نابلس - رجب أبو سرية - النجاح الإخباري - كانت مناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين للانتفاضة الفلسطينية الكبرى، مناسبة لأن تحيي حركة حماس ما تسميه ذكرى انطلاقتها، رغم عدم وجود لحظة محددة أعلن فيها مؤسسو الحركة عن تأسيسها، وكانت ذكرى الحركة بدورها مناسبة، لأن يعتلي المنبر الخطابي عدد من قادتها الذين انزووا وقتاً، أراحوا فيه الناس من كلامهم الاستفزازي بخروجه عن المنطق، وإطلاق عقيرتهم بكلام، ليس وقته، بل هو خارج عن سياق العصر والزمن، بادعاءاته غير المدعومة بالأدلة، وبتجاهله حقائق دامغة، لا مجال لإنكارها، هذا على اعتبار أن إحياء ذكرى انطلاقات الفصائل عادة ما تكون بمثابة مراجعة سياسية لمسيرة السنوات التي مضت.
في حقيقة الأمر فإن نهاية العام الميلادي تمثل كل عام فرصة لمراجعة الفصائل الرئيسة الفلسطينية لمسيرتها السياسية والتنظيمية والجماهيرية، حيث تعتبر حماس أن انطلاقتها قد ترافقت مع انطلاقة الانتفاضة الأولى، وبعدها بأيام قليلة كانت ذكرى انطلاقة الجبهة الشعبية، ثم يبدأ العام بانطلاقة فتح، ومن ثم الجبهة الديمقراطية .
هذه المرة لوحظ احتفاء حماس عبر أكثر من مهرجان خطابي، ولوحظ ظهور محمود الزهار الذي لم نسمع به منذ وقت، فالرجل لا يظهر حين يكثر الحديث عن المصالحة وإنهاء الانقسام، وهو أصلاً معروف بأنه شخصية لا تطيق «م.ت.ف»، لذا كان دائماً من أكثر قيادات حماس الداعمة للانقسام، ولم يشذ هذه المرة أيضاً عن سياقه وقناعاته، فقد تضمنت كلمته إعادة القول إن حماس دخلت السلطة، في إشارة لمشاركتها في انتخابات المجلس التشريعي العام 2006، لتصحيح مسار السلطة وإصلاحها، حيث كان يعم الفساد والتعاون الأمني على حد وصفه، وبعد أن تفاخر بمسيرة حماس الحافلة بالنجاحات والإنجازات، مدعياً أنها أقامت أنجح حكومة في التاريخ، قال إن حماس مستعدة لإقامة الدولة الفلسطينية على أي شبر من أرض فلسطين.
لم يتطرق الزهار بالطبع، إلى أن حماس أولاً قد تأخرت في محاربة الاحتلال الإسرائيلي، ليس ذلك الجاثم على أرض فلسطين منذ العام 48، بل ذلك القائم منذ العام 67، وبين 67 والعام 87 هناك عشرون عاماً، لم تظهر فيها الحركة التي خرجت من رحم الإخوان المسلمين في فلسطين، الموجودين قبل ذلك بسنين طويلة، حيث كانت «م.ت.ف» تقاتل إسرائيل في العديد من الجبهات وصولاً للانتفاضة، التي التحقت بها حماس بعد أن اندلعت، وأصرت على عدم الانخراط في قيادتها الوطنية الموحدة.
ولم يتطرق الزهار الذي ما زال يوصف بأنه عضو المكتب السياسي لحركة حماس، إلى أمرين في منتهى الأهمية، أولهما، هو عجز الحركة عن التوافق مع الكل الوطني، خاصة الشقيق الوطني «فتح»، في السلطة، رغم أن «فتح» ورئيسها قد فتحا لها أبواب السلطة واسعة بمنحها تشكيل الحكومة العاشرة، وكان عام وحيد فقط كافياً حتى تنقلب حماس على الشراكة السلطوية، بقوة السلاح، وتتفرد بحكم غزة مفضلة إياه على الشراكة في قيادة الكل الوطني، كذلك لم يتطرق بالطبع للإجابة عن السؤال الذي مفاده، لماذا دخلت حماس السلطة، وفق شروط أوسلو، ولم تدخل «م.ت.ف» الفلسطينية بشروط ميثاقها الوطني حتى اللحظة، وإذا كانت دخلت السلطة بهدف تصحيح مسارها، فلماذا لا تفعل الأمر ذاته مع منظمة التحرير الفلسطينية، أم أنها فقط تشارك في ما تعتقده مغانم السلطة، ولا تشارك في مغارم الكفاح الوطني، خاصة حين يكون الحديث يجري عن جبهة متحدة، يمثلها إطار «م.ت.ف».
ثاني الأمرين المهمين، هو حكم مستمر منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً، تقوده حماس لقطاع غزة، بشكل منفرد وانقسامي، لم تجر خلاله الويلات للمشروع الوطني وحسب، بإضعاف قدرة الكل الوطني على المقاومة السياسية للمخطط الإسرائيلي المتمثل بتهويد الضفة الغربية، بل التسبب في حصار غزة وجر ثلاث حروب مدمرة عليها، وتوزيع الفقر الشديد على مليوني فلسطيني، في البقعة التي يفترض بأنها قد تحررت من نير الاحتلال قبل أن تعتلي «حماس» سدة الحكم.
عن بعد وبالتزامن مع خطاب الزهار كان خالد مشعل يؤكد هو أيضاً مقولة أن حماس قد دخلت السلطة لتغير قواعد اللعبة حسب وصفه، بالمقابل كان لقاء نائب رئيس الحركة الحالي صالح العاروري مع الموقع الرسمي للحركة أكثر توازناً فهو طالب بتعديل وتصحيح الخلل حسب وصفه في القيادة وتمثيل الشعب الفلسطيني.
يبدو أن مناسبة ذكرى حماس كانت فرصة لاستعراض العضلات الانتخابية لقادة طامحين بقيادة الحركة بقدر طموحهم للجلوس على عرش السلطة الفلسطينية، قبل إجراء انتخابات داخلية مرتقبة، لكن الملاحظ أيضاً، أن هذه الخطب تأتي بعد نتائج الانتخابات الأميركية، وعشية تغيير ساكن البيت الأبيض، حيث من المتوقع أن تتغير السياسة الأميركية تجاه الملف الفلسطيني.
وأغلب التقدير أن مفاوضات ما ستُجرى حول هذا الملف، لذا فإن حماس فيما يبدو تريد أن تشارك في هذه المفاوضات، لأنها تدرك أنها قد تكون الأخيرة، فبايدن من المؤكد أن يكون قد اقتنع بأن خطأ سلفه باراك أوباما كان عدم إغلاق هذا الملف الذي تركه مفتوحاً لدونالد ترامب يعبث به أيما عبث، لذا فإن إعلان الزهار استعداد الحركة لإعلان الدولة على أي شبر من فلسطين هو أمر بالغ الخطورة والأهمية، فهو يقدم طرفاً فلسطينياً متوافقاً مع سياق إقليمي عام، يمثل التطبيع الذي أقدم عليه، محاولة لإخراج الضفة الغربية من الحل النهائي.
إن وجود حركة حماس في غزة، وسلطة فتح في الضفة، كحكومتين منفصلتين، قد كرس انقساماً سياسياً للملف الفلسطيني، من المؤكد أن يلقي بظلاله على طاولة التفاوض حين تنعقد، بحيث يكون عنوان ملف غزة الحصار وعنوان ملف الضفة الاحتلال، وهذا يقود لحل منفصل أولاً لجناحي الوطن، وثانياً، سيظهر الأمر في غاية الخطورة، لو أن أحداً من حماس - الزهار مثلاً - قد تجرأ بعد همس من الطرف الآخر على إعلان دولة غزة، بحجة أنها محررة خاصة أن حماس طوال السنين تطالب فقط بفك الحصار، حينها ستظهر منتصرة، فيما سلطة فتح المعنية بتحرير الضفة، التي هي ليست من ضمن اهتمام حماس، ستظهر فاشلة، بسبب استراتيجية التفاوض على طريق أوسلو!
نقلاً عن :جريدة الأيام