باسم برهوم - النجاح الإخباري - بعد أن أصبحت فلسطين دولة غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة عام 2012، بات بمقدورها الانضمام إلى المؤسسات الدولية كافة بما في ذلك محكمة الجنايات الدولية، وفي حينها، وبطلب شخصي من الرئيس الاميركي باراك اوباما أجلت فلسطين هذا الانضمام لإعطاء فرصة إضافية لجهود السلام الأميركية بقيادة المبعوث جورج ميتشل، ووزير الخارجية جون كيري.
إسرائيل بقيادة زعيم اليمين نتنياهو قابلت كل هذه الجهود بمزيد من سياسة التهويد والاستيطان، وشنت ثلاث حروب على قطاع غزة.
وعندما أغلقت إسرائيل كافة الأبواب أمام جهود السلام عام 2014، ورفض نتنياهو الإفراج عن الدفعة الثالثة والأخيرة من الأسرى القدامى، كما كان متفق عليه، اغتنم الرئيس محمود عباس هذه اللحظة وأعلن الانضمام لمحكمة الجنايات، وفي حينها لم يجد اوباما ما يقول للرئيس عباس، وبالفعل بدأت فلسطين خطواتها العملية للانضمام. فقد تم تقديم الطلب عام 2014، ومن ثم الانضمام لإعلان روما كضرورة قانونية، وكمدخل لممارسة المحكمة صلاحياتها في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية.
وبعد انتظار طال خمس سنوات، لضرورات بيروقراطية داخل المحكمة، بالإضافة إلى ممارسة الضغوط، والتي وصلت ذروتها بانسحاب إدارة ترامب من المحكمة عام 2018، بعد طول الانتظار هذا جاء إعلان المدعية العامة للمحكمة يوم 3 اذار/ مارس الجاري بأن المحكمة ستبدأ من تاريخه ممارسة دورها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الحديث السابق يلخص معركة دبلوماسية وسياسية كبيرة خاضتها فلسطين، ويمكن تخيل حجم الضغوط التي مارستها أطراف عديدة على القيادة الفلسطينية لمنع الوصول إلى هذه اللحظة الفارقة في تاريخ القضية الفلسطينية، وبعد القرار بدأت أشكال أكثر حدة من الضغوط لمنع تحويل قرار المحكمة إلى ممارسة عملية، بالإضافة إلى الموقف الأميركي الذي لايزال يمنع محاسبة انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي ولحقوق الإنسان، بالرغم من أن هذه الإدارة تقدم نفسها بأنها تريد رد الاعتبار لاحترام الدول لهذه الحقوق، فنحن أمام موقف أميركي منافق لكنه ثابت بمنع محاسبة إسرائيل.
وبالرغم من بؤس الموقف الأميركي، ورفض إسرائيل للقرار واتهامها للمحكمة باللاسامية، فإن القرار لن يفقد أهميته ودلالاته الأخلاقية والسياسية والقانونية، وحتى في تحوله إلى ممارسة وملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين. والمهم في الموضوع أن إسرائيل لم تعد مطلقة اليدين، وأن هناك إمكاتية لمحاسبتها، بالإضافة إلى الضغوط التي ستلاحق كل مجرم حرب إسرائيلي وفي مقدمتهم رئيس الحكومة نتنياهو وكل القيادات العسكرية والضباط والجنود في جيش الاحتلال.
ومن النتائج المباشرة تناول وسائل الإعلام في العالم للقرار والحديث بشكل واسع عن مجرمي الحرب الإسرائيليين وإمكانية ملاحقتهم. والدلالة الأخرى ذات بعد أخلاقي فهؤلاء المجرمون باتوا مدانين في نظر العالم حتى لو تم منع المحكمة من تنفيذ القرار. إلا أن المطلوب فلسطينيا واعتقد أن لدى القيادة كامل الوعي والإصرار على المضي في هذه المعركة حتى نهايتها، فهي ومن وجهة نظري، وفي إطار واقع القضية الفلسطينية الراهن المعركة الأهم، لأنها البداية الحقيقية لإنهاء الاحتلال ووضع حد لجرائمه وفي مقدمة ذلك الاستيطان وهدم المنازل والاعتقال الإداري، وأشكال سياسة العقاب الجماعي كافة.
لدى الشعب الفلسطيني اليوم فرصة ثمينة لوضع إسرائيل في الزاوية وللمرة الأولى منذ تأسيسها أن تصبح تحت القانون والمحاسبة.
المصدر: الحياة الجديدة