راسم عبيدات - النجاح الإخباري - واضح بان حكومة الاحتلال تريد ان تستثمر الى أقصى حد ممكن في الفترة المتبقية للإدارة الأمريكية الراحلة بقيادة ترامب، فما توفر لها في ظل الإدارة الحالية قد لا يكون ممكنا في ظل الإدارة الأمريكية القادمة، لجهة فرض حقائق ووقائع جديدة على الأرض فلسطينياً، حيث شهدنا تصعيداً غير مسبوق في الإعلان عن مشاريع ومخططات استيطانية في القدس وباقي الضفة الغربية، واعطيت فترات الاعتراض عليها لفترة تنتهي قبل انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي ترامب مثل مشروع ما يسمى مركز القدس شرق والمستهدف تحديد الوضعية التنظيمية للمباني والعقارات والشوارع والأرض الفارغة في مركز المدينة.
والهدف تقييد حركة البناء في القسم الشرقي من المدينة، وشطب شارع صلاح الدين من ذاكرة الأجيال القادمة، في هدف سياسي واضح، فصلاح الدين الأيوبي، هو من حرر القدس من الصليبيين، ولذلك سيجري العمل على تغيير اسمه الى شارع ترامب مكافأة له على الخدمات التي قدمها لنتنياهو واليمين المتطرف من صفقة القرن والمتضمنة نقل السفارة الأمريكية من تل ابيب الى القدس والإعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال وشرعنة ضم الضفة الغربية والتطبيع العربي الرسمي العلني وشرعنة وجود إسرائيل واحتلالها للأرض الفلسطينية، وكذلك العمل على تحويله لشارع للمشاة، والهدف الأكبر من ذلك هو تغيير كل المعالم والتاريخ والهوية للمدينة العربية – الإسلامية لكي يبدو المشهد الكلي يهودياً عبرانياً تلمودياً.
وقد منح السكان واصحاب المصالح والمحال التجارية فترة حتى 23 /12/2020 للإعتراض على هذا المشروع الضخم والذي يحتاج الى خبراء ومهندسين ولفترة أطول للإعتراض عليه،وكذلك جرى الإعلان عن طرح وايداع مشروع استيطاني جديد في منطقة بيت صفافا على أراضي خربة طباليا وعلى أرض مساحتها 170 دونماً، وقد اعتبرت تلك المستوطنة والمستوطنة المنوي اقامتها فيما يسمى بالمنطقة (E1 ) شرق مدينة القدس من المستوطنات الخطرة جداً والتي تعتبر إقامتها تشكل تهديد جدي و"قبر" لما يسمى بحل الدولتين فالإدارة الأمريكية في عهد اوباما ومن ثم المستشارة الألمانية ميركل ضغطا على رئيس الوزراء الإسرائيلي ومنعتا إقامة تلك المستوطنة.
هذه المستوطنة المكونة من 1257 وحدة استيطانية ،تستكمل حصار بلدة بيت صفافا بالمستوطنات من الجهات الأربعة وتعزل مدينة القدس عن مدينة بيت لحم بشكل كلي،وقد حدد تاريخ الإعتراض على ذلك المشروع الإستيطاني حتى 18/1/2021 ، قبل انتهاء ولاية الإدارة الأمريكية الحالية بيومين.
ولم تكتف حكومة الاحتلال بذلك بل اعلنت عن مشروع لإقامة 108 وحدات استيطانية في مستعمرة " رمات شلومو" المقامة على أراضي شعفاط وبيت حنينا، وكذلك طلبت من الإدارة الأمريكية ان توافق على اقامة مشروع استيطاني ضخم في منطقة عطاروت مكون من (10000) وحدة استيطانية،بما يعزل القدس عن محيطها الفلسطيني جغرافياً وديمغرافياً من الشمال ،أي فصلها عن مدينة رام الله وضواحيها.
حكومة الإحتلال لم تكتف بـ" التسونامي"الإستيطاني في القدس والضفة الغربية، بل وبطلب أمريكي عمدت الى تصعيد عسكري بشن غارات على العاصمة السورية دمشق، وفي خطوة نادرة بثت اشرطة مصورة لعمليات القصف واعلنت مسؤولية دولة الإحتلال عن تلك العملية متذرعة بان ذلك استهدف مواقع للحرس الثوري الإيراني،وأن ذلك يأتي كرد على اكتشاف حقل الغام في هضبة الجولان السوري المحتل، قالت حكومة الإحتلال بان القيادة السورية تتحمل مسؤولية ذلك،وعلى الجبهة اللبنانية قامت بمناورات واطلاق قنابل مضيئة لإختبار رد فعل المقاومة اللبنانية ومدى جهوزيتها.
أما الإدارة الأمريكية الحالية المشاركة في العدوان المباشر على شعبنا الفلسطيني، فهي ستعمل في الفترة المتبقية لها على تقديم المزيد من الهدايا لدولة الإحتلال، لكي تمنع أي فرصة لما يسمى بحل الدولتين،فهي لم تكتف بدعم وشرعنة الإستيطان،فمن بعد ذلك عمدت الى تشريع منتوجات المستوطنات واعتبرتها منتوجات اسرائيلية، واعتبار مقاطعتها معادية للسامية، وقام وزير خارجيتها بومبيو الخميس الماضي بزيارة استفزازية ووقحة الى مصنع النبيذ في مستوطنة "بساغوت" قرب رام الله والمقامة على 200 دونم من أراضي فلسطينية خاصة، وهذه الزيارة الى مستعمرة "بساغوت" وهضبة الجولان السورية المحتلة التي اعلنت دولة الاحتلال في عام 1981 عن ضمها بشكل لا شرعي تشكل تحديا سافرا وخروجا صارخا على كل قرارات الشرعية الدولية، ومشاركة مباشرة في العدوان على شعبنا وأمتنا إلى جانب دولة الاحتلال ،وإحلال لعلاقات البلطجة والقوة في العلاقات بين الدول بدل علاقات الشرعية الدولية.
وكذلك عمدت الإدارة الأمريكية الى وضع العصي في الدواليب لكي تمنع الإدارة الأمريكية من العودة الى الإتفاق النووي مع طهران بفرض المزيد من العقوبات على كيانات وأفراد مرتبطة بطهران،ووجهت اتهامات لطهران بالعلاقة مع منظمة "القاعدة" الإرهابية، حيث جرى فبركة رواية قتل "الموساد" الإسرائيلي للرجل الثاني في القاعدة في طهران أبو محمد المصري بأوامر امريكية في تحريض لتوجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني وأسلحة إيران الاستراتيجية... والإدارة الأمريكية حرصت قبل المغادرة ان تُرسم التطبيع بين اسرائيل والدول العربية المطبعة، حيث عقدت قمة ـ أمريكية- اسرائيلية بحرينية في تل أبيب، تمخض عنها الاتفاق على إقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفراء وافتتاح سفارات والبدء بالتأشيرة الألكترونية من العام القادم، عدا الاتفاقيات التجارية والإقتصادية والاتفاقيات في مجالات العلوم والصحة والزراعة والرحلات الجوية والتجارية، واوكلت الى مملكة البحرين مهمة رعاية مفاوضات اسرائيلية - فلسطينية في المنامة.
النظام الرسمي العربي المنهار واصل مسلسل تطبيعه وتحالفه الأمني والعسكري الاستراتيجي مع دولة الاحتلال ضد ايران ومحورها في المنطقة، وعقدت الأربعاء الماضي قمة ثلاثية في ابو ظبي بدعوة من ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد ، ضمت بالإضافة له العاهل الأردني عبدالله الثاني وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة
ووصل الفجور التطبيعي العربي الرسمي حد تصويت دولة السودان في الجمعية العامة للأمم المتحدة لجانب دولة الاحتلال في مشروع ما يسمى الإبتكار.
اما في الشأن الفلسطيني، والذي كان الجميع الفلسطيني يراهن بان قضايا المصالحة الفلسطينية وانهاء الانقسام وإستعادة الوحدة الوطنية وتجديد شرعية النظام السياسي الفلسطيني عبر الإنتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني باتت قريبة، فقد جرى التحلل من الاتفاقيات مع دولة الاحتلال وامريكا في 19/5/2012 ، ومن بعد ذلك جرى لقاء الأمناء العامين في اوائل أيلول الماضي في بيروت ورام الله واستتبع ذلك حوارات فتح وحماس في اسطنبول وحوارات فتح مع الفصائل الفلسطينية في دمشق وحوارات فتح وحماس في القاهرة، ولينقلب كل هذا التفاؤل الى حالة غير مسبوقة من فقدان الثقة وعلامات استفهام كبيرة حول إتمام المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية، حيث أقدمت السلطة على إعادة التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال والعلاقات معه الى ما قبل 19/5/2020 وبعد يومين من اعلان رئيس وزراء الاحتلال عن مخطط لمشروع إستيطاني بإقامة 1257 وحدة استيطانية على أراضي خربة طباليا في بيت صفافا، بما يقطع أوصال البلدة، وبما يعزل القدس كلياً عن مدينة بيت لحم.
هذا القرار الذي وصف من قبل قيادة السلطة بالإنجاز الكبير والانتصار والذي استتبع بقرار آخر بعودة سفيريها الى دولتي الإمارات العربية والبحرين واللذين تم استدعاؤهما للتشاور في 13/أب و11 أيلول احتجاجاً على تطبيعهما للعلاقات مع دولة الإحتلال ،شكلا ضربة قاصمة لجهود المصالحة واعتبرا من قبل أغلب الفصائل الفلسطينية ، إن لم يكن جميعها بأنه تنكر لقرارات المجلسين المركزي والوطني ومخرجات مؤتمر بيروت وحوارات اسطنبول ودمشق والقاهرة ووثيقة الوفاق الوطني 2009 ، وان هذا السلوك لا يعكس أي توجه جدي لشراكة وطنية حقيقية وبناء رؤيا واستراتيجية فلسطينيتين جديدتين على اساس سياسي مغاير لاتفاقيات اوسلو، وبأن ما جرى شكل استهتارا بالكل الفلسطيني، وتنكرا لقرارات المجلسين المركزي والوطني.
مثل هذه القرارات تشكل غطاءً للمحتل لكي يستمر في مشاريعه ومخططاته الاستيطانية بالضم والتهويد واستمرار نهج القمع والتنكيل بحق شعبنا الفلسطيني، وكذلك هذا يشجع دول النظام الرسمي العربي المطبعة على استمرار وتوسيع تطبيعها المجاني مع دولة الاحتلال على حساب شعبنا وحقوقنا وقضيتنا، وكذلك هذا السلوك والنهج يجعل الدول المترددة في التطبيع تتقدم نحو تطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال.
نحن امام متغيرات كبرى تجري في المنطقة والإقليم والعالم، واذا لم ننجح في تحشيد وتجميع قوانا واستعادة وحدتنا الوطنية ورسم رؤيا واستراتيجية موحدتين وجديدتين على أساس برنامج سياسي متفق عليه وشراكة وطنية حقيقة في القيادة والقرار، وبما يجعلنا نتجاوز رهن حقوقنا للتغيرات في الإدارات الأمريكية والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وعدم العودة لتجريب المجرب، فنحن سنكون امام كوارث حقيقية، وخاصة في ظل ما أقدمت عليه قيادة السلطة بالعودة للتنسيق الأمني مع دولة الاحتلال وعبر رسالة من مسؤول الإدارة المدنية الإسرائيلية الجنرال كميل ابو ركن دون التزام واضح بوقف الإستيطان والضم.
هذا القرار قد يطيح بكل فرص انهاء الإنقسام واستعادة الوحدة الوطنية.