عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - أمس السبت التقيت عددا من الأصدقاء الفتحاويين في مكتب أحد القيادات الوطنية. ورغم أنني دعوت الإخوة لأسباب تتعلق بعمل مشترك، إلا أن اللقاء لم يخلُ من التعرض للانتخابات الفلسطينية القادمة، والإرباكات التي تواجهها كل القوى السياسية على أكثر من مستوى وصعيد، خاصة في حركة فتح. وعرج أحد الإخوة على موضوع علاقتي بالحركة، وبعد الإطراء على استقلاليتي، والجرأة في طرح المواقف السياسية، إلا أنه سجل عتبا عنوانه، أنني أجامل الحركة والقيادات الفتحاوية، ولا أتعرض للمنهجية الخاطئة في سلوكيات وسياسات الهيئات القيادية.
ومع الاحترام لوجهة نظر الصديق المعني، أود أن أوضح موقفي مجددا، مع أن القيادي الوطني طالبني بعدم الرد، لأنني لن أرضي المكونات الفتحاوية المختلفة. إلا أنني رأيت ضرورة تناول الموضوع حرصا على إجلاء الالتباس عند صاحب وجهة النظر، لأنه ليس الوحيد، الذي سجل هذا الرأي، وهناك العديد من الشخصيات في القوى الوطنية ترى أنني منحاز لفتح، وأجاملها بشكل ملفت للنظر على حساب الموضوعية، ما يسقط عني صفة الاستقلالية التي أفترضها وأدعيها.
وأعتقد جازما، أنني منحاز للمشروع الوطني، الذي تقوده حركة فتح؛ لأنه مشروعي، ومشروع كل وطني غيور على الهوية والشخصية والأهداف والثوابت الوطنية، ولعدم وجود قوة وطنية قادرة على حمل راية الوطنية حتى الآن. رغم أنني أعلم علم اليقين نواقص وعيوب ومثالب حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" أكثر من غيري، أو أسوة بمن عايشوا التجربة، ومن موقعي وخلفيتي الوطنية، لأني عاصرت التجربة والثورة الوطنية المعاصرة منذ بداياتها، كما عملت في مؤسسات السلطة الوطنية من بداياتها حتى الآن، ومطل على الإيجابيات والسلبيات، وسلطت الضوء عليها مرات عدة، ووقفت أمام تجربة حركة فتح، وأعلنت بشكل واضح لا يحتمل الالتباس، أو الغموض، أو التأتأة وبعيدا عن المواربة عن مواقفي، وحتى عبرت عن ذلك في العديد من مقابلاتي التلفزيونية، ولم أخفِ مواقفي لا داخل الغرف المغلقة، ولا في العلن، وأمام القيادات الفتحاوية من رأس الهرم حتى المستويات المختلفة في الحركة.
لكن تحكمني قاعدة هامة في العلاقة مع أي مكون تنظيمي في الساحة خاصة حركة فتح، عنوانها الأساس، التعامل مع هذا الفصيل أو ذاك ككل، وليس بالقطاعي، لأن محاكاة ونقد التجارب تفرض الموضوعية، والابتعاد عن منطق النظرة الأحادية القاصرة، وأخذ جانب بعينه بعيدا عن الجوانب الأخرى، وتغليب النقد الإيجابي لبلوغ الهدف الوطني العام، ومحاولة الترشيد والإغناء، وصونا للمصلحة العامة. حتى أن بعض الإخوة يعتبرني قاسيا أحيانا، أو أني أحاول القيام بدور الأستاذ، وهذا من وجهة نظري يحتاج للدقة.
ومن يعد لسلسلة مقالاتي على الأقل منذ الانقلاب الحمساوي أواسط عام 2007 حتى الآن، يستطيع أن يقف على موقفي الموضوعي من وجهة نظري. فضلا عن ذلك لا أدعي أني معصوم عن الخطأ، فأنا بشر، كما الناس جميعا أصيب وأخطئ. وبالتالي لا أعتقد أني جاملت يوما قائدا، ولا مسؤولا حكوميا، ولا فصيلا، ولا شخصية مستقلة على حساب المشروع الوطني، والمصلحة العليا للشعب الفلسطيني. وإن كنت أحيانا أغض النظر عن بعض النواقص والإرباكات السياسية والتنظيمية والإدارية والكفاحية لاعتبارات المصلحة العامة، ولافتراضي أن الابتعاد عن تناولها يصب في المصلحة الوطنية. لكني أطرح موقفي على جهات الاختصاص حيثما أمكن ذلك، وبقدر ما يتاح لي هذا الأمر. ومن لم ألتقه مباشرة، كنت أرسل له موقفي مكتوبا دون مواربة، أو كمن يضع الرأس في التراب كالنعامة.
أما بالنسبة لمنهجية حركة فتح، فهي تاريخيا تعتمد المنهجية البراغماتية. رغم وجود مدارس وتيارات في الحركة متعددة، ولها منهجيات غالبا متضاربة. لكن التيار المركزي فيها، وهو الممسك بمقاليد الأمور لا يحيد عن السياسة البراغماتية، بيد أن هذه البراغماتية لا تقفز عن الثوابت الوطنية، وتلتزم ببرنامج الإجماع الوطني، وأي موقف يعتقده البعض الفتحاوي أو الوطني خروجا، هو موقف غير دقيق، لأن محاكاة تيار فتح المركزي للمصالح الوطنية العليا تختلف عن بعض فتح والقوى الوطنية، لأن ما لدى القيادة من معلومات يجعلها أكثر قدرة على التعامل مع المتغيرات المحلية والإسرائيلية والعربية والدولية. وبالضرورة قد تصيب القيادة أحيانا، وقد تخطئ أحيانا أخرى.
بالمحصلة النهائية على الكل الفتحاوي أن يدرك بقدر ما تكون حركة فتح قوية وتخرج من أزماتها، بقدر ما تنهض الحركة الوطنية كلها، وبالتالي من الضروري الالتفاف حول الحركة وقياداتها لحماية دورها ومكانتها المركزية في الساحة، والابتعاد عن النزعات الشخصانية، وتغليب مصالح الحركة، التي هي بالضرورة مصالح الشعب العليا الوطنية.
عن الحياة الجديدة