ماجد هديب - النجاح الإخباري - سبعة وخمسون عاما على انطلاقة الثورة الفلسطينية وعمودها الفقري حركة فتح ،وما زالت هذه الثورة أمل الشعب بالتحرر والاستقلال وبناء الدولة، رغم ما يعيبه البعض عليها من توقف لبندقيتها والاتجاه نحو السلام مع المحتل ،وكأنه لا استمرار لثورة دون بندقية ونسى المزايدون والمشككون الذين لم تتوقف محاولاتهم عن الإساءة للثورة الفلسطينية إما بوعي منهم أو دون وعي ما جاء في تعريف الثورة على لسان من أطلق الرصاصة الأولى فيها وهي "ان الثورة ليست بندقيه، فلو كانت بندقية لكانت قاطعة طريق"، ولكنها كما قال هي "نبض شاعر، وريشة فنان، وقلم كاتب، ومبضع جراح، وإبرة لفتاة تخيط قميص فدائييها وزوجها"، كما نسى هؤلاء بان الاستراتيجيات ليست قيد من حديد على ممارسة حق هذه الثورة في المناورة والتكتيك في ظل التحولات العربية والدولية، وفي ظل البحث عن افضل الحلول للانتقال بالشعب الفلسطيني الى واقع افضل مع الحفاظ على هويته من الاندثار والضياع ،ولكن هذا لا ينفي بان مجد الثورة الفلسطينية لم يعد فعلا كما هو في بدايات انطلاقتها ،ولم يكن عدم استمرار التألق في عالم المجد بسبب توقف هذه البندقية او تجميد العمل بها لتحقيق الإنجازات ،وانما بفعل عدم المزاوجة الصحيحة ما بين الثورة والإدارة ،فكيف اذا يمكن لنا ان نعيد فتح لمجدها ؟.
لقد اثبت الشعب الفلسطيني ومن خلال ثورته ،وعبر ما قدمه أيضا من تضحيات جسام وبطولات نوعية ،ومن تراكم للإنجازات ،بان هذه الثورة هي انبل ظاهرة بالتاريخ فعلا، وانها وجدت لتبقى ووجدت أيضا لتنتصر، لان قادتها كانوا قد ادركوا بان عوامل الوجود على الأرض والانتصار على المحتل ليست عوامل ثابتة ،بل هي متغيرة بتغير الوقائع والظروف، ولذلك كان هؤلاء القادة قد ابدعوا ،ليس فقط بتحويل اللاجئ الذي كان يتسول على اعتاب مراكز التموين الى مقاتل يحمل بندقية من اجل تحرير الوطن، ولا بإعادة ولاء الفلسطيني لثورته والانتماء لشعبه الذي كان مخطوفا من الأنظمة العربية التي اتخذت من فلسطين ورقة مزايدات فيما بينهما ، ولا حتى نتيجة معارك الصمود والانتصار ،بل بالإبداع في استخدام المناورة والتكتيك ،حيث أثبتت اتفاقية أوسلو بأن حركة فتح كانت اكثر فهما لطبيعة التحولات والتغيرات التي قد تدفع بالشعب الفلسطيني نحو التيه والضياع لعقود وليس الى تحقيق وجودهم وذاتهم فلولا أوسلو لما كان الفلسطينيين الان على أرضهم يصارعون الاحتلال بسلاح يتطور من الحجر إلى الرشاش والصاروخ ،فهل كان يمكن الفلسطينيين لولا أوسلو تحقيق ذلك في ظل ما يعيشه العرب من انبطاح نحو التطبيع مع إسرائيل في كافة المجالات الأمنية والاقتصادية؟.
هذه هي فتح وهنا تكمن عظمتها ،فالعظمة ليست بكم الجماهير وان كانت فتح هي ام الجماهير ،ولا بعملياتها العسكرية وان كانت تلك العمليات التي قام بها ابطال الفتح قد حولت المعجزات الى حقائق، وإنما عظمة فتح بما تطرحه من استراتيجيات وبرامج لتحقيق آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني بالتحرر والاستقلال بعيدا عن الشعارات التي اوهنت عزيمتنا وحرفت بوصلتنا ،وبما نشهده أيضا من تطابق صادر عنها بالأقوال والافعال ،فعندما انطلقت الثورة الفلسطينية وتطلب وجود البندقية فان هذه البندقية كانت مشرعة، وعندما تطلبت الجغرافية والسياسة من فتح الاتجاه نحو السلام فان الاتجاه نحو السلام قد اعاد القضية الفلسطينية الى واجهة الاحداث مجددا وأصبحت فتح ومنظمة التحرير طرفا رئيسيا في إعادة رسم الاصطفافان في ظل عالم احادي الجانب بجانب تحقيق العديد من الإنجازات التي كان يجب ان نراكم عليها لا ان نتوقف عندها .
كثيرة هي تلك الإنجازات التي حققتها حركة فتح رغم ما تعرضت له من مؤامرات ، ولذلك لا يمكن لنا في مقال هنا ان نتحدث عن تلك الإنجازات وان كنت اكتفي هنا بالإشارة الى ما حققته فتح لحركة حماس التي تتغول عليها الان وتعمل مع الكثير من الدول على استئصالها ،حيث ما كان لحركة حماس ان تصل الى ما هي فيه الان من تطور لقوتها لولا حركة فتح التي هيأت لها الأرض الخصبة لامتلاك ما لديها من سلاح ،وما كان لحركة فتح ان تنجح بإفشال قرار امريكي باتهام حركة حماس بالإرهاب لولا ما تمتلكه فتح من رصيد في العلاقات مع أعضاء في الاسرة الدولية ابان الثورة وتصاعد عملياتها وفي ظل الاتجاه أيضا نحو السلام والمطالبة بتحقيقه ، ولكن وبما ان لفتح إنجازات فان لديها الكثير من الإخفاقات ،فما هي تلك الإخفاقات التي يجب العمل على تجاوزها حتى نعيد لفتح لمجدها؟.
علينا ان نعترف بان المشروع الوطني الفلسطيني قد وصل الى مرحلة من الإجهاض بفعل مجموعة الإخفاقات ومنها ادخال المتسلقين والانتهازيين من بعض الجماعات والعائلات وحتى من بعض الفصائل لمؤسسات السلطة الوطنية في الوقت الذي كان فيه على حركة فتح والسلطة الوطنية الحفاظ على السلطة نفسها من ايه اختراقات منعا لإجهاضها باعتبار ان هذه السلطة بمثابة الوليد الذي يجب الحفاظ على نموه وتطويره وليس اجهاضه ،حيث سمحت حركة فتح لهؤلاء باختراق مؤسسات السلطة بذريعة التسامي على الجراح ،وبذريعة مساواة الجميع امام القانون وبتقلد الوظائف العامة ،وهنا لا اعرف جدوى هذا القانون ونحن لم نصل بعد الى مرحلة الدولة ،بل اننا ما زلنا في مرحل تحول اليها ،حيث كان على حركة فتح ان تعمل على تحييد هؤلاء منعا من اجهاض المشروع الوطني وليس تسليح حركة حماس وتمويلها وتدريب عناصرها في الوقت الذي كانت تعلم فيه بان انطلاقة حركة حماس جاءت على قاعدة العداء مع معها وليس على قاعدة التكامل فيما بينهما كما عملت حركة فتح على دفع حركة حماس للمشاركة بالانتخابات دون الوصول معها الى تحقيق استراتيجية وطنية او تحصين لجبهتنا الداخلية وتسوريها بالوحدة الوطنية وبالاتفاق على القواسم المشتركة منعا للانزلاق نحو الاقتتال والانقسام.
كان على منظمة التحرير الفلسطينية وعمودها الفقري حركة فتح الاتجاه نحو توقيع ميثاق وطني مع كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي لتحديد معالم المرحلة القادمة بعد اتفاق أوسلو وذلك على قاعدة القواسم المشتركة فيما بينهما وذلك منعا للصدام ،وتجنبا للتداخل ما بين الشرعية الديمقراطية والشرعية الثورية في مرحلة الانتقال من الثورة الى مرحلة بناء الدولة من خلال فرض الاستراتيجيات والبرامج للبناء على ما راكمه الشعب الفلسطيني من إنجازات ،حيث ان ما يعانيه الشعب الفلسطيني اليوم هو بسبب غياب تلك الاستراتيجيات و البرامج واليات العمل على تطبيقها ، وهذا ما يستوجب الان من حركة فتح العودة الى ابتداع الحلول لإنهاء الانقسام السياسي مع حركة حماس وذلك من خلال الاتفاق معها على خارطة طريق تؤدي الى انهاء هذا الانقسام على قاعدة القواسم المشتركة فيما بينهما من اجل تحقيق امال الشعب الفلسطيني بالتحرر والاستقلال مع حماية حركة حماس نفسها من الانزلاق بالشعب والقضية نحو الاندثار .
ما زالت حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية بحاجة الى فرض قوة وجودها واعادة الاعتبار لمكانتها ،وذلك بترتيب اولوياتها من خلال التشاور والاتفاق بين كافة قوى وفصائل العمل الوطني والاسلامي على صياغة ميثاق وطني فلسطيني وفقا لقاعدة التمثيل النسبي تتحدد فيه الاستراتيجيات والبرامج واليات تنفيذها استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية, وعلى ضوء قرارات المجالس الوطنية، وأهمها قرار إعلان الاستقلال عام 1988, وجميع ما تم التوافق عليه أيضا في لقاءات المصالحة ،وذلك من اجل مجابهة التحديات المفروضة ،والاتجاه نحو التجسيد الفعلي لما أصدره المجلس المركزي من قرارات في دورته السابقة (دورة الانتقال من السلطة إلى الدولة) ،بعيدا عن لعبة الديمقراطية التي اصبحت مدخلا لانقلابات وصراعات ،والتي لم تجلب لنا الا تخلفا وانقسام ،ولم تفرز لنا ايضا وعير صناديق الاقتراع الا اشخاص لم يكن لهم اي دور في النضال ،ولو أدى ذلك ،ومن خلال نصوص الميثاق نفسه الى العمل على انتهاج أسلوب الدكتاتورية الوطنية ،كما فعلت قيادة جبهة التحرير الوطني الجزائري ابان ثورة الاستقلال ،ففي ذلك فقط بمكن لنا تجسيد الوحدة وتحقيق الاستقلال ،ولا يمكن لنا تحقيق هذا الاستقلال دون ان نعيد لفتح مجدها ،فهل يمكن لنا الاتجاه نحو فرض تلك الاستراتيجيات والبرامج دون ان نعيد لفتح مجدها؟.