وكالات - مهند عبد الحميد - النجاح الإخباري - منذ اغتيال المعارض نزار بنات تفاقم الوضع الداخلي الفلسطيني ودخل يوماً بعد يوم في المنطقة الحمراء.
وأصبح كل تصعيد إضافي يقترب من الهاوية واللاعودة، علما أنه لا توجد مصلحة للشعب الفلسطيني في الوصول إلى نهاية غير سعيدة، لا توجد مصلحة في إضافة نكبة جديدة تضاف إلى النكبات السابقة.
يوجد ألف سبب وسبب ذاتي وموضوعي للاختلاف الفلسطيني الفلسطيني، وذلك بفعل الصراع المعقد مع المشروع الاستعماري الإسرائيلي.
للاعتدال أسباب تسنده في الواقع، وللتطرف أسباب تسنده في الواقع، وللعقلانية الثورية أسباب تسندها في الواقع.
والشيء نفسه ينطبق على أساليب النضال السلمي والعنفي الذي يجد كل أسلوب منهما ما يسنده على أرض الواقع.
استجابات فلسطينية متباينة نابعة من مصالح عامة وخاصة ومشتركة، تأتي في صيغة تعدد سياسي وثقافي وديني، تتعايش مكوناته من خلال الديمقراطية، وعبر الالتزام بالمصلحة الوطنية العليا كناظم للتعدد ومُفَعِل له في مواجهة المشروع الاستعماري الإقصائي.
ما يجوز قوله، كانت فلسطين متعددة وستبقى كذلك بفعل عوامل ذاتية وموضوعية أقوى من الرغبات والمصالح.
فلا يمكن أن تلخص الحالة الفلسطينية بتنظيم واحد يحتكر القرارات، وإذا ما أخفق لا يكون الحل باستبداله بتنظيم آخر يتولى فرض الهيمنة، وكل ذلك يتناقض مع التعدد الديمقراطي.
الديمقراطية كناظم للتعدد مُعَطَلة منذ زمن طويل، وقد ترك تعطيلها فراغاً تفاقمت داخله المصالح المتناقضة، وأدى إلى إدارة الظهر للقوانين والمرجعيات (كالميثاق والقانون الأساسي ووثيقة إعلان الاستقلال وقانون المطبوعات والنشر).
تقول المادة 6 من الباب 1 في القانون الأساسي: مبدأ سيادة القانون أساس الحكم في فلسطين، وتخضع للقانون جميع السلطات والأجهزة والهيئات والمؤسسات والأشخاص.
عندما لا تجري الانتخابات منذ موعد استحقاقها في العام 2010 وحتى العام 2021 فهذا لا يعني تعطيل أو إلغاء المادة 6.
كما أن حالة الطوارئ التي ما زالت سارية كانت لها وظيفة واحدة هي حماية المواطنين من جائحة «كورونا». ولا تعني المس بسيادة القانون. وتقول المادة 13 رقم 1 - من الباب الثاني: لا يجوز إخضاع أي أحد لأي إكراه أو تعذيب، ويعامل المتهمون وسائر المحرومين من حرياتهم معاملة لائقة.
وجاء في المادة 14 من الباب الثاني: المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، وكل متهم في جناية يجب أن يكون له محامٍ يدافع عنه.
لا يتجنى المرء على أجهزة الأمن عندما يقول إن سلوكها جاء مخالفاً للقانون وذلك حين مارست الإكراه والتعذيب المفرط الذي أودى بحياة المعارض السياسي نزار بنات قبل تقديم لائحة اتهام بحقه وتحويله إلى محاكمة قانونية للحكم عليه أو تبرئته.
وجاء في المادة 19 من الباب 2 في القانون الأساسي: لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون.
والمادة 2 من قانون المطبوعات والنشر تقول: الصحافة والطباعة حرتان وحرية الرأي مكفولة لكل فلسطيني وله أن يعرب عن رأيه بحرية قولاً وكتابة وتصويراً ورسماً في وسائل التعبير والإعلام. لماذا لم يؤخذ بهذه المواد في التعامل مع احتجاجات رام الله وبيت لحم؟
لقد جرى الاعتداء على الصحافيين والصحافيات بالصوت والصورة فضلاً عن الذين عبروا عن آرائهم في جريمة اغتيال بنات، يلاحظ العمل بعكس القانون الذي ينظم العلاقة بين السلطة والمواطنين.
وجه الاستغراب أن فلسطين انضمت إلى اتفاقات ومواثيق دولية تتجاوز القانون الأساسي للأحسن وبمستوى جذري لكن أجهزة الأمن لم تعبأ بالقوانين الفلسطينية ولا بالقوانين الدولية التي جرى التوقيع عليها. لماذا؟
قبل الإجابة عن السؤال، هناك مغالطة تتكرر على لسان مسؤولين وردت في بيان حركة فتح تقول إن الحركة ستدافع عن الأجهزة الأمنية، وكذلك فعلت الحكومة، وهذا يخالف الوصف الوظيفي لتلك الأجهزة، التي وجدت لحماية المواطنين ولتنفيذ القوانين وحقوق المواطنة والإنسان وليس العكس. الأجهزة الأمنية في اي بلد تخضع للرقابة والمساءلة وإذا ما انحرفت فإنها تخضع للمحاسبة.
أما في بلادنا فقد جرى وضع القانون جانباً وعملت الأجهزة بعكس القانون، كما شاهدنا بالصوت والصورة أسلوب التعامل مع الاحتجاجات بالقمع المفرط في رام الله وبيت لحم، وكما قال التقرير الطبي المصور في حالة المعارض نزار بنات.
انتهاك القانون ألحق بالشعب أفدح الخسائر المعنوية، وفي الوقت نفسه ضعضع ثقة أغلبية الشعب بالحكومة وبأجهزتها الأمنية، وخلق حالة من الإحباط والتشاؤم والانكسار.
هذا الانتهاك يبرر من وجهة نظر أقطاب في السلطة وفتح بوجود مؤامرة تستهدف السلطة والمنظمة والمشروع الوطني.
لا تزال فكرة المؤامرة تسيطر على العقل السياسي والأمني والتي يتم تبرير القمع وعدم الاعتراف بالأخطاء والانتهاكات بها.
لا توجد مؤامرة منفصلة عن الصراع على السلطة الذي كان سابقاً لكنه استفحل راهناً في محاولة للاستئثار بتركة الرجل المريض (م.ت.ف).
من يراقب الخطاب السياسي لحركة حماس سيجد أنها تعتبر نفسها بعد معركة (سيف القدس) الممثل الوحيد للشعب وأن برنامج المقاومة هزم برنامج أوسلو.
حماس تعمل الآن على ترجمة ذلك من خلال الاستحواذ على القرار ووراثة المنظمة والسلطة، إنه الصراع على مركز القرار والتمثيل والصراع على حركة فتح ايضاً، المدعوم من بعض دول الإقليم. من يكسب في هذا الصراع كما في جولات سابقة هو الذي ينال رضا الأكثرية من الشعب الفلسطيني، لقد كسبت حماس في الحرب المزاج العام، لكنها بدأت تفقده بسبب أدائها ومناوراتها السياسية، لكن المنظمة والسلطة أضافتا إلى خسارتهما في حرب وهبة أيار خسائر إضافية جراء عملية تصفية نزار بنات وقمعها للمحتجين والإعلاميين وصفقة طعوم «كورونا».
الطريق إلى قطع الطريق على التدخلات الخارجية الحالية ومحاولات حماس للحسم والأهم استعادة ثقة القاعدة الجماهيرية يمر عبر مواصلة معركة القدس والمعركة ضد البؤر الاستيطانية في الشمال والجنوب، وفتح ملفات الفساد، وفي احترام المواطنين والإعلاميين والإعلاميات، فمن يجرؤ على خسارة الإعلام يحكم على نفسه بالخسارة (نموذج ترامب).
هناك سلوك وأداء يقطع الطريق على المؤامرة والمتآمرين ويهزمهم هو كسب ثقة المواطنين، وهناك ممارسات فاجعة تستدعي التدخلات من كل حدب وصوب.
مقابل ذلك، دعونا نعترف، بوجود اختلالات أخرى لدى نوع من المعارضين تساهم في مفاقمة الصراع، فالخطاب المؤسس على كراهية وشيطنة الآخر والذي يضع كل أقطاب الحل الذي بدأ باتفاق أوسلو في خندق معادٍ واحد هو خندق الاحتلال، إنه الخطاب المتخم بالقيم السلبية الذي لا يتوانى عن إعدام تراث ثورة قدمت الكثير وصنعت الهوية والكيانية والوطنية واستقطبت أهم الكفاءات والرموز لدى الشعب الفلسطيني، هذا الخطاب وأصحابه هم جزء من الأزمة والمشكلة وهم شركاء فعليون في دفع الأمور إلى الهاوية.
عن جريدة الأيام