عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - غابت شمس الرئيس السابق، دونالد ترامب أمس الأربعاء إلى غير رجعة، وغادر البيت الأبيض غير مأسوفٍ على رحيله، حتى أنه غادر قبيل حفل تنصيب الرئيس جو بايدن، تملؤه الهزيمة والحقد والكراهية والعنصرية. كانت سنواته الأربع الماضية مشحونة بالتخبط والفوضى والعبثية وشيطنة الآخر الأميركي والأجنبي، وتركت ندوبا عميقة في الجسد الأميركي.
بفضل تضافر الجهود الأميركية تمكن الرئيس الجديد، بايدن ونائبته، كاميلا هاريس من أداء ولاء القسم، وألقى خطاب التنصيب، الذي أكد فيه عدة أمور مهمة، أولا- انتصار الديمقراطية الأميركية؛ ثانيا- أنه سيكون رئيسا للكل الأميركي من الأنصار والمعارضين؛ ثالثا- شّدد على أهمية الوحدة لحماية الأمة الأميركية؛ رابعا- دعا لمحاربة الإرهاب والجريمة والفوضى الداخلية، وإعادة الاعتبار لأميركا؛ خامسا- أكد رفض العنصرية والتفرقة العرقية بين الأميركيين؛ سادسا- جزم أنه سيحارب الفقر والجوع والمرض والتخلف، وفي السياق أكد على إعادة التأمين الصحي أو ما يسمى "أوباما كير"؛ سابعا- لم شمل الأسر، والسماح للمهاجرين من مختلف الدول بدخول الولايات المتحدة؛ ثامنا- الدفاع عن قيم التسامح والعدالة بين الأميركيين؛ تاسعا- الدفاع عن الأمة الأميركية ومكانتها العالمية؛ عاشرا- كما أكد محاربة كورونا وكل الأمراض، وإعادة الاعتبار للطبقة الوسطى، وتأمين وظائف جديدة للعاطلين عن العمل؛ حادي عشر- أكد إعادة العلاقات مع كل دول العالم وفق المصالح الأميركية، وعودة العلاقات مع حلفاء أميركا جميعا، ثاني عشر- الالتزام بالاتفاقات الأميركية مع دول العالم.
كما لوحظ أن خطاب الرئيس الأول بعد أداء القسم كان مركزا على البيت الأميركي والشأن الداخلي بشكل أساسي، وعلى الشرخ الذي أحدثته الإدارة السابقة، وهجوم الرعاع وقطاع الطرق على مبنى الكابتول يوم السادس من كانون الثاني/يناير الحالي. وتجسيدا لتوجهاته السياسية الجديدة، المفترض أن يوقع في اليوم الأول لولايته 17 مرسوما تتعلق بالصحة والهجرة، وإعادة العمل باتفاقية المناخ، والعلاقة مع منظمة الصحة العالمية والمنظمات الدولية الأخرى، التي انسحبت منها إدارة ترامب وغيرها من القرارات المتناقضة مع نهج الإدارة السابقة. والملاحظ أن الرئيس الديمقراطي لم يتطرق ولا بكلمة واحدة لإسرائيل الاستعمارية.
مر اليوم الأول من تولي الإدارة الجديدة بسلام، رغم الإعلان عن وجود قنبلة في المحكمة الدستورية الأميركية، التي تم إغلاقها، ولم يعلن حدوث أية تطورات أخرى. لكن هل هذا يعني أن الولايات المتحدة الأميركية تعافت من نتائج وتداعيات هجوم أنصار الرئيس الأفنجليكاني السابق على الكابتول؟ هل تجاوزت بلاد العم سام أزماتها العميقة الداخلية والخارجية؟ وهل ستحكم إدارة بايدن وهاريس سيطرتها أم أنها ستواجه الصعوبات والتعقيدات نتاج مواصلة العنصريين البيض سياسة الهدم؟
من المبكر التأكيد والإقرار بأن أميركا انتشلت نفسها من وحول العنصرية والإرهاب والفوضى والمرض والفقر، لأن الأزمات أعمق من التمنيات والرغبات لاركان الإدارة الجديدة، وتتجاوز كل الدعوات الطيبة والمثالية، كونها ليست أزمة خاصة بإدارة غير المأسوف على رحيله، ترامب، رغم أنه وسع وضاعف من تجذرها في مركبات المجتمع الأميركي، وساهم عن سابق تصميم وإصرار على إشعال فتيل كل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والثقافية والدينية والبيئية. وبالتالي ولاية الرئيس جو بايدن على موعد شبه مؤكد مع كم كبير وغير مسبوق مع التحديات المنغرسة والمتوطنة في بلاد راعي البقر.
مع ذلك يفترض أن ينظر لنصف الكأس الممتلئ من سياسات الإدارة "البايدينية"، والرهان على أنها ستعمل لترميم الجسور الداخلية والخارجية لتجاوز الأخطار الماثلة أمامها. وهذا يحتاج منها إلى تعزيز المناخ الديمقراطي بقدر ما هو مطلوب منها التصدي بحزم وقوة لجرائم عصابات الإرهاب العنصرية، وبخط متواز ترميم الجسور مع الحلفاء في أوروبا وغيرها من دول العالم، وإعادة النظر بدور شرطي العالم، والعمل مع الأقطاب الدولية الأخرى المتناقضة معها على أرضية تعميم وشائج السلام والتعاون، والنأي عن سياسة العصا الغليظة والحروب، وأيضا العمل بروح المسؤولية السياسية العالية لبناء ركائز السلام الممكن والمقبول على المسار الفلسطيني الإسرائيلي وعلى أساس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، والعمل لعقد مؤتمر دولي لتكريس السلام في الشرق الأوسط.
المرحلة المقبلة من سياسة إدارة بايدن ستكون أمام اختبار حقيقي، وتحت المجهر من قبل الداخل الأميركي والخارج العالمي. لا سيما وأن للولايات المتحدة يدا طولى وخندق حرب وقاعدة في مختلف بقاع الأرض، والمستقبل المنظور كفيل بتقديم الإجابات من خلال الممارسة العملية وكيفية تعاطيها مع كل الملفات المطروحة على الطاولة.