حمدي فراج - النجاح الإخباري - كان النفق أمينا، كالغار الذي نسج العنكبوت على مدخله لتضليل الكفار ، فقادهم الى الحرية. كان سخيا، لم يغلق أمام الاخير او ما قبل الاخير ، ولو كانوا ضعف العدد لما أغلق في وجه أحد. كان دقيقا، فأوصلهم الى موعدهم مع شفق ذاك اليوم الأغر. كان كريما، فمنحهم ساعتين وأكثر كي يغادروا منطقة الحصن.
كنتم تدركون ، خاصة المخضرمون منكم ، ان مهمة الحفاظ على سلامتكم ووهج ضوئكم في ليلنا الدامس، لهي أصعب بكثير من مهمة حفر النفق التي تلامس بدورها حدود المستحيل في مثل هذا السجن”الخزنة”، لكنها صعوبة من نوع آخر ، صعوبة الرصاص الذي سينصب على رؤوسكم لمجرد ان تبزغ من فوهة النفق الامين، أو حتى خلال مطاردتكم بجنود النخبة المدججين بالبنادق والطائرات والكلاب المتوحشة.
هذه الصعوبة، كانت تتمثل في ايجاد المأوى في وسط من الناس لا تعرفونهم ولا يعرفونكم. ولهذا نام “محمد” تحت احدى الشاحنات فتشكل له غطاء يحميه من برودة ليالي ايلول ، بدون فرشة او وسادة، ببطون خاوية وحناجر جافة وخوف انساني مشروع في معركة يتحالف فيها كل شيء تقريبا ضد هذا الجسد المنهك.
واضح ان كل هذا لم يكن يهمكم ، كان همكم فتح النفق ، فيتبعكم عبره انهاء الانقسام و ردم التنسيق الامني والاجهاز على الفساد المستشري ، واجتراح معنى المقاومة بين اليد والمخرز او بين الملعقة والباستيل.
معركة اعادة اعتقالكم التي كسبها الاحتلال ، لم تكن هزيمة لكم ، ذلك انها لم تكن معكم، بل مع الفصائل كلها التي قالت انها توحدت وعلى مدار أصعب خمسة أيام من حياتكم طبلت وزمرت، هللت وكبرت، هددت وعددت، وحددت الخيوط الحمر من الصفر وأكثرت من الدعاء ان يحفظكم الله دون ان تشكل فرقة فنية مهنية واحدة تمد لكم فيها يد المساعدة بايواء او بعض الساندويشات وقناني الماء . سيقولون : اننا لم نكن نعرف، بمعنى انكم لم تضعوا قياداتكم في صورة مخططكم وموعد تنفيذه، كأنكم بذلك كفرتم بالمرحلة ورموزها، ولهذا ربما آثرتم التوجه الى الجليل لا الى الضفة او الاردن، ولكن القيادات بعد ذلك علمت بالامر وبالتفاصيل وبالاسماء فما حركت ساكنا ، اعتمدت الجهاد على فتح وفتح على الجهاد وحماس والشعبية على الجهتين ، وفي الوقت التي كانت ألسنتكم تلهج تعبا وعطشا وخوفا وألما ، كان المسؤولون يتبادلون تقديم وتقبل التهاني على هذه العملية.
كنا ممكن ان نرى ابتسامتكم في جلسة المحكمة الديمقراطية ، إشارة انكم اوصلتم رسالتكم ، لكنهم سدوا الطريق عليكم وعليها، عبر عدد الجنود وعبر كمامات الكوفيد، كمامات تمنع الكلام والابتسام وآثار الضرب والتعذيب، والاحرى ان يطلق عليها كمامات الجلبوع.
كاتب أردني في عموده الاسبوعي بجريدة الرأي الاردنية وصلته ابتسامتكم ، فكتب يقول : أنتم لم تحفروا نفقا ، هي فلسطين ، وسعت رحمها وأنجبتكم من جديد.