دلال عريقات - النجاح الإخباري - سألني صحفي أجنبي بعد صدور المرسوم الرئاسي الخاص بالانتخابات: هل تعتقدين ان الانتخابات هي الطريق للمصالحة والوحدة الوطنية؟
أجبته: من الناحية النظرية، الانتخابات هي الطريق للديمقراطية، الطريق لجعل الشعب مرجعية، الطريق لعكس الرأي العام في صناعة السياسات، الطريق لإحياء السلطة التشريعية. أضفت انه اذا كنا نتحدث عن إعطاء الشعب حقه في المشاركة السياسية، فلا أرى أن فكرة القوائم المشتركة واقعية!
أدركت وقتها أن سؤال الصحفي لم يكن بريئاً، فهو صحفي مخضرم في عالم السياسة وله علاقات مع رؤوس الهرم في الفصائل الكبرى، لقد تهربت من الإجابة المباشرة وقلت له بإمكاننا وضع السيناريوهات المختلفة من التحليل والتنبؤ بالمستقبل ولكننا لا نستطيع ان نحكم أو نجزم بشكل موضوعي ومنطقي قبل اجتماع أمناء الفصائل القادم حتى لا نقفز للاستنتاجات دون أساس مُثبت.
بعد أن عُقد الاجتماع وخرج البيان الختامي عن اجتماع الأمناء العامين للفصائل ال ١٤ الذي عُقد في القاهرة برعاية مصرية، جاءت ردود الفعل إيجابية جداً على لسان من حضر هذا الاجتماع. اليوم سأجيب عن السؤال فيما اذا كانت الانتخابات هي الطريق للمصالحة؟
للاجابة عن السؤال سأتناول مفهوم الشراكة السياسية والديمقراطية التوافقية فقد لفتتني صراحة الحديث عن الشراكة في الانتخابات القادمة، تسعى قيادات الفصائل الأكبر للترويج لفكرة الشراكة، فهي من حيث المبدأ حضارية وإيجابية وبوصلتها المصلحة الوطنية.
لا نختلف أن الشراكة هي الطريق للاستقرار السياسي، الشراكة هي باختصار مشاركة السلطة Power Sharing، إذاً، الشراكة السياسية في الوضع الراهن هي فعلاً خطوة باتجاه المصالحة ولكنها إجراء تكتيكي وليس استراتيجي، أي ان الانتخابات اليوم على أساس الشراكة ستضمن مرحلة متوسطة المدى من الاستقرار وعملية انتخابات هادئة سينتج عنها بعض من التوازن الداخلي الذي قد يفعل عملية السلام، ولكنه حتمياً سيكون مرحليا ومرتبطا ببقاء بعض الاسماء والوجوه في الفصائل على حساب بقاء الفصائل نفسها.
الشراكة تعني الكثير من الايجابية والاستقرار السياسي ولكنها بكل بساطة تُخرج مفهوم الانتخابات من فحواه وعمقه في ايجاد الديمقراطية الحقيقية، فبينما نطمح أن تكون الانتخابات هي الأداة والوسيلة لتفعيل الديمقراطية ومشاركة الشعب في صناعة الرأي العام من خلال صناديق الاقتراع، ما يتم الترويج له اليوم من شراكة سياسية يعني محاصصة السلطة وضمان بقاء من هم في سدة الحكم في كل فصيل، مما سيمنع عملياً انعكاس الرأي العام الحقيقي او اي تفعيل للديمقراطية.
القوائم المشتركة على أساس الشراكة السياسية التوافقية بين الفصائل ستقضي على حق الشعب في المشاركة السياسية والاختيار بناءً على برامج تشكل أساس دعم قائمة عن غيرها، القوائم المشتركة ستعزز بقاء الأفراد على حساب بقاء الاحزاب، القوائم المشتركة ستضفي الشرعية على الوضع القائم بإخراج تقدمي حضاري تحت اسم الانتخابات.
الشراكة قد تثمر كما ذكرت في الاستقرار السياسي، كما قد تجلب الهدوء إضافة لإمكانية ان تكون هذه الشراكة مدخلاً لحل مع دولة الاحتلال، بحيث يكون مبنيا على توافق بين الفصيلين الأكبر في فلسطين يضمن بقاءهما في السلطة على حساب الديمقراطية الحقيقية.
اليوم نتذكر تجربة المصالحة في شمال إيرلندا، والتي أدت الى نجاح عملية السلام والوحدة من خلال المحاصصة والمشاركة السياسية بين الحزبين الأكثر منافسة. هذا ما نسميه "الديمقراطية التوافقية" اي الشراكة السياسية المتوافق عليها والتي ستؤدي لحكم تشاركي واستقرار سياسي.
في هذه المرحلة، نرى ان تقاسم السلطة في إيرلندا الشمالية بين الحزبين الأكبر هو نموذج يمكن تطبيقه في فلسطين للتخلص من الانقسام. نعم الشراكة السياسية وتقاسم السلطة ممكن ان يكون طريقاً للمصالحة والوحدة، ولكن هذا النهج سيعزز الاستقرار السياسي على حساب الديمقراطية الحقيقية.
الديمقراطية التوافقية تعمل على تصميم لوحة كاملة لشكل النظام السياسي من خلال صناديق الاقتراع، ولكن دون الحاجة لفرز الأصوات التي بداخلها، فالنتيجة متفق عليها قبل عملية الإدلاء بالأصوات!
- دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.