زياد ابو زياد - النجاح الإخباري - أشعر بالقلق من بعض المظاهر السلبية التي بدأت تتفشى في مجتمعنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وخاصة تلك الظواهر السلبية ذات البعد الأمني الداخلي. وأضرب مثلا على ذلك إطلاق النار على قوات الأمن الفلسطينية في الخليل ، وإطلاق النار على بعض مقرات الأجهزة الأمنية في جنين وإلقاء زجاجات حارقة على أفراد أمن فلسطينيين في مخيم بلاطة. فهذه الظواهر الخطيرة تفتح المزيد من شهية المتربصين بنا وبمشروعنا الوطني.
ولا شك بأن التصدي الأمني وحده لهذه المظاهر السلبية لن يجدي نفعا ً بل سيزيد الأمور تعقيدا ً ويزيد الأحقاد والفتن بين أبناء الشعب الواحد في ظروف نحن بأمس الحاجة للوحدة والتلاحم فيما بيننا. فالأمر يحتاج الى معاجة جذرية . وعلينا جميعا ً أن لا نترك للإنفعال طريقا ً ليتحكم في قراراتنا وتصرفاتنا.
وإذا افترضنا أن هناك شقين لهذه الحالة أحدهما هو حالة استياء أو تذمر شعبي من جهة ، وأجهزة تتحمل مسؤولية حفظ الأمن والاستقرار الاجتماعي من جهة ثانية فلنتناول بالحديث كلا ً من الطرفين على حدة.
أما بالنسبة للإحتقان الشعبي فعينا أن نبحث عن أسبابه ونحاول إزاتها. وعلينا أن نتعلم من تجربة بعض دول الجوار. فقد قامت الثورة السورية مثلا ً ضد النظام كثورة شعبية تُطالب بالإصلاح وإطلاق الحريات العامة والديمقراطية وكانت ثورة سلمية شعارها " يا الله ما لنا غيرك يا الله ". ولكن سرعان ما اندست عناصر غريبة في صفوف الثورة واستخدمت السلاح ضد جيش النظام فبدأت الأمور تنزلق نحو الهاوية وسرعان ما تحولت الأرض السورية الى ساحة قتال بين أنظمة عربية ودول إقليمية وقوى دولية وظهرت مسميات مدعومة سلاحا ومالا ً من أمريكا وإسرائيل ودول عربية معروفة ولم تعد الثورة ثورة شعبية سورية وإنما حربا إقليمية على الأراضي السورية لتصفية حسابات لا تمت للشعب السوري بصلة.
وكان الأشقاء السوريون هم الذين يدفعون الثمن فتم تدمير سوريا من الداخل وإعادتها الى الوراء عشرات السنين وتم تشريد أكثر من نصف الشعب السوري في مخيمات اللجوء في شتى أنحاء العالم وسقط مئات الآلاف من القتلى والجرحى والغرقى وكل ذلك لا علاقة له بالثورة الشعبية التي بدأت شعبية ووطنية وانتهت الى ما انتهت إليه.
ونحن هنا لا نملك ترف خوض تجربة كالتجربة السورية لأن اندلاع العنف بين ظهرانينا لا يبقي لنا شيئا ً سوى الاندثار.
ومن هنا فإن على كل مواطن غيور ذو انتماء وطني أن يفهم بأن أية أعمال عنف ضد أبنائنا في الأجهزة الأمنية هي أعمال تصب في خانة الاحتلال ولحساب أعداء الشعب الفلسطيني ، وتضع كل من يقوم بمثل تلك الأعمال في دائرة الشبهة بالعمالة والخيانة ، وعلينا جميعا ً أن نتصدى لذلك بكل ما أوتينا من قوة.
وفي المقابل وعلى صعيد السلطة والأجهزة الأمنية فإن اللجوء للقوة وللسلاح لن يؤدي الى النتيجة المرجوة بل سيزيد الأمور تعقيدا.
فالحقيقة هي أن هناك فلتان أمني له أسبابه وهناك انسداد أفق سياسي وحالة شلل تسيطر على الحالة الفلسطينية بأسرها وتنعكس سلبا ً على المواطنين جميعا ً وزادت من حدتها جائحة الكورونا ، وهناك غياب لحكم القانون وغياب للمؤسسة الدستورية وفوضى إدارية وسياسية تعم كل مرافق حياتنا. وعلاج هذا الحال لا يتم من خلال القمع الأمني وحصار المخيمات واقتحام البيوت والتفتيش العشوائي وترويع العوائل ، وإنما من خلال البحث عن أسباب المشكلة ومعاجتها من جذورها ، ومن خلال تحقيق التآلف والإنسجام بين مكونات المجتمع الاجتماعية والسياسية.
هناك ضغوط تُمارس على السلطة والأجهزة الأمنية لضبط الوضع ووضع حد لما يسمى فوضى السلاح. فقد تعرضت السلطة الى تهديد من أمريكا وبريطانيا مؤخرا ً بأنها ستوقف المساعدات الأمنية عن الأجهزة الأمنية إذا لم تبادر الى وقف العنف وتحقيق الأمن وأنها ستقوم بربط المساعدات للأجهزة الأمنية بمقدار التقدم الذي تحققه في مجال الأمن ، وهذه الضغوط لا يجوز أن تُترجم بإجراءات ضد المواطن.
فالأمن الذي تريد هذه الدول من السلطة تحقيقه ليس أمن المواطن الفلسطيني العادي لأن التهديد الحقيقي لأمن المواطن الفلسطيني هو استمرار الاحتلال والاستيطان واستمرار إنكار حق الشعب الفلسطيني في العيش بأمن واستقرار وكرامة على أرضه في ظل دولتة المستقلة ذات سيادة على أرضها وحدودها ومنافذها ومصادرها الطبيعية وهوائها وأجوائها.
المطلوب من السلطة هو البحث عن أسباب الخلل والتململ والمظاهر السلبية ومعالجة الأسباب لا الأعراض. وفي رأيي أن في مقدمة هذه الأسباب استمرار الإنقسام داخل حركة فتح أو " التجنح " كما يحلو للبعض تسميته ، ومعالجة هذا التجنح ستنهي الكثير من الأمور السلبية. وبالإضافة لذلك فإن على أصحاب القرار العمل أيضا ً على إزالة الحساسية التي تتزايد بين أبناء المخيم والمدينة وبين أبناء الشمال والجنوب وبين أبناء القدس والضفة وبين بعض المكونات السياسية والشرائح الاجتماعية ، تلك الحساسيات التي تولدت نتيجة الوضع القائم . فنحن بحاجة ماسة الى مصالحة وطنية مجتمعية داخلية ربما بالتوازي مع مصالحة فتحاوية فتحاوية ومصالحة فتحاوية حماسية. وبدون هذا العرس الاجتماعي التصالحي لن تقوم لنا قائمة.
ولا شك بأن القضاء على الظواهر السلبية وسد الطريق أمام الجهات المشبوهة التي تحاول إذكاء نيرن الفتنة الداخلية تتطلب إعطاء أفق من الأمل وإعادة الثقة بين المواطن والحكومة وهذ لا يمكن أن يتم إلا من خلال إعادة القرار للشعب من خلال تمكينه من اختيار ممثليه من خلال صناديق الإقتراع وإعادة الشرعية والدستورية القانونية لمؤسسات الحكم ومحاربة الفساد. وبدون ذلك سيظل الشرخ يتعمق واحتمالات الصدام المجتمعي قائمة.
ونحن لسنا بحاجة لا لأمريكا ولا لبريطانيا لتقول لنا ما علينا أن نعمل لأننا نعلم جيدا ً سبب الخلل وطريقة علاجه.