رامي مهداوي - النجاح الإخباري - كما ذكرتُ لكم سابقاً بأن نتائج الانتخابات التشريعية أصبحت واضحة للمواطن العادي؛ وما قصدته هو ليس من حيث توزيع المقاعد وإنما بقراءة شمولية واقعية للمعطيات الحالية منذ الخطوة الأولى للعملية الانتخابية، لهذا نستطيع استنتاج التالي بصراحة دون أي مجاملات:
تشرذم اليسار الفلسطيني، حركة «فتح» في مواجهة تحديات داخلية صعبة ما جعل الكثير يريد الانقضاض عليها، موت عدد من الفصائل التاريخية وبانتظار شهادة الوفاة، ولادة حركات اجتماعية غير موحدة، براغماتية حركة «حماس» لدخولها منظمة التحرير الفلسطينية والحفاظ على حكمها في غزة ومشاركة الحكم بالضفة.
ذلك كله جعل واقع المرحلة الحالية والمستقبلية أشبه ما يكون بالرمال المتحركة، التي هي عبارة عن خليط من الرمل والماء، أو الرمل والهواء، أو الطين والماء، أو الطين والهواء، هذا الخليط يبدو صلباً بالعادة من الخارج، ولكنه يصبح غير مستقر عند تعرضه لأي ضغط إضافي فينهار بسرعة، إذن فهي سوائل تتغير درجة لزوجتها وفقاً للقوى التي تؤثر عليها فتتغير بذلك حالتها الفيزيائية.
بقراءة سريعة للأحداث التي بدأت منذ إعلان القوائم المشاركة بالانتخابات، نجد بأنها تحتوي فيما بينها على 30 إلى 80% من الفراغات والتباعد وكأن كل قائمة هي الخيار الأوحد لنجاة الشعب الفلسطيني، وأيضاً هناك تركيبات داخل الكثير من القوائم هُلامية وغير متناسقة، وأستطيع القول بأنها ليست منسجمة من حيث الأساس الفكري وحتى الخبرات ونظافة اليد والعمل ضمن منظومة الحكم الرشيد.
وهذا المستوى العالي من المساحة والتباعد يجعل القوائم_ التي هي على شكل رمال_ تتأثر بأي وزن زائد أو أي اهتزازات تتعرض لها؛ ما يجعلها غير مستقرة، وعند حدوث ذلك تنفصل القوائم فيما بينها أو/و أعضاء القائمة الواحدة_ كالرمال المتحركة: الرمل عن الماء ليخلق ما يشبه السائل_ وهذا الفقدان المفاجئ سيؤدي إلى غرقنا في مستنقع الاحتلال بأشكال وأدوات مختلفة جديدة، وغرق أشخاص جدد ممن يريدون العبور وحدهم بصورة الأبطال كما يحدث بالأفلام.
على الرغم من أن الانتخابات تحدث في أي مكان في العالم، إلا أنها في حالتنا الفلسطينية بسبب كل ما ذكرته أصبحت رمالاً متحركة، مع الأخذ بعين الاعتبار بأننا نريد عبور التحول الديمقراطي من خلالها والخروج من أزمة الانقسام ولو شكلياً.
إلا أنها_ أي الانتخابات_ ستُشكل تجربة فريدة من نوعها بعالم الديمقراطية إذا ما تمت، حيث المناطق التي ستخضع لها الانتخابات تحت سيطرة الاحتلال وبنسب متفاوتة وليس فقط القدس، وتقريباً أقل من نصف الأصوات بقليل متواجدة في قطاع غزة حيث لا سيطرة للسلطة الوطنية الفلسطينية والأمن بالتحديد عليها، وهناك أطراف دولية وإقليمية تنصحنا بتأجيل الانتخابات لموعد لاحق لأسباب كثيرة، تطبيع وانسجام عربي مع الاحتلال لا مثيل له، ووجود هذا الكم الهائل من المتنافسين على 132 مقعداً في ظروف اقتصادية وصحية مجنونة.
أغلب الناس يعرفون عن الرمال المتحركة من خلال السينما، حيث تقع الأحداث المأساوية من خلال الشخص الذي يحاول جاهداً أن يخرج منها ولا يستطيع رغم كل محاولاته، وبالتالي يغرق ويختفي ولا يبقى منه شيء، أخشى إذا ما تمت هذه الانتخابات دون دراسة كافة معطيات العملية ككل تؤدي بنا الى الوقوع في الرمال المتحركة، محاولين بعد ذلك الخروج من هذا المأزق، ولكن هذا الصراع الداخلي يصنع فراغات أخرى بين القوائم/الرمال، ما سيؤدي الى تعقيد واستحكام الأزمة بشكل يهدد وجود قضيتنا الوطنية.