جيمس زغبي - النجاح الإخباري - الحقيقة أن الانتخابات انتهت وفاز جو بايدن. وتوثق هذا عبر عددٍ من الولايات يكفي لجعل النتيجة غير قابلة للتغيير. لكن الانتقال لن يمضي بسلاسة لأن الرئيس دونالد ترامب يضع عراقيل في طريق الرئيس المنتخب. وكان من المتوقع أن تمارس حملة ترامب بعض الألاعيب كي تطعن في نتيجة هذه الانتخابات. والرئيس ترامب نفسه سيجد من الصعب قبول خسارته بالفعل. لكن ما لا نستطيع توقعه هو مدى مكر عمليات الطعن التي سيتبعها فريق ترامب.
والواقع أن حملة ترامب تقدمت بعشرات الدعاوى القضائية التي تدعي وجود أصوات مزورة وأخطاء في الإحصاء وإجراءات غير ملائمة في فرز الأصوات. ومعظم هذه الادعاءات رُفضت بسرعة في المحاكم الاتحادية، ومحاكم الولايات. وبعضها رُفض بسبب سوء الإعداد، بينما رفض البعض الآخر لأنه افتقر إلى أي دليل على مخالفة. وأمام القضاء، وجد محامو حملة ترامب صعوبة في شرح أو حتى فهم الأسس القانونية ذاتها التي أدعوا استنادهم عليها كمسوغ لحججهم. وكان أداء المحامي الرئيسي في هذه الدعاوى، رئيس بلدية نيويورك السابق، رودي جولياني، سيئاً أمام القضاء وغير متسق. وإفادات جولياني الصحفية كانت متهافتة. ومن المحزن أن يشاهد المرء جولياني الذي اكتسب ذات يوم سمعة المحامي العنيد الذي نجح في التصدي للجريمة المنظمة وهو يتهاوى في نظر الجمهور.
ومع تسلسل هذه الأحداث، لم يظهر الرئيس إلا في مناسبة عامة واحدة دعا إليها ليعلن التقدم العظيم الذي حققته إدارته لإلحاق الهزيمة بما دأب على الإشارة إليه باسم «فيروس الصين». ولم يخف على أحد أنه أصدر هذا البيان في الوقت الذي بلغ متوسط الإصابات الجديدة يومياً في الولايات المتحدة بمرض كوفيد-19 أكثر من 120 ألفاً. كما لم يخف على أحد مزاعمه الباطلة بشأن ادعائه الفضل في اكتشاف لقاح لم تساهم إدارته فيه بدور. وتصريحات ترامب العامة عن الانتخابات اقتصرت على الوابل اليومي من التغريدات التي زعمت أن الانتخابات شابها التزوير والترويج لنظريات مؤامرة غريبة والتمسك بأنه فاز في الواقع «بفارق كبير»، وبالتالي لن يسلم بالهزيمة.
وفي الوقت نفسه، اتبع السيد ترامب بعض التصرفات المشكوك فيها مثل دعوته مسؤولي الانتخابات «الجمهوريين»، الذين أقروا التصويت في صالح بايدن وحثهم على سحب إقرارهم. ودعا ترامب المشرعين «الجمهوريين» في الولايات إلى تعيين مجموعة من أعضاء المجمع الانتخابي، الذين يعارضون آمال الناخبين في ولاياتهم، وأن يدلي هؤلاء المعينون بأصواتهم له في اجتماع المجمع الانتخابي في ديسمبر للتصديق رسمياً على انتخاب الرئيس.
ولأن ترامب لن يُسلم ويُصر على التشبث بأنه سيُعلن أنه الفائز، رفض السماح بالعمليات الطبيعية للانتقال. فلم يسمح بالإفراج عن الأموال، التي كان يجب أن يتلقاها مكتب بايدن الانتقالي لتغطية نفقات إعداد حكومته المنتظرة. ولم يسمح أيضاً لفرق بايدن بإمكانية الدخول إلى المكاتب الحكومية للعمل إلى جانب نظرائهم من إدارة ترامب، وتلقي إفادات حتى يتم الانتقال بسلاسة في يوم التنصيب. وهناك أيضاً تقارير موثوقة تشير إلى أن أنصار ترامب يعكفون على تدمير ملفات المراسلات وأوراق رئاسية أخرى يتعين الحفاظ عليها بحكم القانون. وهذا الإجراء الأخير يكشف في جانب منه أن العناصر الفاعلة المحيطة بترامب يرون ما هو واضح للعيان، ويدركون أنه لن يكون هناك فترة ولاية ثانية لترامب رغم التغريدات وآلاعيب المحامين.
والمؤشرات الأخرى على هذا الواقع هي المناورات التي اتخذها الرئيس في الآونة الأخيرة على الجبهتين الداخلية والخارجية. ومن ضمن هذه المناورات إعلانه السريع عن سحب القوات من أفغانستان والعراق والصومال. ومثل هذا إعلان وزير الخارجية مايك بومبيو بإضفاء مشروعية على المستوطنات الإسرائيلية وبأن مقاطعة إسرائيل معاداة للسامية. وفي الداخل، يستعد البيت الأبيض لاتخاذ إجراءات في الهجرة والرعاية الصحية واختيار المدرسة وفتح محمية للحياة البرية في آلاسكا أمام عقود التنقيب عن النفط.
والأكثر خطورة من هذه العراقيل هو الضرر الذي تلحقه آلاعيب ترامب بالثقة في نظام حكمنا. فقد أظهر استطلاع رأي في الآونة الأخيرة أن ثلاثة أرباع الناخبين تقريباً يعتقدون أن هذه الانتخابات شابتها عيوب كثيرة. ويعتقدون أن ترامب هو الفائز وأن بايدن ليس منتخبا بشكل مشروع. ومع وجود غالبية كبيرة من أعضاء مجلس الشيوخ وحكام الولايات «الجمهوريين» وزعماء آخرين من الحزب «الجمهوري» يرددون هذا الكلام، مخافة إقصاء القاعدة الموالية لترامب، لا يمكننا توقع أن يعمل «الجمهوريون» في مجلسي النواب والشيوخ بالكونجرس بشكل بناء مع نظرائهم «الديمقراطيين». فلقد أصبحنا بلداً أشد انقساماً من أي وقت منذ الحرب الأهلية. كان لدينا خلافات في النهج السياسي، لكننا لم نكن نختلف من قبل قط على الحقيقة. صحيح أن بايدن حصل على ما يقرب من 80 مليون صوت لكن مع وجود غالبية عظمى من بين أكثر من 73 مليون أميركي أدلوا بأصواتهم لترامب غير مستعدين لقبول النتيجة أو مشروعية الرئيس المنتحب، فإننا أمام عملية صعبة للانتقال.
رئيس المعهد العربي الأميركي