طلال عوكل - النجاح الإخباري - على طريق «الربيع العربي»، الذي لعبت الولايات المتحدة، في ساحته، وأطرافه، وجغرافيته، ومجتمعاته، لتحقيق هدف إعادة بناء الشرق الأوسط وفق استراتيجياتها ومصالحها، وتعميق هيمنتها عليه، يبدو أن الدولة الأعظم حتى الآن، تسير على خطى ذلك «الربيع».
إثارة التناقضات من كل الأنواع، واختلاق الأحداث، والتحريض على العنف والكراهية، وإثارة وحش العنصرية، وإرسال المرتزقة وتزويدهم بكل أنواع السلاح الى مناطق الصراع، هذا ما دأبت عليه السياسة الأميركية منذ بداية «الربيع العربي» نهاية العام 2010.
لا يعني ذلك أن النظام العربي الرسمي والمجتمعات العربية، كانت في افضل أحوالها، او أنها في غنى عن ضرورات التغيير الجذري، لكن التدخل الأميركي أساسا فتح الأبواب على عملية تدمير شاملة وليس على عملية تغيير لصالح المجتمعات العربية.
قد يقال إن مثل هذا الاستنتاج، ليس اكثر من إسقاط لرغبات ذاتية، ولا أنكر أنني مثل كثيرين، يتمنون انهيار امبراطورية الشر هذه، وان الأمر يحتاج الى قراءات عميقة ذات أبعاد عالمية وتقديم مؤشرات رقمية، حتى يكون الاستنتاج موضوعيا ومقنعا.
هذا صحيح، لكننا فعلنا ذلك مثل آخرين، إنما الآن فإن الأمر يتصل بقراءة للمشهد الداخلي الأميركي، الذي تقدمه الانتخابات الرئاسية في الدولة التي تدعي الحرص على الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
اعترف انني لست متخصصا في الشؤون الأميركية الداخلية على كل تعقيداتها، وان ثمة من يملكون من المعرفة العميقة ما يتطلب منهم الإسهام في هذا الجهد، الذي لا تتوقف نتائجه على الولايات المتحدة، بحد ذاتها، لأن التغيير في هذا البلد، لا شك يعكس نفسه بقوة، على النظام العالمي بكل تفاصيله، ودقائقه.
سياسة الغاب تتجلى بأوقح صورها، في حالة الصراع المحموم بين الجمهوريين والديمقراطيين، وتقدم نموذجاً غير مسبوق في تاريخ الانتخابات الأميركية. الاستقطاب شديد بين الطرفين، تتخلله عمليات تحريض وشحن، تجعل عملية السباق على البيت الأبيض، تتخذ طابعاً شخصياً أكثر مما هي تنافس برامج ومصالح. قبل الانتخابات استدعى الرئيس ترامب كل مفردات التحريض على المهاجرين، والسود، والملونين، وفتح الباب على مصراعيه لاقتناء السلاح، حيث ارتفعت مبيعاته الى أكثر من مئة في المئة مقارنة بالسنة المنصرمة.
ترامب الذي يستند في قاعدته الاجتماعية على الإنجيليين، رفع منسوب التطرف، ورفض الآخر إلى مستوى الاستعداد للقتل لأبسط الأسباب.
للمرة الأولى التي اعرف فيها وربما آخرون لا يعرفون، أن ثمة مئات الميليشيات المسلحة المصرح بها موجودة في عديد الولايات الأميركية. في استطلاع للرأي مؤخراً توقع 22% من الجمهوريين إحداث عنف في حال خسر ترامب السباق، كما أن 16% من الديمقراطيين يتوقعون ذلك.
وسائل الإعلام الفاعلة منقسمة هي الأخرى، وتخوض حالة الصراع، والأغلبية منها، تناهض ترامب، حتى أن «تويتر»، وضع إشارة تحذير على تغريدة لترامب يعلن فيها فوزه في الانتخابات.
لم يحصل أن يعلن مرشح للرئاسة، فوزه في الانتخابات قبل الانتهاء من فرز الأصوات في خمس ولايات متأرجحة، ولكنه لا يصدق نفسه حين يقول إنه سيذهب إلى المحكمة العليا، التي غيرها مؤخراً لصالحه، حتى توقف عد الأصوات، التي لم تنته من مرحلة الإحصاء.
ترامب يتهم الديمقراطيين سلفاً وقبل أن تظهر النتائج النهائية بأنهم يسرقون فوزه، وأنه لن يسمح لهم بذلك.
ألا يذكرنا ذلك بمشاهد الانتخابات التي تجري في الدول المتخلفة، خصوصاً حين تظهر مواكب سيارات قبيلة ترامب، وهي تهب لنجدة ودعم، المرشح ترامب، والمشهد يقول إنهم ذاهبون إلى ساحة قتال؟
هل هي مؤشرات حرب أهلية، أم اندلاع الفوضى، وسقوط الضحايا ولذلك يعلن «البنتاغون» استعداده، للتدخل، ام انها مجرد ظاهرة عابرة تنتهي بمجرد الإعلان عن النتائج. وزير الدفاع الألماني يقول، إن الوضع في الولايات المتحدة قابل للانفجار وقد يؤدي إلى أزمة دستورية.
السيناريوهات المتحققة في المشهد الانتخابي تؤكد ما كان قيل عن أن ترامب لن يسلم بنتائج الانتخابات، في حال خسارته وانه سيدوّخ الناس بالمحاكم، ويحاول الانقلاب على النتائج، بما لا يستبعد اندلاع العنف في الشوارع.
نعم، أميركا على مفترق طرق تاريخي، كما يقول ترامب بعظمة لسانه، فإما أن يفوز هو ويواصل سياسته الاستعمارية، ويواصل شن الحروب على كل العالم بما في ذلك حلفاؤه التاريخيون وأما بايدن التقليدي الذي يعلن انه سيعمل على استعادة أميركا واستعادة الديمقراطية.
أميركا في الحالتين هي أميركا التي يعرفها العالم بعدوانيتها، وطابعها الاستعماري المتوحش، ولكن الفرق بين المرشحين، هو في آليات تحقيق ذلك.
سيقول البعض، إن أميركا دولة مؤسسات، وان الرئيس هو مجرد الموظف الأول في النظام السياسي، ولكن الفارق بين تجربة ترامب وتجارب بايدن أو باراك اوباما، تقول غير ذلك، حيث يمتلك الرئيس سلطات كبيرة وان المؤسسات التي تتخذ القرارات تتغير وفق منهج الرئيس.
في حين يشن ترامب الحرب على العالم، وبما في ذلك على ما خلفه الرئيس السابق باراك اوباما في الساحة الداخلية، فإن بايدن يميل الى السياسة التقليدية للتعامل مع الأزمات الخارجية، والأمر لا يتعلق، فقط بالصراع العربي الصهيوني ومسارات التسوية وأسسها.
محزن الوضع العربي، الذي يسلم قراره وإرادته، ومصالحه واستقلاله لرئيس أهوج، مدع، لا يتورع عن توجيه الإهانة تلو الأخرى للموالين له، وللضعفاء.
لم يمض وقت طويل على وعوده للسودان لتشجيعه على تطبيع علاقاته مع إسرائيل، حتى جدد قرار استمرار العقوبات المفروضة على السودان لمدة عام، بينما لم يرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب الأميركية.
كيف ستتصرف دول التطبيع العربي، إذا آلت الأمور لصالح بايدن، الذي يعلن رفضه لصفقة القرن، ويرفض بيع طائرات (اف 35) لبعض الدول العربية؟
استطلاعات الرأي تشير إلى أن أغلبية العرب يفضلون بايدن ولكن النظام العربي الرسمي منقسم، إذ إن من خضعوا لترامب سيفضلونه على بايدن.
يهمل هؤلاء كل هؤلاء، أنه لا مكان للضعفاء ولا مكان لمن يفرطون بحقوقهم وكراماتهم، في هذا العالم المحكوم لسياسة الغاب.
وأخيراً أليس ما يجري وما هو متوقع لأميركا يشبه إلى حد كبير ما يجري وما يمكن أن يجري في إسرائيل؟ لم تظهر النتائج بعد حتى تقول «يديعوت أحرونوت»، يجب على إسرائيل أن تحذر من أن مصيرها مماثل.
نقلا عن صحيفة القدس