نبيل عمرو - النجاح الإخباري - أيام جمهورية الفاكهاني حين كان ذلك الحي الشعبي البيروتي مركز القيادة وصنع القرار الفلسطيني، المؤثر بصورة مباشرة في الوضع اللبناني والعربي، مع امتدادات دولية ذات شأن، في تلك الأيام كانت قيادة فتح التي احتفظت بوضعها التاريخي دائمة الاختلاف ولأنه لم يكن آنذاك فضائيات ولا ملايين مواقع التواصل الاجتماعي التي تتيح لكل فرد ان يقيم وزارة اعلام من موبايله الخاص، كانت الاختلافات تتم غالبا داخل الغرف المغلقة، ولا يعرف بها الا عدد محدود من الكوادر وثيقي الصلة بالقادة الأوائل.

كان محمود عباس زميل التأسيس والتاريخي يقيم في العاصمة السورية دمشق، ولم يكن له مكتب او مقر في بيروت، كان يشارك في الاجتماعات التي تجري دائما في مقر عرفات ويعود لمزاولة عمله من مقر اقامته، ومع انه كان يصنف آنذاك باليميني الا انه كان كذلك رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية السوفياتية، ولا غرابة في ذلك لأن حركة فتح هي حركة العجائب.

في حقبة الفاكهاني والخلافات والاختلافات الدائمة بين عرفات ورفاقه الكبار، كان أبو مازن يؤدي دور اطفائي الحرائق، يستدعونه الى بيروت ولا يغادر الا بعد ان يكون الحريق الذي استدعي من اجله قد انطفأ ولكن دون ضمانة لأن لا يشتعل غيره في اليوم التالي.

استحضرت هذه الحكاية بعد مرور عشرات السنين عليها أي ونحن في زمن القلق على فتح، وهو ذات الزمن الذي ابتلي به عباس بقيادتها بعد عرفات مع الفوارق الهائلة في كل شيء فلا رام الله بيروت، ولا زعامة عباس بمواصفات زعامة زميله في النادي التاريخي، ولا البيئة هي ذات البيئة، اذ وجد عباس نفسه بفعل القدر جالسا على رأس نظام عرفات الذي أسسه على مدى عقود بنفسه ولنفسه، كما وجد نفسه امام معضلات تفاقمت كثيرا بعد انتفاضة عرفات المسلحة التي اشهر بها احتجاجه على سلوك إسرائيل المنقلب على الاتفاقات والتفاهمات.

وبعد عرفات أي في زمن عباس تمدد المنافس الإسلامي واتسع نفوذه حتى بلغ ما نحن فيه الان من معضلات قد لا يكون الانقسام اصعبها واخطرها حيال التفريخات البكتيرية للانقسامات والاخفاقات والانهيارات، ذلك ان نمو واتساع ظاهرة الإسلام السياسي في عهد عباس لم يجد سبيلا لمعالجته على مدى خمسة عشر سنة فما بالك حين تطرح المعالجة المنشودة في اشهر قليلة عي المساحة الزمنية التحضيرية للانتخابات العامة التي يتعين على الرئيس عباس تخليص فتح والمنظمة والسلطة من ان تكون ضحيتها لو تكرر سيناريو 2006.

فتح التي حازت على الاجماع في وصفها كعمود فقاري للجسم الوطني كله، لا تنفع معها الجراحات كالعقوبات والفصل وحتى التهديد بأمور ابعد كما نقل عن الاجتماع الأخير للمجلس الثوري، ان ما ينفع معها هو المعالجة بالاحتواء، خصوصا وان فتح رام الله ليست فتح الفاكهاني، وفتح العلاقة الصعبة مع إسرائيل ليست فتح التي بنت ايقاعها المميز والقوي وحتى هويتها الأساسية على مقاتلة إسرائيل.

ما كان يفعله أبو مازن زمن الفاكهاني كإطفائي صار مطلوبا منه رغم كل الاختلاف ان يفعله في زمن رام الله، ويخطىء من يعتبر ان القلق على فتح ولد في زمن الانتخابات الراهنة، او بفعل القوائم التي يجري الحديث عنها، لقد ولد منذ ولادتها غير ان القلق في هذا الوقت له من المسوغات اضعافا مضاعفة من كل قلق مر على الحركة الكبرى في كل مراحل وجودها وقيادتها الجديرة للعمل الوطني الفلسطيني كله ، قلق مرده انهيار رهان التسوية الذي أتت به فتح واخذت معها اليه الحالة الفلسطينية بل مكوناتها، وقلق اخر يستبد من خلال أداء الحكومة التي تطوعت فتح دون ان تكون مضطرة لتقديمها للجمهور على انها حكومتها، وقلق آخر بفعل عدم نجاح محاولاتها المخلصة لانهاء الانقسام ولا يكفي هنا تحميل حماس والتدخلات الخارجية مسؤولية استمراره وتكرسه، وباختصار ومن يراقب حالتنا بموضوعية فسوف يجد اننا في وقت كل شيء فيه يدعو للقلق وهذا ما يتعين على فتح ورئيسها ان تتم معالجته دون ابطاء، ونصيحتي التي غالبا ما لا تسمع في زمن خروجي طويل الأمد من الدائرة الرسمية، ان العلاج الجراحي لواقع فتح لا ينتج سوى مضاعفات فادحة، اما الاحتواء وفق ما كان يعمل به زمن جمهورية الفاكهاني فهو ان لم يكن الأكثر نجاعة فهو الأقل ضررا.

 

 

نقلا عن صحيفة القدس