيفها مدينة إيلات، لأنها لا تريد الخجل من نفسها، وأعلن سبعون كاتباً مناصرتهم الكاتبة الإيرلندية سالي روني التي رفضت ترجمة روايتها الأخيرة في إسرائيل، وسحبت جنوب أفريقيا الغطاء عن ملكة جمالها حين قررت المشاركة في المسابقة، ورفضت ماليزيا السماح لفريق الإسكواش الإسرائيلي دخول أراضيها، والأهم قررت بلجيكا وسم بضائع المستوطنات لأنها تنتج في مناطق محتلة.. كل هذا وأكثر يقول إن هناك ما يمكن عمله. فالفرصة ما زالت قائمة، هل يتداركها الفلسطينيون أم سيُصدمون حين يتبخر كلُّ شيء؟