عبد الناصر النجار - النجاح الإخباري - بعد 15 عاماً على ثاني انتخابات تشريعية فلسطينية، تلوح في الأفق إضاءات تشي بتكرار تجربة طبقت مرتين فحسب، في الأولى كانت هناك محاولات جادة لتشكيل سلطة تشريعية قادرة على أداء دورها. وعلى الرغم من المصاعب الجمة ومن بينها اجتياح الاحتلال المدن الفلسطينية واندلاع انتفاضة الأقصى بما لها وعليها، ومحاصرة الرئيس الشهيد ياسر عرفات، وقبلها معركة النفق، فإن المجلس التشريعي حينها تمكن من إنجاز كثير من القوانين، ونجح جزئياً في لعب دوره كسلطة مستقلة ومراقبة.
في الانتخابات الثانية، وقعنا في حفرة لا قاع لها، لأننا كنا وما زلنا لا نفرق بين الانتخابات كمظهر للديمقراطية وبين كونه أساساً لها.
من أهم أسس الديمقراطية دستور جامع وثقافة واسعة واقتصاد قوي، وهذه لم تكن متوافرة لدينا سابقاً، ولا نبالغ في القول إنها غير متوافرة حتى الآن.
لهذا انتهت الانتخابات التشريعية الثانية بفشل ذريع وانقسام «ذبح» القضية الفلسطينية، وتقاسم وظيفي لسلطاتٍ قمة سقفها هو الاحتلال المسيطر بشكل مطلق على حدودنا وأرضنا وهوائنا ومياهنا وحركتنا واقتصادنا... وكان أساس التصويت فيها الانتقام أكثر من المصلحة العامة.
حمل الأسبوع الماضي كثيراً من الأخبار، ظاهرها حتى الآن جيد، لكن باطنها غير معروف، والسبب في ذلك هو إجابة ضبابية عن سؤال يردده الفلسطينيون: ماذا نريد من الانتخابات؟ هل انتخابات من أجل إحداث تغيير حقيقي في مختلف مناحي الحياة؟ أم مجرد أداة لتجديد الشرعيات ليس إلا؟ خاصة في ظل  ضغوط غربية وإقليمية.
ما نسمعه هذه الأيام يشير إلى أن الهدف هو تجديد الشرعيات أكثر من إحداث تغيير قادر على أن يخرجنا من مآزق أغلقت علينا بإحكام.
حديث الناس عن الانتخابات مغلف بالتشاؤم أكثر من كونه تفاؤلاً مستحقاً، ليس التشاؤم من تعثر إجرائها كما في كل مرة، بل العكس ربما هذه المرة تكون واقعية بعد أن أصبح التوجه إلى صناديق الاقتراع في أيار المقبل شبه مؤكد، وإنما منبع التشاؤم هو نتائجها الحزبية المتوقعة والتقاسم الوظيفي المتوقع في امتداد لما هو قائم.
لعل أكثر السيناريوهات غرابة هو القائمة الموحدة، التي يقصد بها التقاسم الوظيفي بين حركتي فتح وحماس كونهما تمثلان القوة الحقيقية في هذه الانتخابات، أما الحديث عن فصائل وتنظيمات وحركات أخرى فهو في واقع الأمر حديث عن تابع أو ملحق في فقرة أخيرة من كتاب واسع. وسواء بقيت هذه الفقرة أو حذفت فسيان.
القائمة الواحدة تعني انتخابات بالتزكية، وربما هذا آخر ما يفكر به المواطن بعد مرور جيل على انتخابات لم تزدنا إلا تباراً.
انتخابات التزكية دلالة ضعف وليست دلالة قوة، دلالة استمرار مختلف الإشكاليات والسلبيات والمفاسد.
السيناريو الآخر هو تنافس بين الكتل، وإن كان التنافس سيكون بين الحركتين الكبيرتين مع عدم وجود كتلة ثالثة وازنة، أي كتلة مستقلة تفوز بعدد من المقاعد وتكون قادرة على المناورة مستقبلاً سواء في تشكيل الحكومة أو قراراتها أو الانتخابات اللاحقة الرئاسية أو المجلس الوطني.
حتى سيناريو 2006 يمكن أن يتكرر ولو بنسبة ضئيلة، لكن فيما لو حصل فإن سقوطنا السابق سيكون محدوداً مع ما سيكون عليه وضعنا في المستقبل.
في المقابل، إذا تغيرت النتائج وفازت حركة فتح والفصائل المحمولة على كتفيها فهل ستتنازل حماس عن حكم قطاع غزة؟ وهل سيكون السلاح واحداً؟ وهل؟... عشرات الأسئلة التي لا توجد لها إجابة في ظل جملة واحدة تختصر المشهد من خلال التأكيد على «أن المقاومة مقدسة لا يمكن المساس بها».
حتى الانتخابات في القدس، إشكالية إجرائها سيكون لها أثر كبير على ثوابت أصيلة.
تصريحات لجنة الانتخابات المركزية بأن هناك بدائل للانتخابات في القدس يحمل تأويلات متعددة، الأسوأ فيها هو قدرتنا على التكيف مع كل متغير يفرضه الاحتلال بدءاً بقبولنا بالطرق الالتفافية وليس انتهاء بالتكيف مع كل إجراء احتلالي بعبقرية مأساوية.
لا نريد أن نستبق الأحداث، لكن المشهد قاتم.
السيناريو الأكثر تفاؤلاً هو انتخابات تعددية حقيقية تضم كتلاً شابةً فاعلةً وليست تابعة، وشخصيات لها ثقل وطني حقيقي، كتلاً قادرةً على أن تكون صوت الشعب، وقادرة على قلب الآليات السابقة التي أثبتت فشلها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
التغيرات الإقليمية والدولية وتخلي غالبية الأنظمة عن القضية الفلسطينية، والتطبيع مع الاحتلال، ومحدودية نتائج المقاومة الشعبية، والواقع الذي خلفه الاحتلال على الأرض... تجبرنا مجتمعةً على البحث عن الخيار الأخير، لأنه ربما يمنحنا إضاءةً في نهاية نفق مظلم. ودون ذلك سنظل نتحرك في تيه واقعنا دون جدوى. وبناءً عليه، هل نريدها انتخابات لإحداث تغيير أم لتجديد الشرعيات؟!
 

 

نقلا عن الحياة الجديدة