نابلس - أشرف العجرمي - النجاح الإخباري - في عام 2018 صوت البرلمان الأوروبي بأغلبية كبيرة على خفض المساعدات الأوروبية لقطاع التعليم في فلسطين. وكانت هناك شروط للاتحاد الأوروبي لاستمرار تقديم الدعم تتمثل بإجراء تعديلات في مناهج التعليم التي تدرس في مدارس وكالة الغوث «الأونروا»، وذلك في ظل الاتهامات بأن هذه المناهج «تحض على العنف والكراهية ولا تتناسب مع معايير حقوق الإنسان والأمم المتحدة». وتوقعت أوساط عديدة أن يقدم البرلمان الأوروبي على خفض الدعم للسلطة هذا العام في التصويت الذي تم في العشرين من تشرين الأول الماضي، ولكنه وعلى عكس التوقعات المتشائمة رفض البرلمان خفض المساعدات المقدمة للسلطة الوطنية، وزاد في قراره الدعم لوكالة الغوث بمبلغ إضافي يقدر بـ 55 مليون يورو ليصبح مجموع ما يقدمه الاتحاد الأوروبي للوكالة 142 مليوناً بدلاً من 92 مليوناً. وهذا مهم حتى لو كان هذا القرار سيخضع لنقاش طويل مع المفوضية الأوروبية.
الترحيب الفلسطيني بتصويت البرلمان يجب ألا يغطي على حقيقة ما تمر به علاقات السلطة مع الجهات الدولية الداعمة لها، وكيف يمكن أن تتطور هذه العلاقة بالاتجاه السلبي أو الإيجابي، وهذه رهن بدرجة كبيرة بقدرة القيادة الفلسطينية على معالجة مواطن الخلل في هذه العلاقة. فالسلطة فقدت الدعم العربي وعملياً توقفت الدول العربية عن تمويل السلطة باستثناءات قليلة لا تذكر، وكذلك فقدت الدعم الذي كانت تحصل عليه من الولايات المتحدة الأميركية، وهو كان دعماً كبيراً سواء لمشاريع البنية التحتية والمقدم من وكالة التنمية الأميركية «USAID» أو الذي يقدم لدعم موازنة السلطة ولمنظمات المجتمع المدني. كما تم تقليص الدعم الذي كانت تقدمه بعض الدول الأوروبية بصورة فردية لأسباب تعود لجائحة «الكورونا» أو لتحفظات تجاه السلطة.
في الواقع، يجب أن يضيء حديث أوساط نافذة في الاتحاد الأوروبي عن خفض المساعدات الضوء الأحمر لدى السلطة الفلسطينية، فهو مؤشر على أن الأخيرة لا تحظى بالتقدير المطلوب. وبعض الأوروبيين يرون أن السلطة تعاني من الفساد وسوء الإدارة إضافة إلى قمع الحريات العامة. ويبدو أن مجمل التقارير التي تصل دول الاتحاد سلبية. وعملياً هناك انتقادات فلسطينية داخلية كبيرة لأداء السلطة في مختلف الجوانب، ومما لا شك فيه أن قضية مقتل نزار بنات وطريقة معالجة السلطة لهذا الملف وتعامل الأجهزة الفلسطينية مع الاحتجاجات والتظاهرات قد أدت إلى «زيادة الطين بلة» في الواقع الفلسطيني. وحتى الإدارة الأميركية التي أعلنت بعد سقوط الرئيس دونالد ترامب الذي قطع المساعدات عن السلطة بسبب رفض القيادة الفلسطينية «صفقة القرن»، أنها ستعود لتمويل السلطة لم تقم باستئناف بذلك بعد، ربما بسبب رؤية سلبية للسلطة، بالإضافة إلى بعض الإجراءات القانونية.
هناك أمران ينبغي القيام بهما على وجه السرعة لتفادي انهيار محتمل للسلطة في ظل الضائقة المالية التي تعاني منها بسبب تقلص الدعم المقدم لها بصورة كبيرة ومؤثرة وهما: تحسين أدائها والقيام بإصلاح جدي يقنع الشارع الفلسطيني أولاً ومن ثم يقنع المانحين الدوليين. وهذا يتم فقط في وجود أحد احتمالين: الأول، القيام بانتخابات عامة يتم خلالها انتخاب مجلس تشريعي يقوم بمهمة الرقابة على أداء السلطة التنفيذية ويضمن قيامها بعملية إصلاح جذري ومعالجة أوجه الفساد. وهذا احتمال ضعيف للغاية بسبب مشكلة الانتخابات في القدس الشرقية والمشاكل داخل حركة «فتح» ووجود أكثر من قائمة، وأيضاً تدني مستوى الدعم الشعبي للسلطة الفلسطينية وللحركة خصوصاً مقابل حركة «حماس».
والاحتمال الثاني للإصلاح هو تولي منظمة التحرير وخاصة المجلس المركزي لمهمات المجلس التشريعي والقيام بدوره بصورة مقنعة وجدية، تضمن أولاً إعادة الاعتبار للمنظمة بصفتها التمثيلية ودورها الطبيعي كقائد لنضال الشعب الفلسطيني والممثل الشرعي الوحيد له. وهذا عملياً مطلب لقوى سياسية عديدة، كما أنه مرحب به من الشعب الفلسطيني. فموضوع المنظمة ودورها كان مطروحاً منذ فترة طويلة على ضوء تآكل مكانتها لصالح السلطة الوطنية. وهي صاحبة الولاية على السلطة.
والأمر الثاني المهم لمنع انهيار السلطة بسبب الوضع الاقتصادي السيئ هو إعادة الدفء لعلاقات القيادة الفلسطينية مع الدول العربية وخاصة الدول المؤثرة سواء في تقديم الدعم السياسي أو الدعم المالي للسلطة. فانقطاع التمويل العربي للسلطة كان مؤلماً بصورة خاصة وله آثار كارثية على مجمل الوضع الفلسطيني.
من الواضح أنه توجد لدينا مشكلات جوهرية في إدارة شؤوننا، والسلطة اليوم في أسوأ أوضاعها منذ نشأتها وتكاد تفقد السيطرة على الأرض. فهل لنا أن نعيد التفكير بوضعنا القائم ونصلح ما يمكن إصلاحه ونمنع الانهيار القادم؟ أم أننا سنكتفي بالتهليل أو الانتقاد للمواقف الإقليمية والدولية المتعلقة بدعم السلطة؟