راسم عبيدات - النجاح الإخباري - كلهم يقولون القدس خط احمر والقدس العاصمة الأبدية،والقدس لها كل الدعم والإمكانيات …كل هذه المرجعيات الرسمية المشكلة باسم القدس والمنظمة والرئيس ورئيس الوزراء الذي لبى نداء الخليل يبيعون القدس شعارات ومعسول الكلام واهل القدس لسان حالهم يقول،نريد فعلاً ونريد ترجمة حقيقية لهذه الأقوال والشعارات، فالناس لا تصمد بالإنشاء والسجع والطباق والمبارزة في البلاغة،حتى القروض لسكان القدس لدعم مشاريع الإسكان الفوائد عليها من البنوك الفلسطينية تزيد عن البنوك الإسرائيلية ثلاثة أضعاف،وشروط منحها تعجيزية ….. القدس يا أصحاب المرجعيات ويا قادة سلطتين وفصائل واحزاب ومرجعيات رسمية متعددة الأشكال والألوان تتصارع فيما بينها،اكثر من صراعاتها على دعم مدينة القدس، القدس في حالة اشتباك يومي مع المحتل والحرب عليها مستمرة وبدون فواصل، الإنسان المقدسي لا يعرف على كم جبهة يحارب او يقاتل، محتل يغرقه في دوامة من الأزمات المتتالية، حروب تطاله حتى في أدق تفاصيل حياته اليومية،قضايا اقتصادية واجتماعية، صاحب البيت في مدينة القدس وحتى وهو مالك له،يضطر لدفع ضريبة مسقفات ” أرنونا” عليه، تعادل أجرة بيت في الضفة الغربية، ومن كثرة المعرفة بواقع المدينة وأهلها وطبيعة همومهم ومشاكلهم، أحد قادة السلطة البارزين قال “ما انتوا بتقبضوا أرنونا” وليته يأتي لكي يقبض معنا،وأجرة أي شقة متواضعة في المدينة لا تقل عن 800 دولار امريكي، ولكم أن تتصورا في قلب مدينة القدس،وفي البلدة القديمة منها،كل محل تجاري يدفع 300 شيكل ما يعادل 90 دولاراً عن كل متر مربع، في ظل حركة تجارية واقتصادية شبه مشلولة، ليس فقط بما خلفته جائحة ” كورونا” من آذار/2020 وحتى اليوم، من تراجع كبير في الحركة التجارية والاقتصادية، وما نتج عنها من اغلاق لـ400 محل تجاري ومطعم ومقهى مرتبط بها،من تجار التحف الشرقية، وكذلك هناك جزء من التجار، أصبحت عملية فتح محلاتهم أكثر كلفة من عملية اغلاقها، لما يترتب عليها من مصاريف في ظل حركة تجارية ضعيفة.. حيث الاحتلال وأجهزته الأمنية والشرطية تضيق على الناس، وتولد عندهم حالة من الخوف والهلع والعزوف من الدخول إلى البلدة القديمة، حواجز شرطية ثابته ومتحركة وتفتيشات مذلة وقمع وتنكيل واغلاقات متكررة بسبب ما يسمى بالأعياد اليهودية ومسيرات المستوطنين الاستفزازية والإقتحامات المتكررة للأقصى.. ومنذ اكثر من عامين وعود متكررة للتجار بتقديم دعم بسيط لهم،لم يستكمل تنفيذه لأكثر من 365 تاجرا…. ولا يتلقى التجار في البلدة القديمة من المرجعيات الرسمية والسلطة والرئاسة والمنظمة ومن سلطة حماس في غزة سوى الوعود والكلام المعسول والبيانات والخطابات …الخ،والمؤسسات التي تعمل في القدس وتجمع المال باسم القدس، هي الأخرى لا تلتزم بوعودها، وتمارس الانتقائية في دعمها المتواضع، وإذا ما عرجت على اللجان المشكلة باسم القدس والصناديق العربية، فيبدو انها لا تمتلك قرارها بصرف قرش واحد في مدينة القدس بدون ضوء اخضر أمريكي.
البلدة القديمة ومحيطها من شوارع القدس الرئيسة،تشكل خط الدفاع الأول في مواجهة مخططات التهويد وتفريغ المدينة والبلدة القديمة من سكانها ومتاجرها،لكي تصبح الطريق سالكة نحو تهويد المسجد الأقصى،الذي باتت عمليات اقتحامه مؤخراً من قبل الجماعات التلمودية والتوراتية تجري بشكل واسع واعداد كبيرة،وما يرافق تلك العمليات من مظاهر ورموز تلمودية وتوراتية وصهيونية،حيث ممارسة طقوس الزواج في ساحاته وما يعرف بالسجود الملحمي ورفع علم دولة الإحتلال وأداء طقوس وصلوات تلمودية وممارسات شاذة ولا أخلاقية،ولكي تصل الأمور حد تجرؤ المتطرف الصهيوني ايتمار بن غفير زعيم ” الصهيونية الدينية” للقول بأنه في الإقتحام القادم سيحمل علم دولة الإحتلال علناً ويدخل به الى المسجد الأقصى ” جبل الهيكل” .
واذا ما عرجنا على قضايا أصحاب البيوت التي يهدمها الإحتلال سواء بواسطة جرافاته و” بلدوزراته” أو التي يضطر أصحابها لهدمها ذاتياً خوفاً من أن يحملهم الإحتلال تكاليف هدمها، خسارة فوق خسارة،فتكلفة الهدم لا تقل عن 30 ألف دولار امريكي،طبعاً هنا المواطن المقدسي يضطر للبناء غير المرخص لكون أي رخصة بناء لشقة من 100م2 لا تقل عن 60 ألف دولار،ومن يسعفه الحظ ويحصل على رخصة بناء بعد كل عمليات المماطلة والتسويف التي تمتد لسنوات من قبل بلدية الإحتلال، لا يتوفر لديه المال الكافي للبناء وتنتهي مدة الرخصة الممنوحة له للبناء، ليعيد الكرة من جديد وهكذا دواليك.
وفي هذه الجوانب سواء كتعويض عن عمليات الهدم او دعم من أجل البناء والترخيص، قيمة التعويض والدعم لا يسمن ولا يغني من جوع،وفي حده الأعلى لا يزيد عن 10 -20 % من التكاليف،وخسارة اصحاب البيوت غير المرخصة كبيرة جداً،فهو يضطر للقيام بعمليات مسح وتخطيط هندسي وتوكيل محامين،وتفرض عليه غرامات ومخالفات للبناء غير المرخص ،وبعد كل هذا الخسارة الأغلب تكون النتيجة قيام بلدوزرات الإحتلال بهدم بيته.
والحال على جبهة التعليم ليس بأفضل مما ذكرناه سابقاً،فبدون تورية او “تزييف” للواقع،التعليم في مدينة القدس وفق المنهاج الإسرائيلي يتقدم،حيث تتوالد المدارس التي تدرس المنهاج الإسرائيلي قبل ثلاث سنوات كانت النسبة لا تزيد عن 3 – 5% ، اليوم الحديث يدور عن 12%،ميزانيات ضخمة ترصد من قبل بلدية ووزارة معارف الإحتلال،ضمن الخطة الخماسية لحكومة الإحتلال من 2018 -2023 والتي رصدت لها 2 مليار شيكل من أجل دمج سكان القدس العرب في المجتمع والإقتصاد الإسرائيلي،خصص مبلغ 875 مليون شيكل لأسرلة العملية التعليمية في القدس،بما يسهم في” كي” و”تطويع” و”صهر” و”تجريف وعي طلبتنا،وبما يسطو على تاريخنا ويقزم جغرافيتنا ويزور روايتنا وينفيها.
مدارس السلطة الفلسطينية التابعة لوزارة الأوقاف الإسلامية في مدينة القدس داخل جدار الفصل العنصري،وبالفم المليان،نقول انها أضحت مدارس طاردة،ليس لأنه أغلبها في مباني مستأجرة،بل لكونه لا يتوفر لها الحد الأدنى من الدعم للأنشطة اللامنهجية والمصاريف اليومية الخدماتية،والنقص في المرافق التعليمية وإفتقارها الى البيئة التعليمية والضعف في الجودة التعليمة،وغياب الحوافز المادية والمعنوية والرواتب المنافسة،بحيث نتج عن ذلك بان أضحت تلك المدارس وخاصة الذكور منها ،طاردة للطلاب والمدرسين،وأصبحت نسبة الإشغال فيها لا تزيد عن 40 -50%،وكذلك هناك نقطة جوهرية عندما أقدم الإحتلال على اغلاق مكتب التربية والتعليم في البلدة القديمة في تشرين ثاني/2019،أقدمت التربية والتعليم الفلسطينية في القدس على إغلاق المكاتب الفرعية طواعية،وقبل أقل من شهر عندما أقتحمت أجهزة الأمن الإسرائيلية مدرسة الشابات المسلمات،للإشتباه بوجود أحد العاملين في مكتب التربية في تلك المدرسة،حيث عمدت التربية الفلسطينية الى ترحيل كل العاملين في مكتب التربية الى المدارس الفلسطينية في ضواحي مدينة القدس ورام الله.
وحال المؤسسات الصحية الكبرى من مشاف وغيرها،تعيش دوما في أزمات مالية،حيث السلطة لا تدفع التزاماتها المالية لتلك المشافي،وكذلك صراعاتها الداخلية ومراكز النفوذ والقوى والمصالح والفساد،تسهم في عدم نهوض وتطوير هذا القطاع الصحي .
نحن ندرك تماماً بان تلبية مجلس الوزراء لنداء محافظة الخليل التي تعاني وعانت من تهميش السلطة،لم يأت لأن السلطة أرادت ان تقوم بدورها وتتحمل مسؤولياته تجاه مدينة الخليل،كبرى محافظات الضفة الغربية،بل لأن اهل الخليل بمؤسساتها وفعالياتها وعشائرها رفعوا ” الدوزان” و”التهديد” في وجه السلطة،وقالوا لقيادتها،إما أن تفوا بالتزاماتكم وتتحملوا مسؤولياتكم،وإما هذا طلاق بيننا.
وفي مدينة القدس لتكن الخطوة الأولى لكي تلبي هذه السلطة نداء القدس،وتقف على حقيقة همومها ومشاكلها واحتياجاتها،أن يقوم تجار المدينة بحمل مفاتيح محلاتهم وتسليمها بشكل جماعي للسلطة في رام الله يوم اجتماعها الأسبوعي.
فبدلاً من الأموال التي تسيلونها الى عمارات وأراضي وعقارات وسيارات فاخرة واستثمارات وأرصدة في البنوك من أموال الشعب الفلسطيني،وكذلك من استثمارات بمئات الملايين في الخارج ،كما هو الحال في السودان ،حولوا جزءا منها من أجل تعزيز صمود المقدسيين وبقائهم على أرضهم.