نابلس - رجب أبوسرية - النجاح الإخباري - لا بد من التذكير مجدداً بأن الحوارات الوطنية والثنائية بين حركتي فتح وحماس ما زالت مستمرة، وقد بدأت منذ عام 2008، وحتى الآن، تتقدم وتتراجع، ورغم توقيع العديد من الاتفاقات الثنائية والجماعية، ومنذ عام 2007، أي منذ توقيع اتفاق مكة، قبل ثلاثة أشهر من انقلاب «حماس» العسكري الذي أفضى إلى تحكمها بغزة، والى الانقسام، والحوارات بهذا المعنى، تدير طوال الأعوام التي مضت الانقسام، ولم تقم بوضع الحد له، كذلك لابد من التذكير مجددا بأن «فتح» والسلطة ومعها معظم الشعب الفلسطيني كانوا يطالبون بإنهاء الانقلاب والاعتذار للشعب الفلسطيني عنه، قبل الجلوس مع «حماس» في قاعة واحدة، لكن «فتح» قدمت التنازلات المتتالية، راغبة بإنهاء الانقسام، فيما جرتها «حماس» بخبث إلى متوالية حوارات، لم تصل إلى نتيجة حتى اليوم!
كذلك لا بد من التذكير بأن من رعى الانقلاب وساعد «حماس» لتقبض على غزة، كان اليمين الإسرائيلي متمثلا بالليكود وزعيمه بنيامين نتنياهو، ورغم أن حكومات إسرائيل اليمينية التي فتحت الباب لانقلاب «حماس» وتحكمها بقطاع غزة، عام 2005، حين انسحبت من جانب واحد من غزة، لتذهب به للانفصال عن الضفة الغربية، كانت تشن الحروب على غزة أعوام 2008/2009، 2012، 2014 ، إلا أنها كانت تقوم فقط بتقليم أظافر «حماس»، وتحرص على الإبقاء على نظام حكمها في غزة، لأنه عنوان الانقسام وضمانته الرئيسية.
كذلك لا بد من التذكير بأن إسرائيل، بحكومات اليمين التي لم تنس توافقها مع «حماس»، ضد أوسلو وضد طرفيه كل من العمل واليسار الإسرائيلي، و»فتح» وفصائل م ت ف التي شاركت في السلطة، هذا التوافق الذي عزز من الليكود وحماس معاً، منذ عام 1995، فأسقط العمل، وبدده، على الجانب الإسرائيلي، ورفع «حماس» لتكون نداً يسعى طول الوقت للإطاحة بـ «فتح» بشكل تام، ليس في غزة فقط، ولكن في الضفة والشتات، ومن قيادة السلطة إلى قيادة م ت ف.
لذا بقي الرئيس محمود عباس فقط يقارع طرفي التوافق، بعد أن فقد شريكه في اتفاق السلام، ولا بد من التذكير أيضاً، بأن إسرائيل المحكومة باليمين، كانت كلما تقدمت جهود المصالحة، تقوم بالحديث عن ملف الأسرى، لتردع «حماس» عن التسليم بالإقدام على إنهاء الانقسام، لذلك نقول بكل ثقة، بأن «حماس» ومعها فصيل آخر وعدد من المجموعات العسكرية في غزة، التي لا نراها في الضفة الغربية ولا في القدس، لم تكن معنية ولا في أي يوم من الأيام بإنهاء الانقسام، وأن الحوارات الوطنية كانت بالنسبة لها دائماً، بمثابة جهود مصالحة، تبرئها من خطيئة الانقلاب العسكري.
وفي أحسن أحوالها «حماس» مازالت تسعى إلى استنساخ علاقة حزب الله بالدولة اللبنانية، أي الاحتفاظ بحكم غزة تحت الأرض، فيما تكون السلطة حكماً شكلياً مثل «خيال المآثة» كما يقولون، وبالكاد وافقت «حماس» على أن يكون مدخل إنهاء الانقسام هو الانتخابات، وهي تعرف جيدا، بأنها لا يمكن أن تجري دون القدس، لذا حاولت القيام بالتحريض ضد قرارات الرئيس بتأجيلها، ولم تكلف نفسها القول بأنها حين تعارض التأجيل هل توافق على إجراء الانتخابات دون القدس؟!
غريب أن يظل الأمر يراوح مكانه وأن يكرر صورته مجدداً، فمن الواضح أولا بأن «حماس» مضطرة لأن تعيد حساباتها مجدداً، بعد سقوط نتنياهو، لكنها لا تستعجل لأنها تعرف بأن الحكومة الجديدة لم تبتعد كثيراً عن اليمين، لا فيما يخص القدس، ولا الاستيطان، لكنها تعرف أيضا، بأن حكومة بينيت_لابيد، لن تكون حريصة على حكمها كما كانت حكومات نتنياهو.
والغريب أيضاً أن نلاحظ اندلاق «حماس» نحو ملف تبادل الأسرى، خاصة وأن إسرائيل لا تبدي الكثير من الاهتمام بهذا الملف، فرغم أن ملف الجنود الإسرائيليين لدى «حماس» مفتوح منذ عام 2014، إلا أن إسرائيل لم تبد الاهتمام الذي تتطلع له «حماس»، ويعني لها الكثير، لرفع مكانتها لدى الشعب الفلسطيني.
وربما عزز من الموقف التفاوضي لإسرائيل كثيراً، أن تطلق الصفقة خلال الفترة الماضية، وعلى المراقب أن لا ينسى مبادرة يحيى السنوار قبل عام بهذا الخصوص. كل ذلك من أجل تحريك هذا الملف، الذي يفتح الباب واسعاً لـ «حماس» لتعزيز مكانتها.
أما لماذا تم تأجيل اجتماع الفصائل في القاهرة، فواضح بأن ذلك يعود لأن «حماس» لا ترى فائدة من دخول أموال الإعمار بعيداً عنها، وكما فعلت تجاه كل مؤتمرات الإعمار بعد حروب 2008/2009، 2012، هي تفعل الشيء ذاته اليوم، وهي تفضل التريث ما دامت هناك أموال في الطريق لغزة، حتى تقوم هي باستلامها، أما ملف الأسرى، فيواصل مسؤولو «حماس» الحديث عنه حتى يبقى قيد التداول، كملف له أولوية على ملف إنهاء الانقسام، وعلى ملف إعمار غزة، ما دام المجتمع الدولي يصر على دخولها عبر البوابة الرسمية.