عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - على ما يبدو فإن وزير الأمن الإسرائيلي (الدفاع) لا تنقصه الرعونة ولا التسرع، ولا حتى الخفّة في الإقدام على أعمال غير محسوبة بالقدر الكافي.
ردود الأفعال التي «تلقاها» الوزير المنفعل حتى الآن لا تبشره بأي خير، وأغلب الظن ان هذا «الوسطي» لن يلقى الثناء سوى من الوزيرة شاكيد ومن على شاكلتها، إضافة بطبيعة الحال الى علامات الرضا والاغتباط من رئيس الوزراء المتطرف الى درجة قد تعرضه للحسد!
داخليا تعرض الوزير «الوسطي» لحملات لا بأس بها حتى الآن من التوبيخ الفاضح والمبطن ووصفت بعض الأوساط الحزبية المحسوبة على ما يسمى اليسار الصهيوني أفعاله بأنها متسرعة في اشارة الى كونها رعناء وطائشة.
وأخذ «اليسار» الصهيوني عليه تفرده في قرارات وإجراءات لا يدرك أبعادها، ولا الحاجة لأن تكون هذه القرارات والإجراءات «معللة» و»منطقية» وذلك بالنظر إلى ان المنظمات الفلسطينية تعمل في مجال حقوق الإنسان، وهو أمر يضفي على عملها هذا الكثير من «الحساسية السياسية»، وبالنظر ايضاً الى شبكة العلاقات الواسعة والمتشعبة التي تمتلكها هذه المنظمات مع منظمات دولية عاملة في نفس الحقل والاختصاص مثل، منظمة العفو الدولية (أمنستي) ومنظمة (هيومن رايتس ووتش) الأميركية، ذائعة الصيت والتأثير ومنظمات إسرائيلية أيضاً مثل منظمة (بيتسيلم) الشهيرة.
ويبدو هنا ان وزير الحرب الإسرائيلي ما زال «غضاً» في السياسة ودهاليزها، وليس لديه بعد خبرة العمل «الماكر» واصول مهارات وفنون الألاعيب الضرورية في الحالات الملموسة للحساسيات السياسية.
الوزير لم يدرك بما يكفي ان كل الأحزاب السياسية او اغلبها قد لا تختلف معه من حيث مبدأ القرارات والإجراءات بقدر ما انها ليست على نفس درجته من الخفة والاستخفاف، وهي ليست بحاجة الى المزيد من «الإحراجات» أمام جمهورها، كما انها لا ترى في قراراته وإجراءاته اي حكمة يمكن ان تعود على إسرائيل كدولة، او على حال الائتلاف الحاكم فيها، بما هو عليه (الائتلاف) من ارتباك وإشكاليات داخلية، ومن افتقاد للتماسك والانسجام في توقيت حساس للغاية، وهو التوقيت الذي يسبق الاتفاق على إقرار الميزانية التي لم يتبق على موعد اقرارها اكثر من أسبوعين.
وأما ردة الفعل الخارجية فحدث ولا حرج. فبالإضافة الى النفي الرسمي الاميركي على لسان الادارة الاميركية لمعرفتها المسبقة بتلك القرارات والاجراءات، وهو ما يمكن وصفه بالفضيحة السياسية، فإن سيلاً من الانتقادات قد بدأ ينهال على اسرائيل جراء هذه القرارات.
الأنكى من ذلك كله ان هذه القرارات قد جاءت في خضم الإعلانات الحكومية الإسرائيلية عن بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة وفي إطار جديد ومتجدد «لتبييض» البؤر الاستيطانية في «تحد» واضح للولايات المتحدة ولإدارة بايدن نفسه، وفي استفزاز غير مفهوم للمجتمع الدولي، وخصوصاً الأوروبي الى درجة ان لهجة الإدارة الأميركية حيال هذه الإعلانات قد جاءت اعلى من المعهود من الردود المعهودة للأميركيين في مثل مناسبات كهذه، والى درجة «أجبرت» الاتحاد الأوروبي على اعادة وصف الاستيطان ـ كل الاستيطان ـ كاستيطان غير مشروع، كاملا وبكليته، وليس فقط يهدد السلام او يعيقه، او كونه «يؤثر» على فرص حل الدولتين.
وهنا يبرز سؤال محدد وملموس:
هل أمل غانتس او تشاور مع نفتالي بينيت ومع ساعر بأن، ولكي تشكل هذه القرارات والإجراءات «مظلة» لشد الانتباه اليها «علها» تساعد على التغطية على قرارات بناء الآلاف من الوحدات الاستيطانية؟
أقصد هل ان قرارات غانتس كانت «مدروسة»، ومتوافقاً عليها، وفيها من السمات ما يمكن اعتبارها «مؤامرة محبوكة» بين اليمين والوسط؟ وهل عدم طرح القرارات مسبقاً في الحكومة وفي المجلس الأمني المصغر هو الدليل على وجود مؤامرة كهذه؟
الجواب: نعم يمكن ان يكون الأمر كذلك.
هل اراد بينيت وساعر الايقاع بغانتس حتى يقع فريسة لهذه اللعبة، وبالتالي تحميله مسؤولية الاخفاق في حالة وقوعه؟ النتيجة التي نعرفها الآن أن الفشل والإخفاق قد أصبحا ماثلين امام الجميع.
وهل راهن اليمين والوسط على هذه التغطية من جهة، وعلى اختبار «اليسار» الصهيوني، وجس نبض ردود أفعاله على الاستيطان الجديد وعلى قرارات غانتس عشية او ما قبل التصويت على الميزانية، والتي تشكل محطة مفصلية في بقاء هذا الائتلاف من عدمه؟
الحقيقة ان كل هذه التساؤلات تعكس اكثر ما تعكس هشاشة وضع هذه الحكومة، والرعب الذي ينتاب كل مكوناتها يميناً ووسطاً ويساراً، والحقيقة ان هذا الائتلاف فيه من الوقائع ما يكفي ويزيد ويفيض هو ائتلاف آيل للسقوط لا محالة، سواءً كان هذا السقوط بسبب شدة الإرباك والارتباك، الذي يعيشه هذه الأيام، او بسبب عدم القدرة على تمرير الميزانية لهذا الاختلاف او ذاك، او بسبب ان نفتالي بينيت على قناعة بأن من شأن تسليم مقاليد الحكم في إسرائيل الى غانتس سيؤدي حتماً الى سيطرة الوسط على هذه المقاليد بما يهمش حزب «يمينا» وقدرته على التأثير الفعال على سياسات الحكومة، وهو الأمر الذي قد يفضي إلى «تفضيل» الانتخابات المبكرة على وضع التهميش الذي يقض مضاجع اليمين المشارك في هذا الائتلاف.
وأما «الوسط» من جهته أيضاً فهو يهدف من جهة للمناورة بأعلى درجة ممكنة لكي يصل الى سدة الحكم «بسلام وأمان» لكي يحكم لابيد سيطرته على الائتلاف ويعيد بناء علاقات الثقة مع الإدارة الأميركية، ومع بلدان الاتحاد الأوروبي، ومع دول الإقليم العربي ويناور معها حول «الحلول» السياسية ـ والتي هي ليست حلولاً بأي حال ـ أملاً في إخراج إسرائيل من الأزمة التي تعيشها، والتي تعادل في الواقع ازمة البقاء في تناقض وصراع مع المجتمع الدولي، وازمة الوصم بالعنصرية وازمة عدم القدرة على التقدم ولو بخطوة واحدة نحو عملية سياسية جادة، وازمة استعصاء الحالة السياسية والحزبية، وازمات متصاعدة من الصراعات الداخلية الحادة بين كل هذه المكونات الحزبية والفكرية.
هنا اغلب الظن أن غانتس يفكر بالانزياح نحو أحزاب اليمين، وقد يكون في ذهنه ان سقطت هذه الحكومة، او جرى الذهاب الى انتخابات جديدة، الاصطفاف مع هذا اليمين وذلك لأن حظوط ائتلاف جديد يشمل نفس هذا الخليط العجيب والغريب باتت معدومة من وجهة نظره.
مرة أخرى يبدو غانتس يميني الهوى والقلب والمشاعر وحتى العقل، ولكنه وسطي الهواية واللعبة والغواية. وفي مطلق الاحوال فإن غانتس الذي اقترف عشرات الأخطاء الكبيرة في فترة زمنية قياسية، يثبت مرة اخرى ان اللعب على التخوم الفاصلة بين الوسط واليمين مسألة ممكنة فقط في ظروف عابرة واستثنائية، أما اللعب لفترة طويلة على حبال هاتين المنطقتين فقد يؤدي الى السقوط المدوي في الوادي السحيق.
اللعب هنا جربه إيهود باراك وسقط، وجربه غانتس نفسه مع نتنياهو وسقط، وحتى بيريس نفسه حاول ان يلعب هذه اللعبة وكانت النتائج محزنة، ولم يثبت ابداً لا في إسرائيل ولا في أي بلد في العالم ان لعب الوسط واليسار في ملعب اليمين الا وكانت النتيجة الفشل والفشل التام.
غلطة غانتس الجديدة ربما فعلاً هي غلطة الشاطر التي ستسوقه الى الهامش السياسي في إسرائيل.