رجب أبو سرية - النجاح الإخباري - رغم مُضي أقل من أسبوع على فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة الليبية، إلا أن عدد المترشحين بلغ ثلاثة وعشرين مرشحاً، يتقدمهم سيف الإسلام معمر القذافي، وخليفة حفتر وعقيلة صالح، بما يعني بأن الانتخابات ستكون مثيرةً بدرجة ما، هذا رغم حالة الإحباط التي تنتاب الليبيين بعد أكثر من عشرة أعوام مضت على إسقاط نظام معمر القذافي بعد «ثورة 17 فبراير» عام 2011 والتي أدت إلى مقتله بشكل مريع، لم تستقر أحوال البلاد، بل لم تشهد وحدة داخلية حقيقية، فضلاً عن تبديد ثرواتها، خلال تلك العشر سنوات التي مضت.
ولعل تسجيل أقل من ثلاثة ملايين ليبي من أصل سبعة ملايين لأسمائهم وبالتالي لإثبات حقهم في الانتخاب، بغض النظر إن كانوا سيقترعون فعلاً أم لا، يظهر مدى عدم الاكتراث الشعبي بحدث الانتخابات الرئاسية على أهميته، التي لا يقلل منها إجراء الانتخابات التشريعية بعدها، ذلك أن النظام الليبي مثل كل الأنظمة العربية، ولم يغير إسقاط بعض الأنظمة من الأمر شيئاً، يبقى نظاماً رئاسياً، وليس برلمانياً، يتمتع فيه شخص الرئيس بصلاحيات واسعة.
الطريف في الأمر ليس هو أن هذه أول مرة تجري فيها انتخابات لمنصب الرئيس بالاقتراع العام وحسب، بل هي أول مرة يجري فيها تحديد المنصب وتحديد صلاحياته، فمعمر القذافي، كان يرفض أن يطلق عليه لقب رئيس، وكان يعتبر نفسه قائداً للثورة، فيما كان نظام الحكم قبله ملكياً وراثياً، محصوراً في آل السنوسي، وآخرهم إدريس السنوسي، ورغم هذا فإن عدد المترشحين للمنصب هو الذي يشير الى اهتمام النخبة بالحدث، فيما الشعب لا يبدي الاهتمام نفسه.
حقيقة الأمر أن الشعوب العربية، ومنها الشعب الليبي في حالة حيرة، فبعد أن حقق بعضها ما كان يبدو مستحيلاً، أي إسقاط حكام مستبدين، طغاة، إلا أن الأمر بدا وكأنه صار أسوأ، على الأقل في المدى القصير، أي خلال السنوات العشر الماضية، بل إن شعارها الناظم وهو «الشعب يريد إسقاط النظام»، بدا كما لو صار أن إسقاط النظام جرّ معه إسقاط الدولة نفسها، ذلك أن مؤسسات الدولة، بما فيها الجيش تعرضت إما للانقسام أو التآكل وحتى إلى الاقتتال، وحدث هذا في ليبيا وسورية واليمن.
من بين الدول الخمس، بعد العراق، التي اندلع فيها «الربيع العربي»، استقر الحال، على تغيير ما زال غير مضمون، لجهة تحويل منصب الرئيس الذي ما زال يتمتع بصلاحيات الحكم الفردي والمركزي، من نظام حكم الفرد المستبد، الى حكم الرئيس المنتخب بشكل حر فعلاً، في تونس فقط، فيما استقرت الدولة في مصر، وما زال الحكم فيها رئاسياً مركزياً، من غير الواضح أن شخص الرئيس سيتغير بغير الوفاة او الانقلاب أم لا. فيما كان الحال في كل من ليبيا وسورية واليمين مأساوياً، رغم أن ليبيا واليمن أسقطت الرئيس المستبد، بل إن كلاً من معمر القذافي وعلي عبد الله صالح لقيا مصرعيهما، فيما تحطمت الدولة في الدول الثلاث تقريباً، ففي سورية استنزفت البلاد، وارتهنت لدول خارجية _ روسيا وإيران_، فيما نزح نصف شعبها، وتم تدمير اقتصادها، وتحطيم جيشها، واليمن ما زال يشهد الحرب الداخلية المتداخلة مع الاحتلالات الخارجية، مع تفشي الأمراض والفقر، والانقسام، بين أكثر من حكم وسلطة، أما ليبيا فقد خسرت وحدتها الداخلية وفقدت ثرواتها النفطية، بحيث إنها ما زالت تسعى لإعادة توحيد البلاد على أرض الواقع، حيث ربما تنجح الانتخابات الرئاسية وما سيتبعها من انتخابات برلمانية في تحقيق هذا الهدف.
تحقيق وحدة ليبيا ربما يكون المنجز الأهم في حال جرت انتخابات الرئاسة والتزمت بنتيجتها الأطراف الحاكمة ميدانياً، لكن تقدم رموز القوة ومراكزها للمنصب الأهم، يعني أن واحداً هو الذي سيفوز، فيما الآخرون سيخسرون، ولعل هذا سيكون سبباً كافياً لبقاء انقسام البلاد على الأرض، وعدم وحدتها، إلا إذا كان من سينجح بمنصب الرئيس لديه القوة العسكرية والدعم الخارجي لفرض حكمه وبالتالي وحدة البلاد.
والطبع فإن فوز أحد المرشحين من بين كل هذا العدد، يمكن أن يكون مستبعداً من الجولة الأولى، ولو جرت جولة ثانية، فإن شكل التحالفات التي ستنقسم حينها بين اثنين، قد تقلل من خيارات بقاء واقع عدم الوحدة، لصالح اصطفاف حاد بين طرفين، قد يقتتلان لاحقاً، وقد يبديان قدراً من النضج بحيث يؤسسان لنظام تداول ديمقراطي.
المهم أن انتخابات الرئاسة الليبية ستجري في ظل عدم إقرار دستور انتخابي، بل إن النص الخاص بإجراء انتخابات الرئاسة في 24 كانون الأول القادم، والانتخابات التشريعية بعدها بشهر، رغم أنه جاء كتتويج لعملية سياسية رعتها الأمم المتحدة، إلا ان إقراره تم عبر رئيس البرلمان عقيلة صالح دون عرضه للتصويت على المجلس النيابي، وما يزيد من فقدان الثقة بأن الانتخابات ستغير كثيرا من الواقع الصعب الذي تعيش به البلاد، هو أن ثقافة العشائر ما زالت تحكم البلاد وتحسم خيارات الناخبين.
ويمكن القول مبكراً، اي الآن عشية إغلاق أبواب الترشح لمنصب رئيس الدولة، بأن التنافس الجدي سيكون بين القذافي الابن، وخليفة حفتر، وعقيلة صالح، وحيث إن صالح يعتبر المرشح المدني العجوز، فإن حفتر المتقدم بالسن أيضاً، يعتبر مرشح القوة العسكرية التي كانت عنواناً لانقسام البلاد مع فايز السراج، أحدهما في الشرق الليبي والآخر في الغرب، فيما يعتبر فوز القذافي الابن عودة للماضي، وهو مرشح قوي، استناداً إلى قبيلته والى خلايا وبقايا نظام والده التي ما زالت بين ثنايا المجتمع الليبي، الذي قد يرد على الفوضى التي اجتاحت البلاد خلال عشر سنوات مضت بالتصويت له.
ورغم أن فوز حفتر وحتى عقيلة صالح بمنصب الرئيس الليبي، لن يعني أن هناك نظاماً ليبياً جديداً يجري إرساؤه، يستحق عناء إسقاط النظام السابق بذلك الشكل الدراماتيكي الذي جرى عليه، إلا أن فوز سيف الإسلام سيعني بأن اندلاع ما سمي بالربيع العربي، خاصة في ليبيا كان خطأ، بل فعلاً طائشاً، لأن القذافي الابن نفسه، كان هو من يدير الدولة فعلياً، في ظل شغف أبيه بكونه قائداً لثورة عالمية، وليس قائداً لليبيا فقط، وهذا كان شكلاً مغلفاً بشعار «ثوري» لظاهرة التوريث التي ابتدعها النظام «الجمهوري» العربي في آخر محطاته الاستبدادية، ونجح في سورية، رغم الوفاة المفاجئة لمن كان يتم إعداده كوريث لابنه في منصب الرئيس، وفشل في مصر بفضل ربيعها العربي، لكن يبقى أن سقوط الدولة يعني بأن الدولة الحديثة لم تنجز في العالم العربي، وهكذا حين يسقط المستبد تسقط معه «دولته» وهي عبارة عن أجهزة أمن وديكورات مدنية، حكومةً وقضاءً وبرلماناً وخلافه!