النجاح الإخباري - منذ انطلاق قطار التطبيع من محطاته الإماراتية والبحرينية والسودانية، ورغم التوقع المسبق لمسار هذا القطار، الا ان رد الفعل الذي ابدته الطبقة السياسية الفلسطينية اظهر كما لو ان ما حدث كان مفاجئا وصادما.
المفاجأة في المجال السياسي تعني عيبا جوهريا في المتفاجئين وقدراتهم القيادية، خصوصا في امر العلاقات مع إسرائيل المفترض انها احد همومنا الكبرى.
لم تكن هذه العلاقات من خلال مقدماتها وحتى المعلومات المنشورة حولها سرية كما لم يكن الحديث عنها تنقصه الصراحة ولو ان معظمه كان يأتي من إسرائيل بحكم القاعدة المعمول بها عربيا " اذا بليتم فاستتروا".
بعد ان فعلت المفاجأة فعلها وورطت العديد من وجهاء الطبقة السياسية باعتماد لغة انفعالية مقرونة بالتهديد والوعيد عادت الى المنابر بمختلف أنواعها لغة عقلانية اعتذارية، الفضل في ذلك ليس صحوة على معلومات معاكسة او توضيحات تملي تغييرا في الموقف واللغة بل بفعل أوامر صريحة من الرئيس محمود عباس "الذي لم تفارقه حكاية الكويت" لوجهاء الطبقة السياسية بأن يكفوا عن لغتهم المنفلتة من عقالها ما جعل الاثير الذي كان مزدحما بهذه اللغة يخلو تماما منها لتحل محله لغة عقلانية تناقض كليا في الشكل والمضمون كل ما قيل في الموجة الأولى.
في السياسة هنالك عنصران متلازمان لا مجال للفصل بينهما، الموقف واللغة، غير ان الملاحظ ان الانفصال بينهما هو اختراع فلسطيني بامتياز، وهذه بعض امثلة تخصصت بها الطبقة الفلسطينية دون غيرها.
لا يمر حدث الا ويتحدث بشأنه العشرات كل واحد منهم يدعي النطق باسم الشعب الفلسطيني كله، وحين يثير الحديث ردود فعل سلبية يظهر التصريح الرسمي إياه ... ان فلان يعبر عن رأيه الشخصي وليس عن رأي السلطة او القيادة، مع ان صاحب التصريح عضو اصيل في الاثنتين معا.
كذلك اخترع وجهاء الطبقة السياسية كثيرو الخطأ جملة احتكروا استخدامها دون غيرهم وهي ان تصريح القائد الفلاني الذي اثار استياء بعض الاشقاء والأصدقاء اخرج عن سياقه، مع انه وصل الى المعترضين واللائمين بالصوت والصورة.
أشياء كثيرة فيها تناقض واختلاف يؤدي مع التكرار الى افقاد الموقف الأساسي كثيرا من صدقيته ومفعوله.
ما هو الضرر الافدح المترتب على ذلك، حين يعرض الرسميون وكثيرون منهم يجرون وراء اسمهم صفات قيادية عليا مواقف متعارضة وتقويمات متناقضة فإن خصوم الفلسطينين وما اكثرهم ينتقون أسوأ ما يقال ويعرضونه كقرينة على ان الفلسطينيين لا قيادة لهم وان فوضى التصريحات تؤكد ذلك.
ليس عيبا ان يعج الرأي العام الفلسطيني بآراء وتحليلات ومواقف متباينة، بل هذا ما هو مطلوب وضروري ولكن العيب كل العيب ان تكون فوضى التصريحات الرسمية على هذا النحو هي السمة الدامغة للخطاب السياسي الفلسطيني على مستواه الرسمي.
انها مغنم مجاني يوضع في يد وحجج خصوم الشعب الفلسطيني فليس أكثر من ذلك ما يفتح ثغرات قاتلة في بناء الرواية الفلسطينية وصدقية السياسة المنطلقة منها.
لقد واجهنا بفعل واقع الانقسام طويل الأمد استغلالا قويا وفعالا لتناقض الرؤى والبرامج والمواقف والتحالفات والرهانات، وطغت لغة التخوين المتبادل فخسرت قضيتنا الكثير الكثير وتراجعت الى مستويات دنيا عند الأصدقاء قبل الأعداء. والمؤسف والمحرج ان عدوى الاختلاف والتناقض انتقلت الى وجهاء الطبقة السياسية الرسمية المفترض انها موحدة على موقف منسجم لم نجد ولن نجد تفسيرا للغة الانقسام الخطرة التي سادت سنوات طويلة فكيف نجد تفسيرا او تبريرا للغة التباين حد التناقض لمن يفترض انهم فريق واحد؟
ان فوضى التصريحات لها نتيجة محسومة هي تبدد الرصيد واضعاف صدقية السياسة.