رجب أبو سرية - النجاح الإخباري - في ذكرى الحرب على قطاع غزة التي شنتها إسرائيل عام 2014، أطلق رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديدة نفتالي بينيت تهديدات قوية ضد «حماس»، ترافقت مع تهديدات مماثلة لوزير دفاعه بيني غانتس، قابلتها بالطبع تصريحات مضادة لرئيس «حماس» في غزة، الذي أقسم على الصلاة في المسجد الأقصى محرراً قريباً، ومع الأخذ بعين الاعتبار إطلاق بالونات حارقة بعد توقف العدوان الأخير، وخلال الأيام الماضية، في الوقت الذي سمحت فيه حكومة بينيت للمتطرفين من المستوطنين بتنفيذ مسيرة الأعلام، وإن كان بمسار مختلف، أقل إثارة للمرابطين والمصلين الفلسطينيين، مع رفض «حماس» لإعادة الإعمار عبر السلطة، ولعل واقعة توقيف وزير الإسكان السيد محمد زيارة على معبر بيت حانون خير دليل على ذلك، فإن كل ذلك يعني بأن فتيل القتال على الحدود ما بين حماس وإسرائيل، لم ينطفئ بعد، ولكن ...
إن كانت عين «حماس» على السلطة، وإعادة تكرار ما حدث في غزة، في الضفة الغربية، وإن كان ليس بالضرورة عبر انقلاب عسكري، يتطلب عدم وجود الجيش الإسرائيلي في المكان، حتى لا يكون طرفا مستهدفا_ فالانقلاب في غزة حدث بعد انسحاب إسرائيل منها عام 2005_ لكننا نقصد، أن تحكم «حماس» سيطرتها على الأرض، وتعزل السلطة في مكاتبها، وتحشرها في الإطار البيروقراطي، فإن عين إسرائيل على القدس بالطبع، ثم على الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية.
لذا فقد باتت المواجهات العسكرية بين إسرائيل و»حماس» بعد أربع جولات سابقة، مكشوفة الأهداف والحسابات من كلا الطرفين، اللذين لم يدفعا بها يوما باتجاه الحسم السياسي، فيما يمنح توقف الحروب في منتصف الطريق، الطرفين القدرة على الادعاء بأنه كسب الحرب، أو أنه حقق الانتصار فيها، أو أنه حقق أهدافه، وحقيقة الأمر أن كلا الطرفين يكذبان، فلا إسرائيل حققت توقفاً لإطلاق الصواريخ، ولا للبالونات الحارقة، ولا «حماس» كسرت الحصار عن غزة، ولا حتى أنها منعت إسرائيل من العودة لتسيير مسيرة الأعلام، أو التوقف عن إطلاق المتطرفين لاقتحام المسجد الأقصى.
المهم إذاً هو أن إبقاء حالة التوتر حول غزة، دون إشعال الحريق_ وهنا علينا أن نتذكر بأن «حماس» وإسرائيل بقيتا على هذه الحالة سبع سنوات طوال، دون أي اتفاق أمني أو سياسي، في ظل تفاهم أو توافق ميداني_ يحقق للطرفين ما تريدانه تماما، فإبقاء حالة التوتر من حيث المبدأ حول غزة، يصرف الأنظار عما يحدث في القدس والضفة الغربية، ولولا الصخب الإسرائيلي المتطرف والذي كان رسالة احتجاج مرسلة للبيت الأبيض، على اختياره العودة للاتفاق مع إيران، ومحاولة من قبل بنيامين نتنياهو للتشبث بالسلطة، بعد فشله في تشكيل الحكومة، ما كانت الحرب التي جرت الشهر الماضي قد وقعت.
الحقيقة أن إسرائيل تقوم بقضم الأرض وتهويد القدس منذ أكثر من خمسين عاما، بشكل حثيث ومتواصل، وحيث إن إسرائيل قد انسحبت من قطاع غزة من جانب واحد عام 2005، ولا أحد فيها يطالب بإعادة احتلاله، حتى أولئك الذين ترتفع عقيرتهم خلال الحرب معه، مطالبين باجتياحه. فغزة جيب جغرافي صغير جدا بمساحتها وضيقها وعزلتها، فهي تقع على الطرف الجنوبي/الغربي من إسرائيل، مكتظة بالسكان الفقراء، وليس فيها مما يغري إسرائيل سوى بئري الغاز اللذين يقعان في مياهها الإقليمية، وهي قد تكون هدفاً استراتيجياً لبعض الدول مثل قطر وحتى تركيا، لكنها ليست كذلك لإسرائيل للأسباب التي ذكرناها ولأسباب تاريخية أيضا.
لذا تعرف «حماس» هذه الحقيقة، وهي تسعى من خلال القدرة العسكرية الداخلية، إلى منع عودتها إلى السلطة مجددا، التي لا يمكنها أن تفعل ذلك بقوتها العسكرية المحدودة، وتسعى «حماس» من خلال استمرار الاحتكاك بإسرائيل إلى أن تقايضها بتمكينها من السلطة في الضفة الغربية، لكن المشكلة تكمن في أن إسرائيل لا يمكنها فعل ذلك إلا بعد أن يصبح ما تريده من الضفة بيدها، فتنسحب مما يتبقى من جانب واحد، كما فعلت مع غزة من قبل، وما تريده إسرائيل واضح كعين الشمس، فهي بعد أن حصلت من دونالد ترامب على أقصى ما يمكن أن تقدمه أميركا، باتت السيطرة الميدانية، أو تنفيذ الإعلان الأميركي الخاص بالقدس، من مسؤوليتها هي.
كذلك هي تسعى إلى منع إقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية، وهذا يكون عبر تقطيع أوصالها، بالسيطرة الميدانية على الطرق وزرع عدد من المستوطنات، بعد السيطرة على مناطق معينة، منها غور الأردن، كذلك المناطق المحيطة بالمدن الفلسطينية الرئيسية، وحتى تتجنب إسرائيل الصخب العالمي، الذي لم يظهر إلا بعد الاشتباك العسكري مع غزة، فإن الاستمرار في الهجوم على القدس وعلى أراضي الضفة الغربية، هو سياسة إسرائيلية ثابتة.
لكن إسرائيل وهي تهجم على القدس وعلى الأرض في الضفة الغربية، تريد تجنب المواجهة الشعبية، لذا فهي كانت دائما تفضل سياسة التقدم بهدوء، وهي تلجأ إلى ما تحاول أن تظهره كأدوات قانونية من خلال الهجوم على بطن الهوى بسلوان، والشيخ جراح، كذلك تعتمد بشكل رئيسي على المتطرفين من المستوطنين، لمنع ظهورها كدولة محتلة تواجه الشعب الأعزل.
وطالما كان إحداث مواجهة بين الفلسطينيين والمستوطنين/المستعمرين في الضفة الغربية والقدس هدفا إسرائيليا، لمحاولة إظهار أن الصراع في المدينة المقدسة والضفة ليس بين احتلال وشعب محتل، بل بين «شعبين» أو مجموعتين عرقيتين حتى يتم تقاسم المدينة والضفة في أحسن الأحوال أو أسوئِها بين الطرفين!
إسرائيل باتت مضطرة الآن لرفع مستوى المواجهة في القدس والضفة، نظرا لأن التغيرات في الشارع الأميركي والبريطاني الضاغطة على الكونغرس والبيت الأبيض، باتت منظورة، حيث لن يطول الوقت ليتدخل العالم بقيادة أميركا لفرض حل، يتضمن إنهاء الاحتلال وتحرير الشعب الفلسطيني، وهذا هو ما يفسر ارتفاع وتيرة المواجهة التي بالمقابل تدخل الشعب الفلسطيني على طريق الانتفاضة الشعبية السلمية التي طال انتظارها، وها هي إرهاصاتها تظهر في بيتا/نابلس، بالإرباك الليلي وتصدي أهالي القرية لقطعان المستوطنين، فيما تقف الضفة كلها على طرف المواجهة الشعبية، بل إن الشعب الفلسطيني كله جاهز لإسناد مرابطي القدس، ومنتفضي الضفة الغربية في حرب التحرير الشعبية التي هي وحدها تضع الحد النهائي والأخير للاحتلال.
عن جريدة الايام