النجاح الإخباري - التعليم هو المفتاح الذي يشرّع الأبواب أمام طاقات الشباب في كل مكان، وهو بالنسبة لأطفال اللاجئين مصدر للأمان والاستقرار ويمهد طريقهم نحو مستقبل وافر الفرص. إلا أن المدارس التي تخدم أطفال لاجئي فلسطين تضطر للسعي إلى توفير الفرص في ظل الظروف المعاكسة وتعمل في بعض الحالات على معالجة طبقات متراكمة من الصدمات النفسية.
إن الانتقادات الأخيرة غير المبنية على أي أسس – والتي تظهر في بعض مقالات الرأي – للكتب المستخدمة في المدارس التي تديرها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لا تفعل شيئاً لحماية مواطني إسرائيل، بل تسعى إلى التشكيك في أحد الموارد القليلة المتاحة لأكثر من 526,000 طالب وطالبة من اللاجئين الفلسطينيين – وفي ظل جائحة عالمية تؤثر على مجتمعات اللاجئين بشكل أكبر من الجميع.
يتمتع الطلبة في مدارس الأونروا بأحد أفضل السجلات الأكاديمية وسجلات خدمة المجتمع بين جميع الطلبة في كافة أنحاء الشرق الأوسط. ويؤكد البنك الدولي أن طلبة الأونروا يتفوقون على نظرائهم في نظم التعليم الوطنية بما يعادل سنة دراسية واحدة.
لهذا السبب، كثيراً ما يسجل طلبة الأونروا أعلى الدرجات في الامتحانات الوطنية وينجحون في الالتحاق ببعض أفضل الجامعات في العالم، بما فيها جامعة هارفارد وغيرها من المؤسسات التعليمية العليا. فهم يتعلمون القيم التي تشكّلهم لكي يصبحوا مواطنين عالميين جيدين وجيراناً طيبين.
لنأخذ، على سبيل المثال، الطالب عبد الرحمن الشنطي البالغ من العمر 11 عاماً من غزة، والذي أثار ضجة كبرى عندما بعث برسالة سلام إلى جمهور عالمي. إنه طالب في مدرسة للأونروا. والقيم التي شكّلته وشكّلت صوته هي حقوق الإنسان العالمية والتسامح والإدماج والمساواة بين الجنسين – وهي ليست من نوع الدروس التي ستعلمها المدارس إذا كانت جزءاً من مؤامرة لغرس الكراهية.
وفي شهر آب الماضي، فازت نغم اليازجي، ابنة الخمسة عشر عاماً، في مسابقة رسائل السلام الملهمة لعام 2020 التي نظمتها إدارة المتنزهات الوطنية الأمريكية وحديقة ورود السلام العالمي الدولية، وهي جائزة تحتفي برسائل السلام التي يكتبها الشباب من جميع أنحاء العالم. ساهمت نغم في المسابقة بقصيدة كتبتها بمساعدة معلماتها في الأونروا.
لا تقتصر ميزة الأونروا على امتلاكها لإطار موسع ونهج تربوي وتدريسي عملي يؤكد على حقوق الإنسان وحل النزاعات والتسامح، بل إن الأونروا تساعد أيضاً في تيسير البرلمانات الطلابية المنتخبة ديمقراطياً، وكذلك البرلمان الطلابي على نطاق الوكالة والقائم منذ العام 2017.
لطالما كانت هذه البرلمانات بمثابة وسيلة رئيسية لتعزيز احترام الحقوق والممارسات الديمقراطية، وتتحدث قياداتها الطلابية أمام الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية وتثقف الطلبة الآخرين عن القضايا العالمية الملحة، بما في ذلك المخاطر الصحية مثل خطر انتقال فيروس كوفيد-19. وهي تتناول مواضيع حقوق الإنسان من خلال تنظيم أنشطة ورحلات ميدانية ومناسبات يدعى إليها متحدثون ضيوف، مما يتيح لأطفال اللاجئين التعرف على الأفكار والابتكارات من جميع أنحاء العالم.
في كل عام، يُدعى هؤلاء الطلبة البرلمانيون لزيارة الولايات المتحدة ويحلون ضيوفاً على الأمم المتحدة – وما كان لدولة تعد أكبر حليف لإسرائيل وإحدى ركائز السلام والتعاون الدوليين أن ترحب بهؤلاء الأطفال لو كانوا قد أصبحوا دعاة لأيديولوجية تكرس الكراهية.
تتمثل أولويتي القصوى، بصفتي مديرة شؤون الأونروا في الضفة الغربية، في مواصلة تعزيز وتحسين مدارسنا والتأكد من أن يحظى الجيل القادم من اللاجئين الفلسطينيين بفرصة الحصول على تعليم قوي حتى يتمكنوا من بناء مستقبل مشرق لأنفسهم ولمجتمعاتهم.
وبسبب الجائحة، وضع خبراء التعليم في الأونروا في الضفة الغربية نهجاً مختلطاً يجمع بين التعلم الوجاهي والتعلم عن بعد لكي يتمكن الأطفال، حتى في الأسر التي لا تملك وسائل الوصول إلى الإنترنت أو الحاسوب، من مواصلة الدراسة.
جزء من التعلم الذي نعمل على تعزيزه يتعلق بكيفية البقاء في مأمن من فيروس كوفيد-19. وأنا أزور هذه الغرف الصفية، وأتردد عليها في كل أسبوع، وما أراه هو غرفة مدرسية تشبه غرفتي الدراسية تماماً. كل طفل أقابله يبدو سعيداً بالعودة إلى المدرسة ورؤية أصدقائه، ويريد مني أن أشاهد آخر رسم عمله أو أن أعرف كيف نجحوا في إجراء انتخابات البرلمان المدرسي مع تطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي.
وقد التقيت في الأسبوع الماضي فتاة صغيرة حلت في المركز الثاني في مسابقة لمهارات القراءة في منطقتها. حيث لدى كل واحدة من الفتيات والفتيان الذين أقابلهم حلم بأن يصبحوا محامين أو أطباء أو رواد فضاء أو معلمين.
حاولت مقالة رأي حديثة العهد نشرتها صحيفة "جيروساليم بوست" أن تناقض الحقائق التي أراها بأم عينيّ. إن الكتب المدرسية والمناهج الدراسية العامة المستخدمة في مدارس الأونروا تؤكد على التسامح وحقوق الإنسان وعدم التمييز والمساواة بين الجنسين.
وحيثما نجد مواد لا تتطابق مع قيم الأمم المتحدة، فإننا ببساطة لا نعلمها للأطفال ولا ندرجها في دروسنا. وقد قام مكتب مساءلة الحكومة الأمريكي بالتحقق من صلاحية هذا النهج أكثر من مرة، كان آخرها في العام الماضي. إن كل ما تنم عنه المغالطات والمبالغات المهترئة هو نية للتشهير بالوكالة، وبطلبتنا البالغ عددهم أكثر من نصف مليون، بأي ثمن كان.
إن التعليم المدني والمحايد الذي توفره الأونروا، والمتجذر في مبادئ الأمم المتحدة والعلوم التربوية الحديثة، ليس أداة لغرس الكراهية بل هو ترياق لمعالجتها. وبدلاً من تكرار الإخفاقات السابقة واللجوء إلى طرفي النقيض في الانقسامات الدينية والثقافية، دعونا نتأكد من أن يحصل شباب اليوم على الموارد التي يحتاجونها للنجاح فيما فشلت فيه الأجيال السابقة، وبناء الجسور عبر مجتمعاتنا، وتضميد الجراح المؤلمة.
وهذا يعني أننا بحاجة إلى الاستثمار في مهمة الأونروا لضمان أن يستمر الطلبة اللاجئون الفلسطينيون في التطور إلى أقصى إمكاناتهم، وأن يصبحوا واثقين ومبتكرين ومنفتحين، ويتمسكوا بحقوق الإنسان، ويفخروا بهويتهم الفلسطينية، ويساهموا بشكل إيجابي في مجتمعهم وفي العالم ككل.
وعندما يسير الطلبة على هذا الدرب، يصبح الازدهار والسلام ممكنين.