محمد ياغي - النجاح الإخباري - إذا فاز ترامب في الرئاسة الأميركية، وهذا مستبعد، فإن الرجل سيستمر في دعمه اللامحدود لإسرائيل بما في ذلك تشجيعها على القيام بضم أجزاء من الضفة الغربية بشكل رسمي، والاستمرار بمحاصرة الشعب الفلسطيني ماليا، وممارسة سياسة الابتزاز للدول العربية التي لم تطبع علاقاتها إلى اليوم مع إسرائيل للقيام بذلك، وترك الشعب الفلسطيني لإسرائيل لتقرر هي مصيره وحدها.
إذا فاز جوزيف بايدن بالرئاسة الأميركية، وهذا على الأرجح ما سيحدث، فإن بايدن سيعيد العلاقات مع السلطة بما فيها الدعم المالي، وإحياء شعار حل الدولتين، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن والقنصلية الأميركية في القدس الشرقية، ولن يدعم خطة ضم إسرائيل لأراضي الضفة.
لكن بايدن لن يقوم بسحب الاعتراف الأميركي بالقدس كعاصمة لدولة الاحتلال، ولن يقوم بالضغط على إسرائيل لوقف استيطانها، ولن يقوم بالضغط عليها لإجراء أي مفاوضات لها معنى بالنسبة للفلسطينيين.
بايدن أولوياته واضحة وليس منها العمل على إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
لكن إذا نجح بايدن أيضا، فإن الفلسطينيين سيواجهون مشكله إضافية. بايدن سيعمل على إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران وهذا سيدفع الأمور إلى نوع من «الصدام» بين بعض الدول العربية، التي تفضل سياسات ترامب الحالية تجاه إيران، وبين إدارة ترامب.
ولأن إسرائيل معنية باستمرار الضغوط على إيران بحدودها القصوى، فإن بعض الدول العربية ستجد أن من مصلحتها تطوير علاقاتها مع إسرائيل لممارسة الضغوط على «إدارة بايدن» وهذا يعني أن مسار التطبيع الحالي بين الدول العربية وإسرائيل سيستمر ولن يتوقف.
في وضع كهذا ليس هنالك الكثير مما يمكن عمله فلسطينيا لوقف مسار التطبيع أو للضغط على «إدارة بايدن» لإعطاء أولوية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بطريقة تعيد لهذا الشعب أرضه المحتلة منذ العام ١٩٦٧ وتمكنه من بناء دولته عليها.
ما يمكن للفلسطينيين أن يفعلوه هو أن يهتموا بترتيب بيتهم الداخلي لتحقيق ثلاثة أهداف:
أولاً: عدم تمكين الاحتلال والمتحالفين معه من فرض قيادة على «مقاسهم» للشعب الفلسطيني.
ثانياً: تعزيز صمود الشعب الفلسطيني حتى يستمر في مقاومة الضغوط التي تمارس عليه بهدف إخضاعه وفرض حلول غير منصفة له.
ثالثا: تطوير آليات الكفاح الفلسطيني بهدف الانتقال من موقف الدفاع إلى الهجوم وممارسة الضغوط على إسرائيل لفرض حل ينهي الاحتلال ويحقق للفلسطينيين تطلعاتهم الوطنية المشروعة.
هذا يتطلب مجموعة من الخطوات أهمها:
أولاً: إغلاق ملف الانقسام بالاتفاق مع «حماس» على توحيد غزة والضفة. يجب عدم ربط ذلك بالانتخابات لأنها تمر عبر البوابة الإسرائيلية وهي بوابة لها اشتراطات لا تسمح بتوحيد الفلسطينيين.
التوافق، وهنا تحديداً بين حركتي «حماس» و»فتح» هو كلمة السر.
هذا التوافق ممكن إذا ما تم الاتفاق على آليه لتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وضم حركتي «حماس» والجهاد الإسلامي» لها، وتم نقل صلاحيات اتخاذ القرار السياسي من السلطة إلى المنظمة.
هذا التوافق ممكن أيضا إذا ما تم الإقرار بأن سلاح المقاومة في غزة يضيف قوة للشعب الفلسطيني وليس عبئا عليه.
علينا أن نعترف بأن المقاومة في غزة تحرم إسرائيل مما تقوم به في الضفة. غزة ليست مستباحة من قبل الاحتلال كما هو حال المدن الفلسطينية في الضفة وهذا بفضل المقاومة وليس مِنةً من إسرائيل.
المقاومة أيضا عامل ضغط على إسرائيل لتحرير الأسرى ولدفع مشروع التحرر من الاحتلال للأمام. علينا ألا ننسى أن هذه أول مرة يتمكن فيها الشعب الفلسطيني من بناء مقاومة «صلبة» على أرضه وليس خارجها.
التوافق على المنظمة وعلى سلاح المقاومة يكفي لإنهاء الانقسام ويضمن بقاء القرار الوطني في أيدٍ فلسطينية غير تابعة للاحتلال وحلفائه.
الانتخابات لا تضيف جديدا للشعب الفلسطيني حاليا وهي ترهن موضوع إنهاء الانقسام بموافقة إسرائيل على إجرائها. وحتى لو تمت فإن إسرائيل قادرة على إعادة خلط الأوراق الفلسطينية باعتقال من نجحوا في الانتخابات كما فعلت وتفعل إلى يومنا هذا منذ انتخابات العام ٢٠٠٥.
ثانياً: حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من الصمود على أرضه يجب العمل على وضع أولويات جديدة لموازنة السلطة والعمل على تطوير قدرات الاقتصاد الفلسطيني وربما أن أمكن توفير مصادر مالية جديدة له.
في الأولويات يجب عدم تضخيم موازنة الأمن الفلسطيني على حساب القطاعات الأخرى. الشرطة تستحق أولوية لتوفير الأمن للمواطن الفلسطيني. لكن ما تبقى من أجهزة أمنية يجب التعامل معها مثل أي دوائر حكومية أخرى.
وفي الأولويات يجب دعم الصناعات الوطنية لتوفير فرص عمل جديدة للفلسطينيين والاهتمام بالقطاع الزراعي لتوفير أقصى قدر من الاحتياجات الغذائية مما يمكن إنتاجه أو يسمح الاحتلال بإنتاجه والتوقف عن شراء المنتجات الإسرائيلية التي لها بدائل في السوق الفلسطيني. بمعنى التوقف عن إصدار وكالات لإحضارها من إسرائيل.
يمكن إضافة أموال إضافية لخزينة المنظمة بالاتفاق مع الجاليات الفلسطينية في كل دول العالم لتقديم نسبة محددة من دخل أفرادها طواعية للمنظمة بشكل شهري أو سنوي.
أخيراً، لا يمكن النجاح في المعركة ضد الاحتلال بالاستمرار في سياسة الدفاع التي تعتمدها المنظمة منذ العام ٢٠٠٢ على الأقل. يجب الانتقال إلى الهجوم والاستمرار به إلى أن تصبح تكلفة الاحتلال أعلى من الاستمرار به.
العقل الفلسطيني ليس عاجزاً عن ابتكار العديد من وسائل الهجوم ولا أريد الخوض هنا فيما هو ممكن وما هو غير ممكن لأن هذا ليس من حقي، لكن أحد الأشكال غير المستخدمة إلى الآن بشكل فاعل هو الجاليات الفلسطينية في أرجاء العالم.
هذه الجاليات يمكنها خدمة المشروع الوطني بشكل كبير سواء بفضح جرائم الاحتلال، بالدعوة لمقاطعة الاحتلال، بالعمل مع حلفاء الشعب الفلسطيني لمقاطعة إسرائيل والضغط عليها أو بخلق حلفاء جدد له عالميا.
لكي ينجح كل هذا أو حتى يكون ممكناً على الأقل، فإن البداية هي في التوافق الفلسطيني الداخلي.
هذا ما يمكن للرئيس محمود عباس أن يقوم به وأن يتوج به حياته السياسية.
نقلا عن الايام الفلسطينية