محمد خروب - النجاح الإخباري - أميركا التي تعرفونها لن تتغيّر كثيراً, خصوصاً بعد بدء النتائج الأولية في الظهور.. ظهر امسء, ليس لأن هوية الرئيس الجديد (أو المُجدَّد له) لن تُعرَف حتى أسابيع مُقبلة, بعد أن صوّت أكثر من 95 مليون أميركي مبكراً عبر البريد، بل وأيضاً لأن رموز ومؤسسات الامبراطورية الأميركية «العميقة» لم يلحقها أي تغيير جوهري خلال سنوات ترامب الأربع, وقبلها خصوصاً سنوات أول أميركي من أصول إفريقية جيء به إلى البيت الأبيض, للإيحاء زوراً بأن الديمقراطية الأميركية باقية وتتمدّد، ما يُحيل فقط الى أن حال الاستقطاب الحاد التي كرَّستها سنوات ترامب العجاف, وما مثّله من فظاظة وجهل وعدوانية وازدراء لقيم المُواطنة وحقوق الإنسان الأميركي (غير الابيض بالتأكيد), والمقصود «الثلاثي..الأسود واللاتيني والمُسلِم».
لن تتواصَل حال الاستقطاب بالدرجة التي كانت عليها في زمن تارمب (إن سَقطَ) والدليل الأبرز هو حال الأميركيين من أصول إفريقية الذين استبشروا خيراً بالمُرشح الديمقراطي باراك حسين أوباما, عندما ذهبوا للتصويت له بكثافة لكنهم لم يحصدوا سوى الخيبة والندم, ثم جاء ترامب فلم يختلف الاضطهاد والقمع سوى في «الدرجة» وما غير ذلك اندرَج في إطار البروباغندا الأميركية المعروفة.. أن تكون أصوات ولاية فلوريدا الـ«29» في المجمع الانتخابي الأميركي الـ(538), هي التي ستحسم السباق بين «الفيل» و"الحمار» (شعار الحزب الجمهوري والآخر الديمقراطي) أو حتى ولاية بنسلفانيا ذات الـ20 صوتاً في المجمع العتيد, لن تُبدّد كثيراً مخاوف المجتمع الأميركي من دخول الامبراطورية الأعظم نفقاً (داخلياً) مُظلِماً, يُهدد ضمن أمور اخرى مكانتها ودورها الدولي الطاغي, الآخذ هو الآخر في التراجع على نحو لا يُمكن تجاهل حصوله منذ بداية القرن الجديد, الذي توهّم مفكرون أميركيون استراتيجيون أنه سيكون عصراً أميركيّاً بامتياز, عندما بنوا خزعبلاتهم هذه على «نظرية» تم استيلادها في عجل, تقول: بنهاية التاريخ وتكريس الرأسمالية بنسخها النيوليبرالية الأكثر توحّشاً, نهجاً وحيداً لا فكاك للبشرية منه, بعد «هزيمة» الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفياتي وانهيار منظومة الدول الاشتراكية.
فإذا بهم يصلون مبكراً الى نتيجة كارثية تمثلت في فشل «العولمة» بعد أن ظنّوا أنها كفيلة بمواصلتهم الهيمنة والنهب والاستحواذ على ثروات الشعوب, عبر فتح حدودها وأسواقها للشركات العابرة للقارات ورأس المال المُتدفق بلا حدود أو ضوابط وخصوصاً غموض مصادره ومساراته, فضلاً عن استغلال عمالة الدول الفقيرة وإرسال «خردة» مصانعها الملوثة للبيئة إليها. ناهيك – وهذا أكثر مدعاة لقلق واشنطن – بروز دُول صاعدة باقتصادات واعِدة وبقدرات بشرية وعلمية واقتصادية, قادرة على المنافسة «الشريفة» التي لا تعرفها الدول الإمبريالية قديمها والحديث على حد سواء.
وكانت الصين وروسيا والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل وأخرى في طور البروز والتشكّل, مؤشراً ودليلاً على بداية الأفول الأميركي, ومقدمة لاستيلاد نظام دولي جديد برؤوس مُتعددة, تكون فيه واشنطن.. «واحدة» بين «مُتساويين».
أميركا الان.. مَحكومة بالانقسام والتصدّع, تَتهدّدها الانقسامات العِرقية وأخرى ذات طابع طبقي ومُشكلات إجتماعية وظواهر ثقافية, بدأت بالظهور.. يَصعب كبحها أو الطَمس عليها.
نقلا عن صحيفة القدس