نبيل عمرو - النجاح الإخباري - بعد أيام قليلة من خطاب الرئيس محمود عباس امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وصل الى رام الله السيد هادي عمرو آخر عنقود المبعوثين الأمريكيين الينا الذي كان واسطة عقدهم دينيس روس. وفوقه كثيرون من مستويات مختلفة زاروا المقاطعة في زمني عرفات وعباس.
وصول هادي عمرو وما نشر عن اقوال الرئيس في اجتماعه معه، وضع النقاط على الحروف، جعلت الغامض واضحا ووضعت حدا او يفترض ذلك للشطط في التفسيرات المتحمسة لمغزى الخطاب، ومع انني لست عضوا في الفريق السياسي ان كان هنالك فريق أصلا، غير الذين يستدعيهم الرئيس الى الغرفة الصغيرة الملحقة بمكتبه الكبير لتكليفهم بما يقولون ولا يقولون، الا انني اجتهدت في مقالين نشرا في القدس المقدسية والشرق الأوسط، بتقديم خلاصة للخطاب الدرامي اختصرته بجملة من ثلاث كلمات، “الحقونا والا فقدتمونا”. ولم يمض وقت طويل حتى لحقونا رغم انهم متأكدون من انهم لن يفقدونا.
هادي عمرو صاحب مقولة الغابة الجافة التي يشعلها عود ثقاب، سبقته اخبار عن قرب افتتاح القنصلية المختصة بالشؤون الفلسطينية بالقدس، ما يعتبره الرسميون الفلسطينيون نقلة ذات شأن في واقع العلاقات مع الدولة العظمى وبعضهم ينسبونه كإنجاز لديبلوماسيتهم.
الحوار الذي دار بين الرئيس عباس وهادي عمرو، يؤكد ان الرهان ما يزال هو ذات الرهان، وان الحبل السري الذي يربط الطبقة السياسية الفلسطينية ويزودها ببعض نسغ حياة هو الحبل الأمريكي، ولو ان هادي عمرو ليس بمكانة زوار المقاطعة القدماء الذين تراوحوا بمستويات بين رئيس ووزير خارجية ومستشار امن قومي وما بينهما من مراتب ومقامات.
ها قد حضر الامريكيون ودعونا اذا نراقب تطورات ما سيفعلون بشأننا، لنرى كم كان فعالا نداء الرئيس للحاق بنا قبل فقدنا، فكل ما يجري لا اسرار فيه ولا مجال لاخفائه سلبا ام إيجابا.
وفي الوقت الذي كان فيه السيد هادي عمرو ضيفا على المقاطعة، كان المكتب السياسي لحركة حماس ضيفا على مصر، ما فتح ابوابا واسعة لتوقعات إيجابية كالقول لولا وجود افق جدي لنجاح صفقة التبادل وحتى التهدئة طويلة الأمد، لما أقدمت القاهرة على استضافة تظاهرة قيادية حمساوية على هذا المستوى، ولم العجلة والبناء على توقعات واستنتاجات فكل ما سيقع من السماء ستتلقاه الأرض وساعتئذ يُعرف كل شيء.
خلاصة الحدثين الذين وقعا في رام الله والقاهرة، تشير الى عودة الى الرهان على ما اعتقد لوهلة قصيرة انه لم يعد قائما، انه الرهان السحري على واشنطن.
وفي غزة وبعد مؤتمر وعد الاخرة يعود الرهان على وعد الدنيا الى العمل، فمن غير مصر ينجز صفقة التبادل مع إسرائيل؟ ومن غيرها يأتي بثمن معقول للتهدئة قصيرة او طويلة الأمد؟ فلكل واحدة منهما مكافأته. ومن غيرها يفتح ويغلق المعبر الوحيد الذي يصل غزة بالعالم الخارجي مع الاعتذار لمعبر “ايريز” الذي ينسب فتحه الدائم الى وعد الاخرة.
الأمور في حالنا تعود الى قنواتها الطبيعية. قد تختلف اللغة وقد تتفاوت النبرة، وقد يصل الخطاب حد التفجير فما دام الامر ” لغة” فقل ما تشاء او قل ما تراه لازما للّحظة، اما اذا كان الامر يتعلق بسياسة ونهج فالقدرات اقوى من الكلمات، اذا لا تغيير فعليا لا في الضفة ولا في غزة عن ما توفره القدرات ولا تعجز عن ادعاء عكسه الكلمات.
في الضفة فُهم ان بديل أوسلو هو نصف فلسطين التاريخية او كلها في دولة واحدة، وفي غزة التي جرى فيها تداول حول الإدارة المسبقة لمفاعل ديمونا النووي، وتوظيف تريليونات من الشواقل التي تمتلىء بها خزائن البنوك الإسرائيلية، وإدارة شركات الهاي تك وغيرها من المنشآت التي صارت غنائم نصر، في غزة والضفة تقال أمور كهذه اما في واشنطن والقاهرة حيث المرجعيات فالامر مختلف، وما بين ما يقال ويفعل مسافة لا يعرفها الا صاحب وعد الاخرة.