باسم برهوم - النجاح الإخباري - إسرائيل لا تختلف في جوهرها عن أي دولة شمولية، صحيح هي من أكثر الدول التي تشهد تكرارا للانتخابات، ولديها قدر معقول من المعايير والتقاليد الديمقراطية، إلا أنها تفتقر إلى أحد أهم الأسس في الديمقراطية ألا وهو التعددية الفكرية. سقف الديمقراطية الإسرائيلية هي الآيديولوجيا، والفكرة الصهيونية، باستثناء القائمة العربية المشتركة، فإن كل الأحزاب الموجودة في الكنيست هي أحزاب صهيونية أو متواطئة معها كالقائمة العربية الموحدة، أي أن جذر كل هذه الأحزاب جاء من فكرة واحدة، وما الاختلاف الحاصل فيما بينها إلا في كيفية تطبيق وتنفيذ ذات الفكرة.
منذ الكينست الإسرائيلي الأول، الأحزاب المشاركة يسارها ويمينها هي صهيونية، الحزب الوحيد الذي كان خارج النص الحرفي للصهيونية هو الحزب الشيوعي، وكانت له 5 مقاعد من أصل 120 هي مقاعد الكنيست. ولكي يضفي بن غوريون طابعا تعدديا على الكنيست، أمر بتشكيل قائمة عربية أطلق عليها "الناصرة الديمقراطية" بزعامة سيف الدين الزعبي، هذه القائمة كانت تخضع مباشرة لحزب المعراخ "العمل" الإسرائيلي، أي أن سقفها الصهيونية بالرغم أنها بثوب عربي. الدورات اللاحقة لهذه المؤسسة التشريعية، وحتى الآن لم يتغير واقعها، قلة قليلة جدا منهم، غير صهيونية، والغالبية الساحقة صهيونية.
إسرائيل شهدت تعددية فكرية لفترة محدودة جدا من السنوات، لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، وذلك عندما ظهر المؤرخون الإسرائيليون الجدد وتيار ما بعد الصهيونية في تسعينيات القرن العشرين، وفي داخل هذا التيار كانت هناك مجموعة من الكتاب والفنانين والشعراء وعدد ممن يعملون في حقل السينما والأفلام الوثائقية مناهضين فعلا للصهيونية، أي مجموعة يهودية في إسرائيل تناهض الآيديولوجيا الصهيونية، والخطاب الرسمي الصهيوني السائد.
هذه الظاهرة التعددية قليلة العدد وقصيرة العمر، انتهت عمليا مع نهاية عقد التسعينيات، من هؤلاء من ارتد وعاد للخط الصهيوني الكلاسيكي، وفقط واحد أو اثنان من الكتاب أحدهما "إيلان ببيه" الذي رحل عن إسرائيل، ويقيم الآن في لندن. وبعد انحسار تيار ما بعد الصهيونية، ظهر تيار النيو- صهيونية وهو تيار يميني متطرف، ويعد امتدادا لفكر المحافظين الجدد واليمين الجديد في الولايات المتحدة الأميركية. كل أحزاب المستوطنين واليمين المتطرف الإسرائيلي الجديد هو جزء من هذا التيار وهو المسيطر عمليا ومنذ عقدين في إسرائيل، وهو تيار أكثر تطرفا تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.
في الجوهر، إسرائيل دولة شمولية، صحيح ليس سقفها المرشد كما في إيران أو الأمير في حركات الإسلام السياسي المتطرفة، أو نظام الحزب الواحد كما كان في دول المعسكر الاشتراكي، وبعض الدول العربية، وإنما سقف إسرائيل فكرة، آيديولوجيا الصهيونية. التعددية الفكرية وحتى السياسية في إسرائيل جذورها ذات الفكرة، كما سبق وأشرت، وهي بهذا المعنى ليست تعددية. وإذا ما أضفنا القوانين العنصرية، مثل قانون يهودية الدولة، وقانون الجنسية، وقانون المواطنة، فإسرائيل دولة عنصرية وغير ديمقراطية. فأي ديمقراطية يمكن أن تتعايش أيضا مع الاحتلال، احتلال أرض وشعب آخر؟.
القائمة العربية الموحدة ذات التوجه الإخواني، هي إعادة إنتاج لقائمة على غرار قائمة سيف الدين الزعبي في خمسينيات القرن الماضي. هذه القائمة جزء من ائتلاف صهيوني، ورئيس هذا الائتلاف هو مستوطن، وحزبه حزب مستوطنين من النيو صهيونية المتطرفة. القائمة العربية الموحدة تمثل تعددية بل رضوخا للفكرة الصهيونية، والدليل تصريحات وليد طه وهو أحد أعضاء هذه القائمة، والتي أعلن فيها أن أي اعتداء إسرائيلي على قطاع غزة لن ينهي الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الراهن، فهي، أي القائمة العربية الموحدة، بهذا المعنى تسلخ نفسها عن الجماهير العربية الفلسطينية داخل الخط الأخضر وتتساوق مع الصهيونية تماما.
تباهي إسرائيل بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط هو محاولة للتضليل وحرف الأنظار عن الفكرة التي قامت ولا تزال تقوم على أساسها إسرائيل هي فكرة شمولية، وكل حديث عن تعددية هو مناف للحقيقة.