ناجي صادق شراب - النجاح الإخباري - لست من أصحاب التنجيم وضرب الحجر والتنبؤ بالغياب فهذا من علم الله. وإنما محاولة التعامل مع الواقع وحقائقه على الأرض وخصوصا في السياسة، ناهيك اليوم زيادة دور إستشراف المستقبل وسيناريوهاته بناء على محددات وعوامل تحكم كل تصور. اليوم يزداد الحديث عن نهاية إسرائيل. وهناك من يحدد زمنا معينا لنهايتها. وبعيدا عن التمني والواقع ، إبتداء وقبل الحدوث عن سيناريوهات نهاية إسرائيل، وكيف يمكن ان تنتهي وبأي آليات. ان نشير في تاريخ الدول هناك الكثير من الدول قد مسحت وأنتهت، وان هناك إمبراطوريات قد تفككت وحلت محلها دولا ، ولنا في تاريخنا الإسلامي المثال الواضح على هذه الظاهرة. أين الدولة الأموية والعباسية والعديد من الممالك، وأين دولة الخلافة العثمانية. وحديثا لنا في الإتحاد السوفيتي نموذج لما نريد ان نصل إليه. الدول تقوم وتختفي من خلال مقاربات كثيرة بالإندماج والإنصهار في ما يعرف مثلا بالإتحاد الفيدرالي الذي تفقد فيه الدول الأعضاء شخصيتها الدولية وتكتسب شخصية الدولة الجديدة. وهذه أحد السيناريوهات كما سنرى، المقاربة الثانية من خلال التحرر والنضال من سيطرة دول أخرى وهذا حال العديد من دول العالم الثالث التي ظهرت بعد نيلها إستقلالها وإنضمامها للأمم المتحدة. او من خلال تفكك دولة مثل الإتحاد السوفيتي التي نشأ عنها بروز اكثر من دولة مستقلة. ومن المقاربات نموذج الدول العربية التي ظهرت بعد إتفاقات سايكس بيكو وخضوعها لنظام الإنتداب الذي أفضى إلى إستقلالها بإستثناء فلسطين. وماذا عن إسرائيل؟ أولا: لابد من بعض المنطلقات: الأولى الحيلولة دون قيام فلسطين الدولة وفقا لنظام الإنتداب رغم انها صنفت في الإنتداب “أ”. فقيام فلسطين الدولة يعني عدم قيام إسرائيل تاريخيا. وثانيا: ان إسرائيل ما كان ان تقوم لولا التحالف الإستعماري الصهيوني ورغبة أوروبا بحل المسألة اليهودية خارج أوروبا ومن هنا كان الإختيار على فلسطين لأنه يحقق اهدافا للطرفين . ثالثا: قيم إسرائيل جمع بين أكثر من وسيلة وأسلوب للتدرج بنقل الأرض وتسهيل تمريرها للجماعات الصهيونية في فلسطين وبتشجيع الهجرة وفتح أبواب فلسطين أمامها. وهذا كان أحد وظائف سلطة ألإنتداب البريطاني . وألأسلوب الثاني بخلق وإنشاء المؤسسات التي تشكل نواة للدولة في المستقبل كالجامعة العبرية والمليشيات العسكرية والمستوطنات الزراعية، وبأسلوب الشرعية الدولية على قيام الدولة بعرض القضية على الأمم المتحدة وإنتزاع قرار أممي يعلن قيام إسرائيل دولة وقبولها في الأمم المتحدة وهو القرار رقم 181. والأسلوب الأخر، الحرب التي تعتبر الوسيلة الرئيسة لإسرائيل لتثبيت وجودها فكانت حرب ال1948 والتي بموجبها أضافت اكثر من خمسة وعشرين من مساحة فلسطين التاريخية وهي المخصصة لدولة فلسطين العربية، وحر ب1967 والتي أكملت بها سيطرتها الكاملة. هذه هي المرحلة الاولى ، اي مرحلة النشأة. وفي نموذج كنموذج إسرائيل كان يمكن أن نتصور انتهائها منذ نشأتها. وهنا جاء الدور الأميركي لدعم وإحتضان إسرائيل بالقوة العسكرية والإقتصادية وحمايتها في الأمم المتحدة بالفيتو . وبالتحالف الإستراتيجي الذي لعب دورا كبيرا في تثبيت وجودها، وفي الوقت ذاته لا يمكن تجاهل الدور الإسرائيلي نفسه بببناء نظام سياسي برلماني توافقي ، وبناء المؤسسات والإهتمام بالعلم والبحث العلمي ومسايرة عناصر القوة وهي ضرورية في بناء الدول فنجحت إسرائيل وفي زمن قصير، في ان تثبت وجودها كدولة قوة أولى في المنطقة وبالعمل أيضا على الحيلولة لبروز قوة عربية قوية، وهذا كان احد أهداف حرب 1967 وضرب قوة مصر، وضرب المفاعل النووي في العراق وفشل لسياسات المقاطعة العربية وبناء شبكة واسعة من العلاقات الدبلوماسية والشراكات الإستراتيجية مع العديد من الدول.، وهذا يسجل لإسرائيل. وبناء على هذه المرحلة دخلت إسرائيل مرحلة التمدد والتوسع والإعتراف وذروتها اليوم معاهدات السلام مع ست دول عربية، واليوم التساؤل: هل بعد هذا التمدد والتوسع والنفود يمكن أن نتصور مرحلة من التراجع؟ هذه المرحلة كشفت عن بعض مظاهرها ولو بشكل عابر الأحداث التي أعقبت الحرب الأخيرة على غزة والإحتجاجات العربية في الداخل ، واعتقد ان هذا من اهم السيناريوهات والتحديات التي تواجها إسرائيل وهي مشكلة إندماج عرب الداخل ويشكلون عشرين في المائة من السكان إلى جانب مشكلة الهويه والإندماج للعديد من الجماعات اليهودية، وتتوقف على الإستمرار في سياسات الاحتلال والعنصرية التي تدفع في تراجع إسرائيل ونموذج جنوب أفريقيا ماثلا لنا. وهنا لنا أن نتصور بعض السيناريوهات البعيدة عن الواقع، سيناريو الفناء ويوم القيامة ووعد الآخرة وهذا بعلم الله، وسيناريو الدولة الواحده مع الفلسطينيين، وسيناريو الدولة الفيدرالية . ويبقى ان العامل الحاسم في سيناريو العامل السكاني الفلسطيني وزيادته والعامل الثاني ماذا لو تصورنا وتخيلنا سيناريو إنهيار النموذج الأميركي التحالفي. وأخيرا بقاء أي دولة يقوم على العوامل الداخلية وما مدى نجاح الدولة في حل مشاكل الإندماج والتكامل والمواطنة الواحدة، وهذه هي مشكلة إسرائيل الكبرى. ولنبحث عن القوة والضعف في حياة الدولة والبناء الأيودولوجي ودور الإنسان في بناء الدولة والحفاظ عليها وكيف تحاسب الدولة نفسها، فعندما تحاسب دولة رئيسها ورئيس وزرائها وتحكم عليهما بالسجن نعرف قوة الدولة. وهذا الحال في إسرائيل ناهيك عن قوتها العسكرية والنووية.
اخيرا، إسرائيل لا تنتهى بالحلم والدعاء.