مهند عبد الحميد - النجاح الإخباري - يتعرض أطفال فلسطين لخطر الموت والإصابة والتشرد والترويع والاضطراب النفسي جراء الحروب التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وجراء القمع الوحشي والترهيب والاعتقال في القدس والضفة.
مع أن الأطفال في فلسطين وفي سائر أنحاء العالم من المفترض أن يحاطوا بالحماية امتثالا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان ومجمل القوانين التي تتمتع بالطابع الإلزامي.
الأطفال مشمولون أيضا بالحماية في اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها وفي اتفاقية حقوق الطفل.
تقول المادة 38 من اتفاقية حقوق الطفل المادة 1 - تتعهد الدول الأطراف بأن تحترم قواعد القانون الإنساني الدولي المنطبقة عليها في المنازعات المسلحة وذات الصلة بالطفل وأن تضمن احترام هذه القواعد.
وتقول المادة 4 - تتخذ الدول الأطراف، وفقا لالتزاماتها بمقتضى القانون الإنساني الدولي بحماية السكان المدنيين في المنازعات المسلحة، جميع التدابير الممكنة عمليا لكي تضمن حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بنزاع مسلح. بدورها دعت اتفاقيات جنيف الرابعة 1949 إلى حماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة، باعتبارهم مدنيين، محميين ومعاملين معاملة إنسانية تشمل احترام حياتهم وسلامتهم البدنية وكرامتهم، ونصت الاتفاقية على إجلاء الأطفال أثناء النزاعات المسلحة كضمانة أساسية لحمايتهم من أخطار الحرب، وعلى إقرار ترتيبات محلية لنقل الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين والأطفال من المناطق المحاصرة أو المطوقة.
كما هو مبين في النصوص المذكورة، القانون الدولي واضح وصريح وملزم. ولكن لم تلتزم إسرائيل بالقانون الدولي الخاص بحماية الأطفال أثناء الحرب.
وفي الواقع، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأعوام الـ 14 الماضية، أربع حروب على قطاع غزة أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم.
عندما يستفرد رابع أقوى وأحدث جيش في العالم، وتتناوب الزوارق الحربية ومرابض المدفعية والدبابات والمسيّرات وأكثر من 200 طائرة حربية من طراز ف 16 مضافا لها الـ ف 35، في الإغارة والقصف الصاروخي المدمر على هذه المنطقة الصغيرة جداً والمحاصرة فلنا أن نتخيل حجم التهديد الذي يتعرض له الأطفال، والثمن الذي يدفعونه من أجسادهم فضلا عن الاضطرابات والمس بالنمو والبناء النفسي للأطفال.
في عدوان 2008 ألقى جيش الاحتلال قرابة «مليون» كيلوغرام من المتفجرات على قطاع غزة. وهدمت طائراته أكثر من (4100) مسكن بشكل كلي، و(17000) بشكل جزئي.
وأدت العملية إلى مقتل أكثر من 1436 فلسطينياً بينهم نحو 410 أطفال و104 نساء ونحو 100 مسن، وإصابة أكثر من 5400 آخرين نصفهم من الأطفال.
وفي عدوان 2012 أسفرت العملية العسكرية عن مقتل 162 فلسطينياً بينهم 42 طفلاً و11 سيدة، وإصابة نحو 1300. وهدمت الصواريخ 200 منزل بشكل كامل، خلال هذه العملية، ودمرت 1500 منزل بشكل جزئي.
وفي عدوان 2014 الذي استمر «51» يوماً، أدى العدوان إلى استشهاد 2322 فلسطينياً، بينهم 578 طفلاً و489 امرأة وشابة و102 مسن وجرح نحو 11 ألفا آخرين.
وهدمت 12 ألف وحدة كليا، و160 ألف وحدة جزئيا، منها 6600 وحدة غير صالحة للسكن.
أما عدوان أيار 2021 فقد بلغ عدد ضحاياه 287 شهيداً، بينهم 67 طفلاً و40 سيدة و17 مسناً، ونحو 1900 جريح.
وفي هبة القدس والضفة استشهد 28 فلسطينياً، بينهم 4 أطفال واستشهد شابان في أم الفحم واللد.
منذ 2008 وحتى 2021 حَرَمَت قوات الاحتلال 1110 أطفال وطفلات من حقهم في الحياة، وأصابت بجروح 9000 طفل وطفلة.
وإذا ما أضيف لهم الشهداء الذين قتلتهم الآلة العسكرية الإسرائيلية من بداية العام 2000 إلى نهاية العام 2005 (728) طفلاً فلسطينياً وآلاف الإصابات بعاهة مستدامة وإصابات متوسطة وخفيفة. وإذا ما أضيف لذلك الآثار النفسية الخطيرة والأذى الشديد الناجم عن استشهاد آباء وأمهات وأشقاء وأقارب الأطفال، والناجم عن فقدان الأطفال لمنازلهم ومدارسهم التي دمرتها ونسفتها آلة العدوان الإسرائيلية، وفقدان الأطفال لأمانهم المستمد من فقدان أمان أهلهم وذويهم، فضلا عن ترويعهم بصوت الصواريخ والمدافع والطائرات الحربية وما تحدثه من دمار المكان ودمار أمان الأطفال في آن.
عندما يشعر الأطفال بأن الأب والأم والعائلة والقيادة والسلطة وأجهزتها جميعهم عاجزون عن توفير الأمان لهم، سيفقدون الثقة برموزهم وتحصيل حاصل يفقدون الثقة بأنفسهم، وتتكون لديهم ردود فعل عديدة، ليس أقلها القفز عن طفولتهم ومحاولة الرد على المعتدي، وهو ما عجز عن عمله «الكبار» بما في ذلك أجهزة الأمن.
هذا يفسر انخراط أطفال وفتيان وفتيات في المواجهة وتعريض حياتهم لخطر الموت أو خطر الاعتقال، وهو ما شاهدناه في هبة القدس الأخيرة، وفي الانتفاضات السابقة.
ظواهر الانتفاض والتمرد على الاحتلال، تفسر الانحياز العاطفي والمعنوي لكل من يقاوم الاحتلال بقطع النظر عن الربح والخسارة والأهداف السياسية والأجندات.
الخسائر المتنوعة الكبيرة والخطيرة التي لحقت ولا تزال تلحق بالأطفال الفلسطينيين، يصنعها الاحتلال ومؤسساته الأمنية والاستيطانية، ويعيد إنتاجها بمستوى أكثر حدة مع تفاقم التناقض بين الأجيال وبخاصة الجديدة وبين الاحتلال.
يعاد إنتاجها على قاعدة التخاذل الدولي الذي يقف عاجزاً عن وقف نزف دماء أطفال وشعب فلسطين بمبرر يقول: «من حق إسرائيل أن تدافع عن أمن شعبها»، يتجاهل أصحاب حق إسرائيل في الدفاع عن أمنها تثبيت وتعميق إسرائيل احتلالها واستيطانها الأرض الفلسطينية وضمها من الناحية العملية، يتجاهلون السيطرة بالقوة على شعب آخر والعمل على إخضاعه واستعباده وإذلاله، يتجاهلون دوس إسرائيل على القانون الدولي والمنظمات المدافعة عنه. كم كان موقف الذين صوتوا ضد قرار مجلس حقوق الإنسان، والدول الـ 14 الممتنعة عن التصويت تواطئا مع المعتدي، والأنكى أنهم فسروا تفريطهم بحقوق الإنسان كي يشجعوا على إعادة إعمار غزة وكي يساهموا في إعادة الحياة للعملية السياسية.
أقل ما يقال إنهم يشجعون الدولة الاستعمارية على العدوان والتمرد على القانون الدولي ومواصلة ارتكاب جرائم الحرب.
كانت مبادرة صحيفة «نيويورك تايمز» في منتهى الأهمية عندما نشرت صور67 طفلاً فلسطينياً على صفحتها الأولى وعرفت بهم كأطفال من لحم ودم ونقلت مشاعر ذويهم وأحلامهم تحت عنوان (كانوا مجرد أطفال) وكم كانت مبادرة صحيفة هآرتس الإسرائيلية مؤثرة وجيدة وهي تنشر صور الأطفال الفلسطينيين الضحايا الـ 67 على صدر صفحتها الأولى مضيفة للقائمة الفلسطينية طفلين إسرائيليين ضحيتين لغطرسة حكومتهما.
لكن هآرتس لم تكن موفقة في عنوان المادة وهو (هذا ثمن الحرب) الذي له أكثر من قراءة خاطئة وله قراءة واحدة صحيحة هي (هذه جرائم حرب).
الصمت على جرائم الحرب والالتفاف عليها ومقايضتها ليس له إلا وصف واحد هو التشجيع على مواصلتها وإفلات المتهمين من العقاب وحتى من المساءلة.
مبادرة الصحيفتين والتظاهرات الحاشدة بمعظم مدن العالم ومواقف مجلس حقوق الإنسان وموقف «هيومان رايتس ووتش» وموقف عضو مجلس الشيوخ الأميركي ساندرز وشبيبة الحزب الديمقراطي و»حياة السود مهمة» ومواقف إيرلندا واسكتلندا ولفيف من البرلمانيين والفنانين والأكاديميين، هؤلاء ساهموا في وقف العدوان ونزيف الدم الفلسطيني، هؤلاء حلفاء تحرر الشعب الفلسطيني من الاحتلال والعنصرية.