نابلس - مهند عبد الحميد - النجاح الإخباري - حكومات كثيرة تسترضي بينيت وتغمره بالعطايا السياسية والتشجيعية، ويمكن القول إنه من أكثر رؤساء الحكومات الإسرائيلية الذي يحظى بمراعاة لمواقفه المتطرفة. حكومة عجيبة، إذ تضم أقصى المتطرفين واليمين ويمين الوسط ومن يسار وعرب خذلوا القائمة المشتركة، حكومة انبثقت عن تحالف هش بفارق مقعد واحد. وفي مواجهتها تتربص معارضة اكثر يمينية بقيادة السياسي المخضرم نتنياهو. معسكر حكومة بينيت ومعسكر نتنياهو لا يختلفان في القضايا الأساسية التي تخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كالاستيطان والقدس والسيادة الإسرائيلية على الأرض واللاجئين، ويتفقان على التطبيع مع الدول العربية وما نجم عنه من اتفاقات، وحول رفض الاتفاق النووي الإيراني. رغم ذلك وحتى تبقى حكومة بينيت على قيد الحياة تحتاج إلى البقاء في غرفة العناية السياسية الفائقة، وكي تتفادى السقوط ينبغي أن تبقى مواقفها على يمين مواقف نتنياهو ومعسكره اليميني الديني الذي يضم أتباع العنصري الفاشي كاهانا في صفوفه. بهذا المعنى تتميز هذه الحكومة بكونها معطلة لكل شيء سياسي ما عدا الفعل الاستعماري كتعميق الاحتلال والاستيطان والنهب والسيطرة على شعب آخر.
كانت ردود فعل أقطاب الحكومة على لقاء أبو مازن - غانتس في رام الله نموذجاً للسعار السياسي الذي بلغته حكومة بينيت ومعارضيها على حد سواء. في البدء أعطى غانتس تطمينات بأنه لا يوجد مفاوضات ولا نرى في الوقت الراهن إمكانية وجودها ولا إمكانية التوصل إلى تسوية. مع أنه وعد بإجراء تفاوض بعد قضاء مدة رئاسة بينيت للحكومة، لكن رئيس الحكومة وبعض وزرائه ومستشاريه أكدوا جميعاً على عدم وجود عملية سياسية ولا أفق سياسي راهناً ومستقبلاً، وأن اللقاء اقتصر على الجوانب الأمنية والاقتصادية، في الوقت الذي اكد فيه أقطاب الحكومة على مواصلة توسيع المستوطنات. ولم يشذ وزير الخارجية يائير لابيد – الوسط- عن تلك المواقف عندما قال ان 90% من القضايا المطروحة في اللقاءات مع الفلسطينيين تخص الأمن، محاولاً جلب الاطمئنان للحكومة الجالسة على كف عفريت، في حين لاذ حزبا العمل وميرتس اليساريان بالصمت ولم يدليا بدلوهما حول اللقاء. وكانت مواقف المعارضة اليمينية أشد عندما اتهم حزب الصهيونية الدينية غانتس بإعادة ابو مازن الى الواجهة بعد أن حوله نتنياهو الى غير ذي صلة. واعتبر عاموس جلعاد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق ان السلطة الفلسطينية هي جزء من المؤسسة الامنية الإسرائيلية في إشارة الى تبعيتها لإسرائيل وما يعنيه ذلك من انتفاء الحاجة الى مسار سياسي.
موقف حكومة بينيت ومعسكرها المعلن وغير المعلن، لا يتجاوز سقفه حد تقليص الصراع وإدارته ولا يحتمل وجود أي عملية سياسية راهناً، وينحصر التباين بين معسكري الحكومة والمعارضة في سياسة «تعزيز حكم حركة حماس في قطاع غزة» أو «تعزيز السلطة في الضفة» وربما تعزيز الحكمين في إطار تقليص الصراع في الضفة وتثبيت نوع من الهدنة في غزة. واقع الحال في غياب مبادرة من إدارة بايدن أو مبادرة فرنسية وأوروبية فإن سياسة تقليص الصراع وإدارته تبقى سيدة الموقف، وأقصى ما يمكن ان تفعله حكومة بينيت هو تخفيف وتائر الاستيطان في حدود ما يسمى بالنمو الطبيعي. كما نرى فإن الأبواب الإسرائيلية موصدة امام الحل السياسي وغير قابلة للفتح ضمن الموازين الداخلية الإسرائيلية، وبدون ضغوط أميركية ودولية وإقليمية جدية. ولما كانت الضغوط الخارجية الدولية مستبعدةً أميركياً وأوروبياً، ومعمولاً بعكسها عربياً تجري مكافأة المحتلين والمستوطنين وهم في حالة من التوحش الاستعماري، وما تعنيه المكافأة الاقتصادية السياسية المعنوية من التشجيع على مواصلة الاحتلال والاستيطان وتصفية الحقوق الفلسطينية المشروعة.
الأولويات الدولية الاميركية الأوروبية التي تنطلق دائماً وابداً من مصالح دولها ليس من بينها بند تحت مسمى إيجاد حل للقضية الفلسطينية بما هي قضية التحرر من الاحتلال وتقرير المصير. مصالح الكبار لا تتضرر من استمرار الاحتلال ولا تتقدم بإنهائه، فمن يدقق في الاتفاقات الأميركية/ الإسرائيلية والاتفاقات الأوروبية /الإسرائيلية وكذلك الصينية والروسية والهندية /الإسرائيلية سيجد انها تحقق مصالح الطرفين بوجود الاحتلال. وأقصى ما يمكن ان تفعله هذه الدول في الشروط الفعلية، هو التخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني من خلال دعم مالي ودعم في مجالات الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية، مع الأخذ بالاعتبار أن هذا الدعم يتماشى مع سياسة تقليص الصراع وإدارته على نار هادئة المعتمدة إسرائيلياً.
الأولويات العربية الرسمية تنطلق أيضاً من مصالح دولها، ولم تعد القضية الفلسطينية بنداً مدرجاً على الأجندات العربية إلا من الناحية الشكلية، والدليل على ذلك اتفاقات التطبيع العربية المبرمة رسمياً والاتفاقات غير المبرمة مع دولة الاحتلال. حتى مبادرة «السلام العربية» التي ربطت نظريا التقاء المصالح الإسرائيلية العربية الرسمية بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، هذه المبادرة أطاحتها الاتفاقات المعلنة وغير المعلنة وعملت بنقيضها.
قد يقول أو يعتقد البعض أن محور الممانعة والمقاومة المكون من ايران والعراق وسورية وحزب الله والحوثيين هو الطرف البديل الذي يمكن الاعتماد عليه في فرض حل ينهي الاحتلال. التجربة تقول غير ذلك، فهذا المحور بحاجة إلى استخدام نضال الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة لفائدة مصالح القطب الأكبر الذي يتزعم المحور وهو إيران. لا يوجد استراتيجية أو سياسة أو برنامج يدعم خلاص الشعب الفلسطيني من الاحتلال. فقط تهديد خطابي بمحو إسرائيل او تدمير أجزاء منها في يوم معلوم.
ولما كانت الأبواب الإسرائيلية والدولية والعربية موصدة امام الحل، فهل يمكن فتحها او فتح بعضها بطلب فلسطيني رسمي يدعو الرباعية الدولية للاستيقاظ من نومها بعد سبات طويل، او بطلب فلسطيني يدعو الى عقد مؤتمر دولي خلافاً لرغبة الدول ومصالحها، او بطلب فلسطيني يدعو الى تأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، او بمطالبة فلسطينية للعودة الى طاولة المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. من المشكوك فيه إن لم يكن من المؤكد أن أفكاراً من هذا النوع لن تجد أذناً صاغية وستكون تكراراً للإخفاق والفشل السابقين، ومضيعة للوقت، وستؤدي الى التعايش مع سياسة تقليص الصراع.
لم يبق غير إعادة بناء الوضع الداخلي الفلسطيني المهلهل، فالعامل الفلسطيني المعافى والموثوق هو القادر عبر نضال دؤوب على التأثير في العوامل الأخرى، هو القادر على إعادة بناء تحالفات تضغط على المصالح وتفرض تراجعاً في الحلقات. لكن هناك عقبتين تعترضان إعادة البناء الداخلي، عقبة من يراهنون على الوساطة الأميركية والاستجابة الإسرائيلية وهي الأخطر، وعقبة الذين يراهنون على محور الممانعة، ويقبلون باستخدام فلسطين كورقة لتحسين شروطهم. وكلاهما يراهنان على الخارج. ويبقى سؤال: من يستطيع العمل في البناء بمعزل عن العقبتين؟.