طلال عوكل - النجاح الإخباري - بعد صدور المراسيم الرئاسية بشأن تنظيم الانتخابات العامة، والجهد الإيجابي المنظم الذي قامت به لجنة الانتخابات المركزية، يقترب الفلسطينيون أكثر فأكثر نحو الدخول الفعلي في الدائرة. وبشكل عام، فإن الفصائل، تواصل الحوارات الإيجابية، لتحقيق افضل مستوى ممكن من الشفافية والأمان لإجرائها، ولكنها لم تفلح خلال حوارات القاهرة، في تذليل بعض العقبات، والاعتراضات على بعض القوانين والقرارات.
اتفقت الفصائل على توقيع وثيقة شرف، لضمان مساهمة الكل، في تسهيل إجراء الانتخابات، والقبول بنتائجها، لكنها فشلت في التوافق على قانون الجمعيات، الذي قيل إن الحكومة ستوصي بتجميده والمطلوب إلغاؤه، وعلى التكاليف المترتبة على القوائم الانتخابية بالإضافة إلى «الكوتة» النسائية.
ثمة ثلاث إرادات، تتصارع، في التأثير على كل ملف الانتخابات، وربما تقرر مآلاته، ليس من حيث النتائج وإنما من حيث مبدأ إمكانية إجرائها.
البعض يعبر عن قناعة راسخة، مدعومة بمعطيات مهمة، بأن ثمة إرادة وطنية جماعية، تصر على إجراء الانتخابات، في مواعيدها المقررة، واستناداً إلى ما صدر من مراسيم، وتوافقات وطنية تؤدي إلى إزالة العقبات التي تعترض إنجاح الانتخابات.
مخرجات حوار القاهرة، وان كنا لم نقف بعد على كامل نتائجها، المعلنة والمبطنة، وذلك بسبب الوقت، ولكن يبدو انه لا مجال لتبديد المناخات الإيجابية، ولا اعتقد أن ثمة من سيضع نفسه في محل الاتهام بإفشال أو عرقلة هذه الأجواء.
فيما يتصل بهذه الإرادة، التي لم تتوفر من قبل منذ خمسة عشر عاماً كما هي متوفرة، اليوم، فإن ما يعترضها هو شعور فئات واسعة من الجمهور والمؤسسات الوطنية، بأن ثمة منطقا إقصائيا لعشرات الشخصيات المؤهلة، وصاحبة الكفاءة، حين يتعلق الأمر بقرار الاستقالات كشرط للترشح، فضلاً عن المناخ السلبي الذي يسود حركة فتح، نتيجة ترشح قوائم من خارج القائمة المركزية، هذا فقط بالنسبة للانتخابات التشريعية، أما الرئاسية فإنها قد تفضي إلى مزيد من المناخات السلبية.
الإرادة الثانية المؤثرة هي إرادة الاحتلال، الذي أخذت منصاته الإعلامية والسياسية، تقدم تحليلات مخيفة، مفادها الخشية من أن حركة حماس تسعى للسيطرة على الضفة الغربية من خلال صناديق الاقتراع. هذه الدوائر الاحتلالية بدأت تقدم نصائح للسلطة بأن تؤجل أو تلغي الانتخابات، فضلاً عن تدخلها الفظ والعلني، وتهديداتها لعديد المرشحين، بأنهم إن فعلوا فإن مصيرهم السجن.
الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان رصدت اثني عشر تهديداً، حتى، الآن، وربما تتسع دائرة التهديدات لتشمل آخرين، في حال بدأ النشاط لتشكيل قوائم انتخابية، وقد تصل إجراءات الاحتلال إلى تعطيل مشاركة المقدسيين، ترشيحا وانتخابا، سواء عبر التهديد المباشر، أو وضع شروط تعجيزية، ذلك أن مشاركة المقدسيين تنطوي على أبعاد سياسية ومعنوية.
إزاء هذا الأمر، ووفق قراءة تحليلية لمجريات المواقف والأحداث حتى الآن، فإن ثمة مبالغة وتضخيما لمسألة سيطرة «حماس» على الضفة وإمكانية تكرار الانتخابات السابقة.
في الواقع، فإن سلوك «حماس» حتى اللحظة، يشير إلى وعي عميق لمتطلبات المشهد السياسي الفلسطيني، بما يفيد أنها ليست راغبة في أن تتسيد هذا المشهد لإدراكها، بأن الظروف المحيطة، لا تسمح بقبولها عنصرا فاعلا إلى هذا الحد.
وبالإضافة، فإن قانون الانتخابات على أساس التمثيل النسبي لا يسمح لأي فصيل بأن يحقق الأغلبية النسبية أو المطلقة في هذه الانتخابات هذا إذا لم يتم التوافق على قوائم مشتركة مع حركة فتح، أو أوسع من ذلك.
أما إذا تم الاتفاق على قائمة وطنية، وهو أمر لم يعد مستبعداً، فأعتقد أن الكل سيسلم بتميز حجم ودور حركة فتح، رغم كل ما تعاني منه.
نضيف إلى ذلك حقيقة، أن حركة فتح ليست ضعيفة إلى الحد الذي، يجعلها في موقع يفرض عليها التسليم بالراية، لا لـ»حماس» ولا لغيرها، وكما اشرنا في مقالات سابقة، فإن «فتح» لو شاركت بأكثر من قائمة باسمها وهو أمر مرجح، فإنها ستحصد عدداً أكبر من المقاعد وفي الأخير كلهم «فتح»، بغض النظر عن الخلافات.
إرادة الاحتلال موجودة ولا مصلحة له في أن تتم الانتخابات وتتجدد الشرعيات، وهو سيقاوم بشدة، أي محاولات لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الفلسطينية.
أما الإرادة الثالثة، وهي ربما تتمتع بحق «الفيتو»، فهي إرادة «السيدة كورونا»، التي تحقق المزيد من التقدم في الانتشار وحصد المزيد من الأرواح.
الوضع الوبائي في الضفة الغربية مخيف، وخطير جداً، سواء بالنسبة لتزايد الإصابات، أو الوفيات أو بالنسبة لقدرات وإمكانيات القطاع الصحي. الموضوع هنا لا يتعلق بالطعوم توفرت أو تأخر وصولها وإنما بالحقائق التي تشير إلى تفاقم الحالة الوبائية.
في قطاع غزة أيضاً، تتجه الأرقام إلى التصاعد، بسبب تخفيف الإجراءات واستهتار الناس، الذين يتصرفون وكأن «كورونا» في إجازة. فلقد عادت مظاهر التجمعات من خلال الأعراس، والمآتم، وفي ضوء تراجع الحذر والالتزام بشروط الوقاية.
«كورونا» بآلياتها الخطيرة موجودة ما يعني أن إجراء الانتخابات، وضمان التباعد الاجتماعي، يتطلب وقتاً طويلاً يفترض أن يمتد لأيام وربما لأسابيع، حتى لا تكون الانتخابات مناسبة لتحفيز «كورونا» على الانتشار بطريقة يصعب معها إمكانية السيطرة. وعلى نحو آخر، فإن «كورونا» قد تستخدم كذريعة للبعض إن رأى أن الانتخابات لا تتناسب مع حساباته.
عن جريدة الايام