ناجي شراب - النجاح الإخباري - المفاوضات هي القاسم المشترك بين الولايات المتحدة وإيران. لكن التساؤل الذي يطرح هو: أي مفاوضات؟ وماذا يريد كل طرف منها؟ وهل ستقتصر المفاوضات على أميركا وإيران فقط؟ وما هو دور الدول الأخرى؟
تساؤلات كثيرة تنتظر أي عملية تفاوضية جديدة، ولن تكون مجرد لقاء بالعودة للاتفاق النووي السابق ورفع العقوبات وإغلاق الملف. هذه مجرد أضغاث أحلام سياسية.
لنبدأ بالموقف الأميركي وهو الفاعل الرئيسي الذي بيده مفتاح الملف بكامله. إدارة الرئيس ترامب لم تنف الحاجة للتفاوض، لكنها كانت أكثر وضوحاً وقوة في التعامل مع الملف بدءاً بالانسحاب منه في مايو 2018، وما تبع ذلك من ممارسة أقصى العقوبات بهدف عودة إيران لطاولة التفاوض كما تريد. وما يهم هنا أن إدارة ترامب فرضت واقعاً سياسياً على إدارة بايدن، فلا يمكن تجاهل هذه العقوبات، ولا تجاهل تأثيرها. ولن يختلف الموقف الأميركي في عموميته في التعامل مع هذا الملف الذى يحظى بأولوية قصوى في المرحلة القادمة.
الرئيس المنتخب بايدن وقبل فوزه أعلن أكثر من مرة عزمه العودة للاتفاق ولكن بشروط جديدة. ولعل أهم تصريحاته رفضه أن تتحول إيران إلى دولة نووية، وطالب بتمديد القيود على إنتاجها للمواد الانشطارية ودورها الإقليمي في المنطقة، ومشاركة الدول العربية وخصوصاً الخليجية في أي مفاوضات جديده.وإذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم للاتفاق النووي فإن الولايات المتحدة ستنضم إلى الاتفاق كنقطة انطلاق لمتابعة المفاوضات.
وأضاف أن أي اتفاق «ينبغي أن يشتمل على موضوعات جديدة كالقدرات الصاروخية لإيران ودورها ونفوذها في المنطقة». ومما يلفت الانتباه تصريحاته أن الولايات المتحدة لديها خيار فرض إعادة العقوبات «سناب باك» إذا لزم الأمر، وإيران تعرف ذلك. الجديد في إدارة بايدن أنها أكثر مرونة سياسية في التعامل من إدارة ترامب، وقد تبادر بتقديم مبادرات جزئية وستكون أكثر تنسيقاً مع حلفائها التقليديين وأطراف الاتفاق.
أما إيران وهي الطرف الرئيسي الثاني، فلا شك هي في موقف أكثر ضعفاً بسبب العقوبات المفروضة، ومعالم الضعف كثيرة اقتصادياً ومجتمعياً، وفي ضعف العملة الإيرانية، وهى تدرك ذلك، ولذك لا تريد أن تذهب للتفاوض وتبدو ضعيفة، ولذلك تتبنى «اسراتيجية الصبر» التي مارستها مع إدارة ترامب. ويبدو ذلك في أكثر من تصريح لقيادتها أبرزها تصريح جواد ظريف وزير الخارجية بأن إيران على «استعداد للعودة للتفاوض بمجرد أن ترفع عنها العقوبات، وستعود إيران لالتزاماتها بموجب الاتفاق الموقع». أما الرئيس روحاني فقد أكد أن القرار «يتوقف على الإدارة الأمريكية الجديدة بالعودة واحترام القواعد، وأن التحول الآن في الانتقال من إدارة تهدد إلى إدارة الفرصة»، وهنا إيران تلقي بكرة التفاوض على الإدارة الأمريكية الجديدة.
إيران رفضت دعوة الرئيس ترامب بالعودة للتفاوض، واعتبرت ذلك استسلاماً وتنازلاً كاملاً، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك باستئناف الأنشطة النووية، والتوسع في برنامج الصواريخ البالستية. ولكنها في الوقت ذاته لم تذهب بعيداً في ردود فعلها في أعقاب اغتيال قائد الحرس الثوري قاسم سليماني، وأخيراً العالم النووي محسن زادة والتزمت سياسات الانتظار والصبر الاستراتيجي وعدم الذهاب للمواجهة الشاملة لأنها تدرك مسبقاً أنه خيار مدمر، وهذا ما دفع بعض المحللين والخبراء لترجيح إمكانية العودة للتفاوض مع الإدارة الأمريكية الجديدة. وما يؤكد هذا الموقف تصريحات بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي وعدم غلق الأبواب.
ولا شك أن ما يدعم موقف إيران وتبني استراتيجية التصلب التفاوضي اعتقادها أن بيدها أوراقاً كثيرة أكثر من ذي قبل، فداخلياً زيادة درجة التوافق والتنسيق بين أجهزة الدولة الحاكمة كالحرس الثوري والجهاز الدبلوماسي. ونجاحها في التعامل مع العقوبات الأمريكية التي فشلت في الوصول إلى صفر إنتاج نفطياً. وشبكة العلاقات الاستراتيجية التي نجحت في خلقها مع الصين ومعاهدة التحالف الاستراتيجي معها لخمسة وعشرين عاماً، والعلاقات مع روسيا، وعلاقاتها بالعديد من الدول المجارة، وقوة تأثيرها في التحكم بعدد من الجماعات المتشددة في العراق ولبنان وقطاع غزة. ولعل ما يدعم الموقف الإيراني أيضا والمراهنة عليه أنه في الفترة من 2002 إلى 2015 كانت الصين وروسيا رافضتين لكل القرارات التي تبنتها الولايات المتحده لفرض عقوبات وقيود على أنشطة إيران النووية. أضف إلى ذلك قناعة إيران بأن الولايات المتحدة لم تعد لها نفس القدرة على التحكم في القرار العالمي. ويبقى الموقف الأوروبي الداعم للتفاوض وممارسة دور المسهل والملين للمفاوضات بتقديم حوافز مشجعة.
وأخيراً تشكل المفاوضات المخرج الوحيد لكل من أميركا وإيران باستبعاد خيار الحرب والمواجهة، واستراتيجية حفظ ماء الوجه لكل منهما.
*استاذ علوم سياسية - غزة