هاني المصري - النجاح الإخباري - على الرغم من الإعلان عن نجاح جولة الحوار الأخيرة في القاهرة، ومواصلة الجهود لتشكيل قائمة مشتركة (عفوًا التي تسمى قائمة وطنية واحدة) بين حركتي فتح وحماس ومن يوافق من الفصائل والشخصيات، إلا أن البيان الختامي لا يشير إلى أي نجاح حقيقي، بل أكدت النتائج ما سبق التحذير منه بأن ما يجري اقتسام واستنساخ للواقع بدلًا من تغييره، بما سيؤدي إلى إدارة الانقسام وتعميقه.
والدليل على ذلك ما حصل في الجولة الأخيرة من الحوار من عدم الاتفاق على كيفية إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير واستكمال أعضاء المجلس الوطني، والاتفاق حول تكريس الانقسام كما يظهر في الاعتماد على الشرطة والقضاء، ومكافحة جرائم الآداب العامة والجرائم المتعلقة بالأديان (ازدراء الأديان – إهانة الشعور الديني)، وتجاوز التوصيات المرفوعة من الحوار السابق حول الاستقالات وتخفيض سن الترشح ورفع تمثيل المرأة... إلخ، بحجة أن لجنة الانتخابات المركزية تتحفظ على إجراء تعديل على قانون الانتخابات بعد البدء فيها، في حين أن لجنة الانتخابات أرسلت مذكرة بعد جولة الحوار الأولى في شباط الماضي تقول إنها لا تمانع بإجراء التعديلات التي تم التوافق عليها وطنيًا.
أظهرت الأيام اللاحقة للحوار فشل فكرة تشكيل قائمة مشتركة، وهذا يعود إلى أسباب عدة، من أهمها بروز معارضة واسعة داخل حركتي حماس وفتح وأوساط فلسطينية واسعة لفكرة القائمة المشتركة (أظهر استطلاع سينشر غدًا أن القائمة المشتركة ستحصل على 44% فقط)، كونها تشكل انتهازية سياسية رخيصة، وتغلّب المصالح الفردية على المصلحة الوطنية، وتحرم حق الناخب وتصادر حريته في الاختيار بين قوائم وبرامج عدة.
كان يراد تغطية القائمة المشتركة وطنيًا عبر ضم الفصائل الأخرى وبعض الشخصيات المستقلة، كما جرى منذ بدء الحوار وعند توقيع اتفاق القاهرة في أيار 2011، حيث اتفقت حركتا فتح وحماس على الاتفاق من وراء ظهر الفصائل الأخرى التي دعيت لاحقًا للتوقيع عليه، وعندما تساءل بعض أفرادها: كيف نوقع على شيء لم نشارك في وضعه ولدينا ملاحظات عليه، قيل لهم: وقعوا، ثم تبدون ملاحظاتكم عليه فيما بعد، ما دفع أحدهم إلى القول عند توقيعه: "شاهد ما شفش حاجة"، وهذا التوقيع ومغزاه حكم حتى الآن ما يجري من حوارات واتفاقات، حيث تتفق حركتا فتح وحماس ويجري تغطية اتفاقهما وطنيًا بتسجيل تحفظات أحيانًا على طريقة مجرد تسجيل موقف للتاريخ، في حين إن المطلوب معارضة فعّالة تقدم بديلًا واقعيًا.
إن ما يبرر المعارضة الواسعة للقائمة المشتركة أنها لا تستند إلى الاتفاق على برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي ثقافي، بما يشمل الاتفاق على الأهداف الوطنية وأسس الشراكة وقواعد العمل والنضال، ولا على إنهاء الانقسام وتوحيد مؤسسات السلطة في الضفة والقطاع أولًا، ولا حتى على وضع خطة واضحة وملموسة وقابلة للتطبيق لإنهاء الانقسام بعد الانتخابات.
لقد اقتصر الاتفاق الأخير، الذي بدأ بتفاهمات اسطنبول بين حركتي فتح وحماس، على التركيز على الانتخابات وتأجيل كل شيء آخر، وهندسة الانتخابات من خلال السعي لضمان نتائجها لعدم تكرار سيناريو 2006، وعلى تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات، ودعم الرئيس محمود عباس كمرشح توافقي في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وثمة أسباب أخرى لفشل القائمة الوطنية (المشتركة)، ومنها رفض فصائل اليسار المشاركة فيها، خصوصًا الجبهة الشعبية، وهذا أحرج "حماس" بشكل خاص، لأن قرارها القيادي كان يتضمن تشكيل قائمة وطنية وليس فقط بين حركتي حماس وفتح وبعض الفصائل الصغيرة التي لا تتجاوز نسبة الحسم وتدور في فلك "فتح".
لكن السبب الأهم الذي أدى إلى فشل القائمة المشتركة هو التحفظ الذي يصل عند البعض إلى درجة الرفض، من أوساط عربية وإقليمية ودولية، وخصوصًا إسرائيلية وأميركية، من فكرة القائمة المشتركة، وما يتبعها من تشكيل حكومة وحدة وطنية من دون التزام "حماس" بشروط اللجنة الرباعية الدولية. وما زاد الطين بلة حجم القلق الأميركي الإسرائيلي من الخلافات الداخلية لحركة فتح، التي من شأنها أن تؤثر على نتيجة الانتخابات، وتزيد من فرص حصول "حماس" وحلفائها على مقاعد أكثر من المقبولة وتلك المتفق عليها.
لا يجب أن يخطئ أحد في تفسير التحفظ الأميركي الإسرائيلي بحيث يرجعه إلى عدم الموافقة أصلًا على الانتخابات، لا أعتقد ذلك، فمثلما رفضت سابقًا الادعاء الشائع بأن الانتخابات جرت بضغوط خارجية أساسًا، وإنما جاءت في سياق تتفاعل فيه العوامل الداخلية والخارجية، خصوصًا ما يتعلق بتجديد شرعية السلطة وتأهيلها استعدادًا للمرحلة الجديدة بعد فوز جو بايدن، واحتمالات استئناف المسيرة السياسية؛ أرفض أيضًا ادعاء البعض الآن بأن هناك معارضة مبدئية إسرائيلية أو إسرائيلية أميركية لإجراء الانتخابات، والمعارضة هي لإمكانية حصول "حماس" على أكثر من المسموح لها، بدليل أن سلطات الاحتلال تسمح لوفود الفصائل وغيرهم من السفر للمشاركة في الحوار، حتى لو كانت الحدود مغلقة، كما تسمح لوفود حركة فتح ولجنة الانتخابات بالذهاب والإياب إلى ومن غزة، في نفس الوقت الذي تعتقل فيه شخصيات من "حماس" وتهدد أخرى لمنع مشاركتها في الانتخابات.
لذلك، كان الرئيس محمود عباس مصرًا على أن حصة "فتح" في القائمة المشتركة يجب ألا تقل عن 51%، قبل أن تتم زيادتها في الاجتماع الأخير للجنة المركزية لفتح.
لقد استثمرت إسرائيل وستواصل استثمارها في الانقسام الفلسطيني، وهذا ما صرح به نتنياهو بعظمة لسانه، وما يشير إليه رسوخ معادلة "تهدئة مقابل تخفيف الحصار" عن قطاع غزة، والسماح بوصول الأموال القطرية، ولذلك ستكون هناك معارضة إسرائيلية لأي خطوة، بما فيها الانتخابات، إذا كانت ستساهم في إنهاء الانقسام، أو لتقوية الموقف الفلسطيني العام والموحد، أو تقوية "حماس" ما دامت لم تقبل بشروط الرباعية، أو كل ما سبق معًا .
إذا كان لا بد من الانتخابات وفق وجهة نظر إسرائيل، فيجب أن تكرس الانقسام، وتضعف "حماس" وتروضها أكثر وأكثر، وتحوّلها إلى أقلية غير قادرة على رفض أو تعطيل قرار وسياسة القيادة الفلسطينية المتمسكة بالاتفاقيات السابقة، والتنسيق الأمني، واستمرار اللهاث وراء تسوية من خلال المفاوضات من أجل المفاوضات، من دون تغيير موازين القوى لتوفير مقومات "تسوية" تحقق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.
تأسيسًا على ما سبق، طالبنا وعملنا، وما زلنا نعمل، لكي تكون الانتخابات تتويجًا وتطبيقًا للتوصل إلى اتفاق شامل لا غنى عنه، يتضمن برنامج قواسم مشتركة وشراكة حقيقية وتغيير السلطة وإعادة بناء مؤسسات المنظمة كجزء من عملية الصراع مع الاحتلال، وعلى طريق التقدم لإنجاز الحرية والعودة والمساواة والاستقلال.
يعني سقوط فكرة تشكيل القائمة المشتركة إما تأجيل الانتخابات، وهذا محتمل لأن إجراءها من دون اتفاق سيفتح مختلف السيناريوهات، بما في ذلك سيناريو الفوضى والفلتان، مثلما سيفتح إجراؤها من دون إنهاء الانقسام الباب لتعميق الانقسام، وعلى سيناريو المزيد من التدخل السافر للمساس بحرية الانتخابات ونزاهتها واحترام نتائجها، بما في ذلك التمويل الخارجي والتزوير ومنع قوائم أو أشخاص بارزة فيها من الترشح استنادًا إلى فبركات زائفة.
إن الذرائع التي يمكن أن تستخدم لتأجيل الانتخابات كثيرة، مثل تفشي وباء كورونا، وعدم موافقة إسرائيل على الانتخابات في القدس، وما تقوم به من اعتقالات وتهديدات ويمكن أن تتسع، وتوظيف الانقسام وتداعياته مرة أخرى من أجل التأجيل.
أو سيتم المضي في إجراء الانتخابات حتى لو كانت تنافسية ومفتوحة على احتمالات عدة، كون من الصعب الوقوف أمام قوة الدفع الداخلية التي تطالب بالانتخابات، وفي هذه الحالة ستسعى مختلف القوائم، خصوصًا قائمتي "فتح" و"حماس"، إلى الحصول على أكبر عدد من المقاعد، ولا أحد سيعرف بالضبط النتائج المحتملة.
أي إن الجديد بعد سقوط فكرة القائمة المشتركة، أن النتائج لم تعد مضمونة، لا سيما بعد دخول لاعبين جدد، مثل قائمة الملتقى الوطني الديمقراطي برئاسة ناصر القدوة، وقائمة محمد دحلان، وربما دخول مروان البرغوثي في اللحظات الأخيرة، وقوائم أخرى يجري الحديث عنها سرًا أو تستعد للمشاركة في الانتخابات من دون إعلان حتى الآن.
ملاحظة (1): للتعرف إلى الموقف الأميركي، يمكن الاطلاع على التوصية التي رفعها كبار باحثي معهد واشنطن، التي طالبت الإدارة الأميركية بتوضيح موقفها ومصالح واشنطن من الانتخابات الفلسطينية قبل إجرائها.
ملاحظة (2): لقد سمعت عن فكرة القائمة المشتركة من الرئيس محمود عباس مباشرة في العام 2016، وعندما اعترضت عليها وقلت إنها تتناقض مع الديمقراطية، رد الرئيس بالقول: سنترك بعض المقاعد للفصائل والشخصيات التي لن تشارك في القائمة المشتركة.
عن صحيفة القدس