نبيل عمرو - النجاح الإخباري - نماذج رئيسية الى جانب أخرى فرعية تدلنا على الحل الإسرائيلي المعتمد للقضية الفلسطينية، القائم على أساس تثبيت امر واقع يضمن سيطرتها التفصيلية وطويلة الأمد على الحياة الفلسطينية وخصوصا الأرض والمال والناس.
وتعتمد في سبيل ذلك مقايضات تفرضها على الفلسطينيين من جانب واحد.
الأرض:
أكثر من نصف مساحة الضفة الغربية صنفت وفق اتفاقات أوسلو كمنطقة “ج” وما زال هذا التصنيف معمولا به من قبل إسرائيل ومعترفا به من قبل العالم، أي ان السيطرة المطلقة فيها ما تزال لإسرائيل، وحين انهارت عملية أوسلو والتهمت إسرائيل مناطق “أ” و “ب” بالاقتحام والحصار وإلغاء الخطوط الفاصلة، أضحت المنطقة “ج” رصيدا لإسرائيل في مجال السيطرة والاستيطان، وليس كما كانت أيام حياة أوسلو اقرب الى الوديعة المؤقتة تعاد على مراحل لاصحابها الفلسطينيين، على ان تستكمل السيطرة الفلسطينية عليها مع اكتمال السنوات الخمس التي هي عمر الفترة الانتقالية.
انقلب الواقع رأسا على عقب ذلك ان المنطقة “ج” لن تعاد للفلسطينيين وفق أوسلو والتزاماتها الملغاة، بل سيسمح لاصحابها البناء فيها وفق قرارات ومواصفات إسرائيلية ، وكأن سكان المنطقة “ج” مجرد مستوطنين يتماثلون مع ”نظرائهم” الإسرائيليين في شروط البناء ولكنه تماثل في الحالة وليس في الحجم والحقوق، اذ يحصل الفلسطينيون على عدد محدود من تراخيص البناء في تلك المساحة مقابل دفعات غير محدودة من تراخيص استيطان إسرائيلي ليس في تلك المنطقة وحدها وانما في كل الأرض الفلسطينية.
المقايضة الجارية الان فيما يتصل بالأرض استقرت على ان تحتفظ إسرائيل بها وتقايض بتصاريح بناء لاهلها.
المال:
ما تتصرف إسرائيل به لم يعد كما كان في الاتفاقات في حياة أوسلو كمال تجبيه إسرائيل بالاجرة مع انه كله عائد للفلسطينيين، انقلب الامر فهي تقتطع منه ما تشاء وتوظف ما لا تقتطع وفق اجندات السيطرة لديها ، وحين تشارف السلطة على افلاس نهائي تقدم لها قروضا تسمى للتخفيف من الأثر المعنوي سلف تسد رمقها وتوقف مؤقتا انحدارها نحو الانهيار.
إسرائيل ليست بحاجة مالية لما تقتطع من المال الفلسطيني الا انها بحاجة الى جعل حركة المال وسيلة فعالة للسيطرة بل والتحكم في حياة الفلسطينيين وقدرات سلطتهم، اذا ووفق نظرية المقايضة فما يجري الان هو بين المال الفلسطيني المسيطر عليه إسرائيليا او على معظمه ان توخينا الدقة، والحقوق الفلسطينية التي هي بالنسبة للفلسطينيين والعالم ثابتة وغير قابلة للتصرف.
الناس:
وهذا هو بيت القصيد… الفلسطينيون يرحبون بكل ما يحصلون عليه من تسهيلات بدءا من رخص البناء وتصاريح الحركة وزيادة عدد العمال وكذلك التسهيلات الاستثنائية للتجار ورجال الاعمال وقادة السلطة على اختلاف مجالاتهم وكذلك تسوية بالقطارة لأوضاع العالقين الذين تحولوا الى ما يشبه طبقة “البدون” وهم بين أهلهم وعلى ارض وطنهم.
المقايضة هنا استقرت في حالة الناس بين ما يسمى بالحل الاقتصادي الذي تتبناه إسرائيل وتعمل على ان يكون بديلا للحل السياسي الذي ينشده الفلسطينيون.
لم يعد ما اشرت اليه مجرد اتهامات واستنتاجات، فهو السياسة المعلنة والممارسة فعلا على الأرض والحقوق والناس، وتوضع من اجلها تشريعات وإجراءات حكومية تنفيذية حتى ان وزير الامن جانتس طور وضعه ليصبح عرّاب المصير الفلسطيني بما في ذلك السماح للاسرائيلين فرادى ومجموعات وشركات، بشراء الأراضي الفلسطينية، صحيح انه اضطر للتراجع عن هذه الخطوة الا انها لم تفارق حساباته وحسابات حكومته فإن لم تنفذ اليوم فغدا او بعد غد .
السؤال الأكبر حيال ذلك، هل الحل الإسرائيلي القائم على أساس المقايضات هو حل حقيقي وفيه مقومات انهاء القضية الفلسطينية والى الابد، الجواب هو ليس كذلك على الاطلاق بل انه حل تخدع فيه إسرائيل نفسها قبل ان تخدع الفلسطينيين والعالم، لأن الفلسطيني في غزة كما في الضفة والقدس وحتى في أي مكان يتعامل مع التسهيلات الإسرائيلية على انها بعض قليل من حقه وليس كله وحين يطالب بها ويقبل بما يتحقق منها فهو لا يدخل طرفا في المقايضة الإسرائيلية البائسة، ومهما حصل على تسهيلات من أي نوع فهو ابعد ما يكون عن مقايضة حقوقه الأساسية بهذه التسهيلات السطحية.
واذا كان هنالك من اجماع عميق يربط الفلسطينيين بقضيتهم وحقوقهم فيتجلى في معادلة لم تفهمها إسرائيل بعد، قوامها الحرية والاستقلال هما أساس المعتقد الفلسطيني اما ما هو غير ذلك فلا اثر له في زعزعة هذا المعتقد، وهذا ليس مجرد اجتهاد او قول فلسطيني فهنالك في إسرائيل ذاتها من يدرك عمق هذا المعتقد الفلسطيني وسطحية بل وعبثية مقايضته برشاوى التسهيلات.