نابلس - مهند عبد الحميد - النجاح الإخباري - قال مستوطن للعامل الفلسطيني الذي يعمل في مستوطنة «كوخاف يعقوب» المقامة على أراضي قرية دير جرير: هذه «أرض يهودية» سرقها فلسطينيون! ونحن سنستردها». المستوطن يعمل ضمن مجموعة من شبيبة التلال لإقامة بؤر استيطانية بالشراكة مع جيش الاحتلال والإدارة المدنية ومجلس المستوطنات وممولين من «جمعيات وأثرياء يهود» في الداخل والخارج. وكانت مجموعة من المستوطنين قد شرعت بنصب خيام على قمة جبل الشرفة في دير جرير. غير ان مسيرات الاحتجاج المتواصلة التي نظمها أهالي القرية نجحت في إزالة البؤرة الاستيطانية التي كانت بحراسة جيش الاحتلال. ولم يمض طويل وقت حتى عاد المستوطنون للمكان الذي انسحبوا منه، وكالعادة أستأنف أهالي القرية احتجاجهم ومعارضتهم للتمدد الاستيطاني في أراضيهم. الجديد في الأمر أن عدداً كبيراً من الشبان المحتجين تعرضوا للاعتقال وبعضهم حكم بالسجن لمدة عام بتهمة الاحتجاج السلمي على سرقة أراضي قريتهم، في الوقت الذي منع فيه جيش الاحتلال المواطنين الاقتراب من المكان ووضع نظام حماية محكمة للمستوطنين الذين يعيثون بالأرض نهباً وتخريباً وسرقة.
هذه الحادثة وعشرات الحوادث الأخرى التي كان مسرحها الأرض الفلسطينية المحتلة، تطرح العلاقة السافرة بين مستوطنين قتلة وإرهابيين ولصوص أرض ومتزمتين دينيين، وبين جيش الاحتلال الذي يتباهي بالفم الملآن «بطهارة سلاحه» و»بحمايته» للنظام والقانون. وكانت صحيفة هآرتس ومنظمة بتسيلم قد وثقتا إطلاق مستوطن النار على فلسطينيين من سلاح جندي إسرائيلي كان قريباً منه. وأشارت إلى أن هذه الحادثة ليست شاذة، إذ شهدت الأشهر الماضية، عدداً من حالات إطلاق المستوطنين النار على الفلسطينيين في ظل وجود الجنود الإسرائيليين على مقربة منهم في قرية عوريف وقرية عصيرة القبلية بالضفة الغربية.
منظمة «بتسيلم» وثقت خلال الأشهر الأخيرة تزايداً في عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين بنسبة 33% واتهمت قوات الجيش الإسرائيلي بغض الطرف عن هذا العنف. كذلك فعل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، عندما أوضح في تقرير خاص، أن المستوطنين الإسرائيليين ارتكبوا خلال العام الماضي، 771 حادث عنف، أدَّت في مجملها إلى إصابة 133 فلسطينياً، وإلحاق أضرار بـ9646 شجرة و184 سيارة، في الخليل، والقدس، ونابلس، ورام الله. وقال بيان لمنظمة «نكسر الصمت» إن العسكريين يوفرون «عباءة حماية» للمستوطنين الذين باتوا يزدادون عدوانية. أما «حركة السلام الآن» فقد سجل تقريرها تأسيس 42 بؤرة استيطانية غير مشروعة، خلال السنوات الثلاثة الماضية بالمقارنة مع 16 بؤرة من النوع نفسه أنشئت في ثلاث سنوات سابقة على هذا التاريخ. المصدر الاندبندنت العربية 13/7/2021.
يوسي كلاين في «هارتس» وضع النقاط على الحروف بالقول: نعرف أنه طالما هناك مستوطنون فستكون هناك جرائم في الضفة. هم محصّنون، ومحظور المس بهم. هذه ليست سياسة، بل ثقافة.. ثقافة الكذب والنفاق.. ثقافة الذين يتوقون لقتل الجميع «المتطرفين» أو طردهم إلى الأردن «المعتدلون». جميعهم، متطرفون ومعتدلون، يريدون أن يختفي الفلسطينيون، أن يتبخروا، أن يزولوا لأنه «لا حل آخر».
المعلومات الموثقة تؤكد وجود إستراتيجية مشتركة وتقسيم عمل بين المؤسسات الأمنية والحكومية والتشريعية والاستيطانية الإسرائيلية، الكنيست يشرع المصادرات والبناء الاستيطاني والحكومة تنفذ المهمات، والانتهاكات الفاقعة والإجرامية يتولى أمرها رعاع المستوطنين وهم بمثابة رأس حربة، والمؤسسة العسكرية والامنية (جيش وأجهزة) تلبس لبوس الالتزام بالقانون ومخالفة المنتهكين بصرف النظر عن انتمائهم القومي والديني ن لكنها تحميهم وتساعدهم على تنفيذ المخططات وتشاركهم جرائمهم، والمحكمة العليا تضفي على السياسات الاستعمارية طابعاً قانونياً، وتكون النتيجة تمرير الاهداف وتثبيت النهب والسرقة والضم وتكريس نظام الابارتهايد الاستعماري.
يتوقف أقطاب الاستيطان وحماته الآن عند حلقة تفكيك وتدمير المقاومة والصمود وتهميش المجتمع المدني، أي تدمير الفعل الفلسطيني الطبيعي والمشروع، في مواجهة المشروع الاستيطاني الإقصائي الاستعماري. الآن وأكثر من أي وقت مضى، يتبنى أقطاب الاستيطان سياسة ترهيب ومعاقبة وإخضاع كل مواطن يدافع ويحتج على سرقة أرضه وأشجاره وحقه في الحركة. سياسة قمع منهجية مشهرة في وجه شعب بأكمله، فلا يمضي يوم بدون اعتقالات واستدعاءات وحرق أشجار وتحطيم سيارات وهدم منازل. سياسة شيطنة الفلسطيني طالت ست منظمات حقوقية لمجرد أنها مارست دور الرقيب والمدافع عن حقوق المواطنين. هدف السياسة الإسرائيلية المتوحشة هو إزالة العقبات من أمام الاستباحة الإسرائيلية للأرض والحقوق. ما يحدث هو أمر غريب من زاوية معاقبة الضحية والاستفراد بها ووضعها على هامش الاهتمام الدولي والإقليمي. ووجه الغرابة أن المعتدين يفلتون من العقاب وحتى من المساءلة، لكن الضحايا يعاقَبون. معادلة تصيب العدالة في مقتل. ورغم ذلك يكتفي النظام الدولي الرسمي بمناشدة المعتدين ولفت نظرهم الى خطورة المس بحل الدولتين الذي اصبح شماعة يعلق عليها التواطؤ مع جرائم الاحتلال التي ترقى الى جرائم بحق الإنسانية. في ظل الاستباحة الإسرائيلية للحقوق الفلسطينية الكبيرة والصغيرة، تُكافَأ دولة الاحتلال بعلاقات وأشكال من التعاون فوق العادة، وتُعاقَب فلسطين مالياً وسياسياً، فقد تراجع الدعم للسلطة بنسبة 90% وتراجع الدعم للأونروا وللمنظمات غير الحكومية التي أصبحت أمام شروط جديدة عنوانها تقديم تعهدات، من بينها ضمان التخلص من شبهة الإرهاب بالتعريف الإسرائيلي له. بقيت الشروط التي وضعها دونالد ترامب سارية المفعول عربياً ودولياً، وقد كان المتضرر الأكبر من وقف الدعم هو القطاعات الواسعة من الشعب الفلسطيني في مجالات الصحة والشؤون الاجتماعية والتعليم والتنمية البشرية، فضلاً عن إعادة الاعمار المتعثرة في قطاع غزة منذ عدوان 2014 وتفاقمت أكثر بعدوان 2021.
لحسن الحظ فقد انبرت قوى متعاظمة من حقوقيين وأكاديميين وفنانين ومثقفين ومفكرين ونقابات عمالية وطلبة وحركات اجتماعية للدفاع عن الشعب الفلسطيني. تلك القوى انتصرت للعدالة وحقوق الإنسان ولحرية فلسطين وكل الشعوب التي تعاني من الاستبداد. أصبح العالم عالمين، عالم المصالح الذي لا يضيره انتهاك الانسان والبيئة ولا يكترث لتجويع مئات الملايين من البشر، وعالم قيم الحرية وحقوق الإنسان والعدالة والمساواة بين البشر. عالم يملك القوة والمال وآلة الحرب، وعالم يملك القدرة على استقطاب كل الضمائر الحية وكل الذين يعانون من التوحش الاقتصادي والسياسي والأمني ومن التمييز العنصري. يمضي الاستقطاب بين العالمين، ولاتزال الكفة الراجحة لعالم التوحش في معظم البلدان، ويتفاوت الرجحان من بلد لآخر، ففي فلسطين لايزال الاستفراد الإسرائيلي بالشعب الفلسطيني يفعل فعله بشدة رغم مقاومته على كل الجبهات. إزاء ذلك ما يحتاجه الشعب الفلسطيني هو بناء جسور مع عالم الحرية والعدالة والتضامن الحقيقي، ولا شك ان ما يعيق ذلك هو ضعف البنية الفلسطينية السياسية والإدارية القادرة على تفعيل التلاقي مع كل القوى الحية في العالم. فمن يستطيع ومن يبادر؟ إنه سؤال اللحظة السياسية الراهنة.