نابلس - عبد الناصر النجار - النجاح الإخباري - نهاية الأسبوع الماضي انهار تحالف الفساد بين نتنياهو الماكر وبين الساذج الباحث عن مصلحته الشخصية زعيم حزب «كاحول لفان» (أزرق أبيض) بني غانتس بعد الفشل في الوصول إلى حلول وسط بين الاثنين حول الموازنة المقبلة، علماً أن الخلافات بينهما أعمق بكثير من قضية الموازنة.
نتنياهو الفاسد حاول بكل قوة السيطرة على القضاء الإسرائيلي من خلال وزارة العدل والقانون والتعيينات في السلك القضائي، في الوقت الذي رفضت فيه بقايا حزب غانتس التنازل في هذا الملف.
نتنياهو الماكر كان منذ اليوم الأول لاتفاق التناوب يؤكد أنه لن يكون هناك تناوب، لأن شريكه لا يتمتع بصفات تؤهله لقيادة إسرائيل!
نتنياهو الذي يطلقون عليه «الملك» تغوّل كثيراً خلال السنوات الأربع الماضية بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، الذي احتضن نتنياهو وقدم له مختلف الإمكانيات للاستمرار في رئاسة الحكومة، وكان واضحاً مدى تدخّل مستشاري ترامب لدعم نتنياهو وحزب «الليكود» في انتخابات الكنيست الثانية والعشرين والثالثة والعشرين. واليوم تتوجه إسرائيل للمرة الرابعة إلى انتخابات تشريعية خلال سنتين في حدث غير مسبوق في تاريخ الدولة العبرية.
لكن ما الجديد في هذه الانتخابات؟ هل ستكون مختلفة عن سابقاتها؟ هل المقصود منها رأس نتنياهو؟ أم هناك تغيير حقيقي في الطريق للكنيست المقبلة.
المحللون السياسيون الإسرائيليون وغيرهم يجمعون على أن الكنيست الرابعة والعشرين المقرر إجراء انتخاباتها في آذار المقبل ستوجه ثلاث ضربات قاسية، أولاها لحزب الليكود الذي سيخسر كثيراً من مقاعده بعد أن حصل على ٣٢ مقعداً في انتخابات أيلول ٢٠١٤ و٣٦ مقعداً في انتخابات آذار ٢٠٢٠. فحسب استطلاعات الرأي التي أجريت، أول من أمس، لن يتجاوز «الليكود» عتبة الـ٢٥ مقعداً، ما يعني بداية الانهيار الحقيقي للحزب وتغيير قيادته.
الضربة الثانية ستكون لحزب «كاحول لفان» برئاسة غانتس الذي لن يحصل على أكثر من ٥ مقاعد، في الوقت الذي حصل فيه تحالف غانتس مع يائير لابيد رئيس حزب» يش عتيد «(هناك مستقبل)، وحزب» كولانا «على ٣٣ مقعداً في الانتخابات الماضية.
غانتس الذي خان حلفاءه وانضم إلى حكومة الفساد طمعاً في تولي رئاسة الحكومة خلال الفترة الثانية سينهار حزبه بطريقة مأساوية، ما يعني خروجاً مذّلاً من الحياة السياسية حتى وإن عاد إليها كعضو كنيست.
الضربة الثالثة هي لليسار الإسرائيلي الذي كان يرقد في غرفة الإنعاش السياسي، فاستطلاعات الرأي تظهر أن حزب العمل سيشيّع إلى غير عودة بعدما كان الحزب الأكبر في إسرائيل عقوداً عدة، بل يعتبر الحزب الذي بنى الدولة العبرية وقادها وطوّرها.
حزب العمل الذي حصل على ٦ مقاعد فقط في انتخابات أيلول ٢٠١٩، اضطر في انتخابات آذار الماضي إلى التحالف مع «ميرتس» و»غيشر»، ومع ذلك لم يحصلوا مجتمعين سوى على ٧ مقاعد، ما حدا بحزب «ميرتس» إلى اتخاذ قرار بالتوجه إلى الانتخابات المقبلة وحيداً، ووفق استطلاعات الرأي قد يحصل على ٦ مقاعد، وهذا سيمثل حصيلة اليسار الإسرائيلي كلها، خاصةً إذا لم يتجاوز حزب العمل نسبة الحسم، وهو ما ترجحه الاستطلاعات.
بالنسبة للقائمة المشتركة التي تمثل فلسطينيي الداخل فهي أيضاً تعاني الانقسام والخلافات الداخلية التي ستعصف بتحالف الكتل الفلسطينية في الداخل، لذا قد يتراجع عدد أعضاء الكنيست العرب إلى ١١ أو أقل، وهذا يعني خسارة ٤ مقاعد على الأقل في الكنيست المقبلة.
أما أكبر الرابحين فسيكون اليمين الاستيطاني العنصري، فقد أصبح واضحاً انحراف المجتمع الإسرائيلي إلى أقصى اليمين، ما يعني فشل أي جهود لإحياء ما يسمى مسيرة السلام والمفاوضات، في مقابل التغول الاستيطاني بشكل سيغير الواقع الجغرافي والديمغرافي في الضفة الغربية خلال السنوات المقبلة.
اليمين الإسرائيلي سيكتسح من خلال حزب «أمل جديد» المنشق عن «الليكود» برئاسة جدعون ساعر وحليفه المنشق الآخر زئيف الكين وزير التعليم المستقيل من حكومة نتنياهو، هذا الحزب سيحصل على ٢٢ مقعداً أي بفارق ٣ مقاعد عن «الليكود»، لكن هناك حلفاء أساسيين مع هذا الثنائي الاستيطاني يتمثلون بأحزاب «يمينا» الاستيطاني برئاسة نفتالي بينيت الذي سيحصل حسب استطلاعات الرأي على ١٥ مقعداً، و»إسرائيل بيتينو» برئاسة ليبرمان الذي سيحصل على ٧ مقاعد، و»يش عتيد» (هناك مستقبل) برئاسة يئير لبيد الذي سيحصل على ١٥ مقعداً، علماً أن انحرافات لبيد نحو اليمين أصبحت ملاحظةً منذ تأسيس الحزب في العام ٢٠١٢ وحتى اليوم، فالحزب يزداد تطرفاً ولم يعد كما يدعي أنه في منطقة المركز.
التحالف بين الأحزاب الأربعة شبه المنسجمة في التوجهات السياسية والاقتصادية وإجماعها على الاستيطان والفصل العنصري سيحصل على ٦٢ مقعداً، الأمر الذي يعني الحصول على الأغلبية، دون الحاجة إلى الأحزاب المتدينة التي ربما ستجد نفسها لأول مرة منذ عقود خارج اللعبة السياسية لتواجه معركة التجنيد الإجباري في الجيش وحيدةً.
على أجندة هذا التحالف سيكون الضم المعلن أو غير المعلن ومضاعفة عدد المستوطنين لأكثر من مليون مستوطن ومضاعفة عدد المستوطنات وتبييض البؤر الاستيطانية.
لكن كيف سينعكس هذا على علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو حتى مع الدول التي أعلنت اعترافها بإسرائيل وطبّعت معها بحجة التسريع في عملية السلام؟ لا إجابة واضحة، لكن المؤكد أن الفلسطينيين في مأزق.