نبيل عمرو - النجاح الإخباري - قبل الدخول في صلب الموضوع لابد من كلمة تقال حول العلاقة الفلسطينية السوفياتية ثم الروسية فيما بعد… هي العلاقة الأكثر استقرارا من أي علاقة مع أي دولة إقليمية او كونية، أساسها ليس سياسيا فحسب وانما ثقافي واخلاقي وعاطفي.
الروس يحبون الشعب الفلسطيني ويعطفون عليه وقيادتهم يقود سياستها ومواقفها مبدأ ثابت لا يتغير هو ان تمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، هو عامل أساسي من عوامل الاستقرار في الشرق الأوسط.
ورغم التغيرات الجذرية التي حدثت في تلك الدولة العظمى الا ان هذا المبدأ ظل ثابتا لم يتغير ولم يتعدل.
اما الرئيس عباس الذي تولى الجهد الأكبر في تنظيم وتفعيل العلاقة مع الدولة العظمى في عهديها، فقد كان ولا يزال من أكثر الزعماء الشرق اوسطيين حظوة عند موسكو، فحين عملت سفيرا لفلسطين هناك ولاحظت التفضيل السوفياتي ثم الروسي للرجل واستقرار العلاقة معه سألت احد أصدقائي المسؤولين عن سبب ذلك، أجاب بلا تردد انه قيادي براغماتي.
وفي موسكو يوجد على الدوام فريق كفوء واسع الاطلاع على قضايا الشرق الأوسط ومكانة القضية الفلسطينية فيها، يتقدمهم الان الديبلوماسي اللامع ميخائيل بوغدانوف.
وفي كل الأوقات كان السوفيات ثم الروس فيما بعد يقدمون نصائح هامة لمن يلتقونه من الفلسطينيين من مستوى عرفات ثم أبو مازن وحواتمة وحبش وغيرهم، جوهر هذه النصائح الاعتدال ثم الاعتدال ثم الاعتدال، بما في ذلك حضهم على الاعتراف بالقرار 242، الذي كان من المحرمات التقليدية في السياسة الفلسطينية.
والان لا يخفى على أي سياسي ان موسكو القديمة لم تعد هي موسكو ذاتها، ونحن في مطلع الربع الثاني من القرن الحادي والعشرين، ولا أخال الرئيس عباس لا يعرف ذلك اكثر من غيره فماذا سيقول في هذه الزيارة.
سيبث لاصدقائه الروس مر الشكوى عن سلوك اصدقائهم الاسرائيليين تجاهه وتجاه اعتداله، ولا شك ان لدى الرئيس عباس الكثير الكثير ليشكو منه، وسيتحدث عن مشروعه المفضل وهو عقد مؤتمر دولي للسلام على غرار انابوليس او مدريد الذي نعيش الان ذكراه الثلاثين، وسيتحدث كذلك عن الرباعية الدولية التي ما تزال تحت تأثير المنوم الإسرائيلي الأمريكي الثقيل، وسيتحدث عن خطابه الأخير في الأمم المتحدة الذي امهل فيه إسرائيل سنة لانهاء احتلالها والا فستكون خياراته مفتوحة من اعتماد حل الدولة الواحدة الى العودة الى قرار التقسيم الى اعلان التنصل النهائي من أوسلو وإلغاء الاعتراف المتبادل واشياء كثيرة تنتسب الى هذا الاتجاه.
سيظهر المضيفون من بوغدانوف الى لافروف الى بوتين تفهما مهذبا لكل ما يقول ضيفهم، فهم يعرفون كذلك ماذا يفعل الإسرائيليون في السياسة وعلى الأرض ويعرفون أيضا الفرق بين الموقف المبدئي السليم الذي يلتزمه الروس حيال الفلسطينيين والقدرة على تجسيد هذا الموقف او على الأقل اقناع الإسرائيليين بمجرد مناقشته، وبكل اللباقة التي عرفت عن ديبلوماسييهم وقادتهم فلن يعارضوا بصورة مباشرة صريحة ما يذهب اليه الرئيس عباس في خيارات ما بعد السنة، الا انهم سيقترحون عليه أولا ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني بتسلسل محدد فتح السلطة المنظمة وحماس، وسيبدون استعدادا للمساعدة في هذا الامر نظرا لحظوتهم لدى جميع اطراف الخلاف الفلسطيني الفلسطيني، وسينصحونه بعدم الذهاب بعيدا ولو في الخطاب او المناورة نحو خيارات مستحيلة كالدولة الواحدة والتقسيم، ما دام العنوان المتداول إقليميا ودوليا وحتى أمريكيا ما يزال حل الدولتين ، وسينصحونه كذلك بعدم وضع توقيع الفلسطينيين على شهادة وفاة أوسلو رغم التنكيل الإسرائيلي بها، ليس اقتناعا روسيا بكفاءتها وانما خشية من ان يدخل الفلسطينيون في متاهة غامضة بدائلها غير محسوبة بل وحتى غير معروفة ، ذلك ان اعلان وفاة أوسلو نهائيا له ثمن يدفع وليس مزايا تكتسب.
وحين يكون الموقف الروسي هكذا وهو الأكثر اخلاصا لحل الدولتين، فتقديري ان الرئيس الفلسطيني سيضعه في اعتباره وبمكانة أساسية في مجال الخيارات قبل انقضاء سنة الإنذار وبعدها.
سيعمل الروس قدر استطاعتهم وهم الموجودون الان على ارض الشرق الأوسط الملتهب، وعلى تماسٍ مع اهم جغرافيات الصراع مع إسرائيل، سيعملون من اجل إعادة القضية الفلسطينية الى أولويات الاهتمام، والباقي مرتبط بالتطورات وما تنتج أخيرا من خلاصات.