نابلس - أشرف العجرمي - النجاح الإخباري - نشر موقع «سيحا مكوميت» (محادثة محلية) دراسة للباحثة الإسرائيلية كيتي فاكسبيرغر تحت عنوان «هكذا غزا مقاتلو نتنياهو الرقميون منطقة الخليج» في 18/8/2020. وفيها تطرقت للأساليب التي اعتمدتها إسرائيل لتحسين صورتها في عيون مواطني دول الخليج، والتي أثمرت في اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودولة الإمارات العربية. وتقول الباحثة إن الاتفاق مع الإمارات كان تتويجاً لسنوات شهدت فيها العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج دفئاً، ما أحدث تغييراً مهماً في الرأي العام العربي. وتذكر كيتي كيف استخدمت إسرائيل شبكة من الحسابات الناطقة بالعربية على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الدعاية المؤيدة لإسرائيل ولشراء قلوب وعقول سكان الخليج وتحييد التهديد المزعوم من إيران.
منذ عام 2008 دأبت وزارة الخارجية على الترويج لأشرطة فيديو على موقع اليوتيوب. وبعد ذلك بعامين أطلقت حكومة بنيامين نتنياهو سفارتين افتراضيتين للأردن ومصر «تهدفان إلى تعزيز العلاقات الديبلوماسية والصداقة» بين إسرائيل وهاتين الدولتين. وقد ركزت على المحتوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بعيداً عن القضايا السياسية الحساسة التي تتعلق بحقوق الفلسطينيين. وقد استعان نتنياهو بالناطقين باسم جيش الاحتلال بمن فيهم ابنه يائير لقيادة جهود الحكومة لخلق حضور قوي في وسائل التواصل الاجتماعي. وفي أعقاب «الربيع العربي» تم إنشاء الكثير من الحسابات مثل «إسرائيل بالعربية» و «إسرائيل تتحدث العربية» التي لها ما يزيد على المليوني متابع في المنطقة. كما استخدم ناطقين باسم الجيش والحكومة يتحدثون العربية مثل أفيحاي أدرعي وأوفير غندلمان اللذين ظهرا في وسائل الإعلام العربية، حتى أن نتنياهو نفسه بدأ ينشر باللغة العربية في عامي 2011 و2012.
وعملية الترويج هذه ركزت على إظهار صورة إسرائيل الدولة المتقدمة المتسامحة الجريئة التي تسعى للسلام، والمتقدمة في مجالات التكنولوجيا والطب والزراعة، والتي فيها تتمتع المرأة بحقوق متساوية وتشارك في الحكومة والجيش، دون ذكر لممارسات الاحتلال القمعية ضد الفلسطينيين. وتم تركيز خطاب هجومي عدواني ضد الفلسطينيين الذين يجري إظهارهم كالرافضين الدائمين لكل مبادرات وعروض السلام التي تقترحها إسرائيل، وفي نفس الوقت يصف مقاومتهم على أنها إرهاب، ويضخم علاقاتهم مع إيران وقطر.
وفي عام 2013 أطلقت الحكومة حساب «إسرائيل في الخليج» الذي تأثرت فيه بشدة البيئة الاجتماعية والثقافية في دول الخليج، حسب ما تشرح الباحثة. ويعتبر المسؤولون الإسرائيليون أن حملة «إسرائيل في الخليج» من أنجح الحملات على شبكات التواصل الاجتماعي التابعة لوزارة الخارجية، وفي عام 2018 تم تعريفها على أنها سفارة افتراضية. وفي السنوات الأخيرة شهد الخليج زيادة كبيرة في المشاركة في جميع الحسابات الإسرائيلية الرسمية باللغة العربية. وبعضها نشر فيديوهات لمواطنين خليجيين يشيدون بإسرائيل، وأخبار وزيارات لمواطني الخليج لإسرائيل وتصريحات دول الخليج الرسمية حول تطبيع العلاقات، ورسائل من المواطنين الإسرائيليين إلى دول الخليج المختلفة. وتحاول المواقع الإسرائيلية التمييز بين العربي الجيد والعربي السيئ. في إطار استغلال قلق دول الخليج من المنظمات الإسلامية المتطرفة وربط الفلسطينيين بها، استخدام «حماس» للترويج لفكرة» الإرهاب» من خلال «هاشتاغات» مثل «حماس هي نكبتك» و «ليست عودة بل فوضى» لتصوير المقاومة وحتى الاحتجاجات الشعبية على انها إرهاب مرتبط بإيران. وشاركت منظمات يهودية حول العالم بدعم هذه الحملات والترويج لإسرائيل وتشويه صورة الفلسطينيين.
وربما من أكثر الأساليب خسةً محاولة خلق شرخ ووقيعة بين الفلسطينيين ودول الخليج بادعاء أن الفلسطينيين يعادون دول الخليج، ومحاولة ابعاد مواطني دول الخليج عن التزاماتهم القومية تجاه القضية الفلسطينية. ومن الأمثلة البارزة على هذه الاساليب المنحطة نشر «هاشتاغ» «فلسطين ليست مشكلتي» و «نعم للتطبيع».
ما نشرته الباحثة والذي آثرت عرض ملخص له فيما تقدم، حتى لو كانت فيه إطالة لا يحتملها مقال، هو مهم لادراك كيف عمل الإسرائيليون بشكل منهجي ودؤوب على مدى سنوات بل عقود من أجل الترويج لبضاعتهم الفاسدة وإقناع الكثيرين من أبناء جلدتنا بروايتهم الكاذبة والتحريض علينا ودق إسفين بيننا وبين أشقائنا. وقد نجحوا بذلك بصورة لا بأس بها. وهذا يفسر الحملات الظالمة التي تستهدف القيادات والمواقف الفلسطينية من معارضة خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومشروع التطبيع العربي، إلى درجة أن من يريد اليوم تبرير التطبيع عليه أن يتهم القيادات الفلسطينية إما بالخيانة والتآمر على الشعب أو بإضاعة الفرص لتحقيق تسوية سياسية وإنهاء الصراع لأسباب تتعلق بمصالح القيادات.
غير أن النجاح الإسرائيلي في خلق بيئة وأشخاص تستخدمهم أدوات للترويج للاحتلال ومهاجمة الشعب الفلسطيني ليس نجاحاً تاماً. فلا تزال أغلبية الجماهير العربية ترفض إسرائيل المحتلة وترفض التطبيع معها قبل انهاء الاحتلال وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الوطنية العادلة والكاملة على أرض وطنه. ومع ذلك هذا النجاح الإسرائيلي يجب أن يُشعل الضوء الأحمر لدى كل القيادات وكل أبناء الشعب الفلسطيني. وهنا يجب العمل بشكل سريع على تدارك هذا التطور السلبي في العلاقة مع العالم العربي وإعادة النظر في أساليب عملنا تجاه أشقائنا لإعادة ترميم العلاقة معهم وتجاوز الخسائر والسلبيات المترتبة على التطبيع، وعدم السماح لإسرائيل باستغلال المواقف الفلسطينية للوقيعة بيننا وبين أشقائنا. وهذا يتطلب ايضاً إعادة التفكير في مفردات خطابنا النقدي تجاه التطبيع، بحيث لا ننجرف ونسيء للشعوب والدول العربية وتصبح لغتنا وبالاً علينا وأداة في يد خصومنا لمحاربتنا بها، وينبغي أن يكون خطابنا مضبوطاً ويراعي مصالحنا على المدى القريب والبعيد.
نقلاً عن: جريدة الأيام