طلال عوكل - النجاح الإخباري - يعترف الكاتب الإسرائيلي يوسي ميلمان بأن ثمة أوجه شبه كبيرة بين إسرائيل والحملات الصليبية التي انتهت بهزيمة الصليبيين العام 1187 في معركة حطين على يد صلاح الدين الأيوبي، ويستذكر ميلمان الرئيس الأسد، الذي تحدث عن هذه المقاربة، والتي تنتهي بانتهاء إسرائيل كما حصل مع الصليبيين وفق الأسد.
لكن ميلمان يرفض التسليم بأن إسرائيل والمشروع الصهيوني ينتظره ما انتهت إليه ممالك الصليبيين لأن تلك الحملات لم تكن هناك رؤية قومية التي على أساسها ومنها نمت الحركة الصهيونية، وكل ذلك بحسب ميلمان ولتسويق فكرته يضيف إن الاختلاف يكمن بين غزاة، وشعب يعتقد أن ثمة علاقة تاريخية له مع «أرض إسرائيل» والقدس.
لكن ميلمان يعزي النفس حين يعقد مثل هذه المقارنة، حين يصف الصليبيين بالغزاة، المفعمين بالأيديولوجيا، والإيمان الديني، وكأن ثمة فرقا بين أولئك الغزاة وبين الذين قدموا إلى فلسطين من كافة أصقاع الأرض، بدعم مطلق من القوى الاستعمارية القديمة والحديثة.
يقول ميلمان إن إسرائيل لن تهزم في ساحة الحرب بسبب قدراتها العسكرية، والاقتصادية والتكنولوجية ما يعني أن الخطر الذي يهدد وجود إسرائيل كدولة ديمقراطية ويهودية وتهدد مستقبل الحركة الصهيونية، هو الخطر الداخلي.
لعلّ الأهمّ فيما ذهب إليه ميلمان حديثه عن أن إسرائيل تتفكّك كدولة ومجتمع، الشروخ، الانقسام والكراهية، الاشمئزاز المتزايد من قيم الليبرالية والانقسامات السياسية وغيرها بين اليمين والوسط، واليسار، بين العلمانيين والمتدينين، بين الشرقيين والأشكناز، ويجب أن نضيف، يقول ميلمان، الاحتلال والقمع للشعب الفلسطيني وتداعياته الخطيرة على الديمقراطية والمجتمع، ثم يعترف أن هذه الظواهر لم تبدأ في سنوات حكم بنيامين نتنياهو، لكن في عهده تم تسريعها بدرجة غير قليلة بمبادرته المتعمّدة.
تشخيص واستنتاجات قد تبدو مملة، لكنها تنطوي على أهمية كبيرة وأبعاد تاريخية، فالكاتب ليس عربياً ولا فلسطينياً، ولا هو مناصر للحقوق الفلسطينية فهو يهودي إسرائيلي مقتنع حتى العظم بالمشروع الصهيوني، وهو يعترف بأن إسرائيل بتركيبتها تشكل خطراً على وجودها.
على العرب المهرولين نحو الاستنجاد بإسرائيل، والدول الأخرى، التي يعتقد نتنياهو أنها كانت بصدد الهرولة لولا مرض ترامب، أن يقرؤوا جيداً وأن يدرسوا جيداً ما يقوله إسرائيليون، لأنهم أو أسلافهم قد لا يدركون الندم حين تقع الواقعة.
أنا واحد ممن يعتبرون أن نتنياهو، ومن قبله شارون وبيغن وشامير هم هبة السماء للشعب الفلسطيني، فهؤلاء جميعاً وغيرهم من زعماء الصهيونية أبدوا تطرفاً شديداً، وغروراً كبيراً، إذ عملوا بكل قوة للتنكر ومقاومة حق الشعب الفلسطيني في دولة على الأراضي المحتلة العام 1967، أي 22% من أرض فلسطين التاريخية.
في كل الحالات ما كان الصراع لينتهي، حتى لو وافقت إسرائيل على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، المتعلقة بفلسطين، فثمة 20% من المجتمع الإسرائيلي هم فلسطينيون يعانون من التمييز والعنصرية والتهميش، وكان وجودهم سيشكل عاملاً حيوياً في الصراع.
لقد كان تسليم إسرائيل بقرارات الأمم المتحدة، سيؤدي فقط إلى إطالة أمد الصراع ليس أكثر، وتدفيع الشعب الفلسطيني والأمة العربية أثماناً باهظة.
من يقرأ اللوحة الإسرائيلية، عليه أن يعترف أولاً بما تمتلكه إسرائيل من قوة عسكرية وأمنية واقتصادية وتكنولوجية، هذا هو المظهر الخارجي الذي يغري الضعفاء والجهلة، ذلك أن كل هذه القوة مرهونة بمناعة المجتمع والأوضاع الداخلية أساساً بالإضافة إلى عوامل أخرى إقليمية ودولية.
في المشهد، يبدو أن نتنياهو الذي يترنّح، سيكون آخر زعيم إسرائيلي صهيوني ذي مواصفات كاريزمية، وقدرة على إدارة التناقضات الداخلية، وأن المشهد لا يرشح زعيماً آخر في حال غيابه.
نتنياهو الذي يخضع للمحاكمة والمطاردة على خلفية ملفات فساد، لا يزال يقاوم، ولكنه لن يفلح في البقاء وتحقيق الفوز إلى الأبد، طالما وخاصة أنه يخوض حرباً ضد مؤسسات إنفاذ القانون من الشرطة إلى القضاء.
في آخر استطلاعات الرأي، يحصل الليكود على سبعة وعشرين مقعداً لو جرت الانتخابات اليوم، بينما أعطته استطلاعات سابقة، أربعين مقعداً.
صحيح أن «الليكود» قد يظل في الصدارة، وأن ما يخسره يذهب إلى حزب نفتالي بينيت الذي لا يقلّ تطرفاً، لكنه بسبب استمراره في سياساته قد يخسر موقع الصدارة، أما إن جاء بينيت وجماعته فإنه ليس أكثر من هاوٍ سياسي، ومتهوّر.
في إسرائيل اليوم، وبسبب هذه السياسات، ثمة مليون عاطل عن العمل، وتراجع كبير في وتائر النمو الاقتصادي، نأمل أن لا ينقذه المال العربي.
وفي إسرائيل تتسع الهوّة بين الحكومة و»الحريديم»، بما يؤشر على إمكانية تفكك التحالف الذي يقوده نتنياهو، في سياق تحدّي «الحريديم» لسياسة الحكومة يواجهون عملية قمع واعتقالات، كما يواجه ذلك المحتجون على سياسته، المتظاهرون الذين لم يتوقفوا عن الاحتجاج أمام منزله وفي مفترقات الطرق مطالبين باستقالته.
إن وصفنا ما يعانيه العرب أهل الأرض، جرّاء سياسات التمييز العنصري بغطاءات قانونية تمارسها الدولة، وتمارسها جماعات وأحزاب صهيونية إرهابية، فإن ساحة الفعل اليهودي تضجّ بالتناقضات الصعبة إلى الحدّ الذي يجعل أكثر من مسؤول إسرائيلي سابق، فضلاً عن الكتّاب يحذرون من حرب أهلية.
ثمة ضمانة أكيدة في أن اختفاء نتنياهو، خلف قضبان السجن أو بعيداً عن الحياة السياسية، لن يؤدي إلى تراجع مخاوف إسرائيلية من حرب أهلية أو من انفجار القلعة من داخلها لأسباب تتعلق بالاحتلال والعنصرية، والتناقضات الداخلية، التي تمنع قيام مجتمع متجانس منسجم ومتماسك.
أما الضمانة الأكيدة لانفجار هذه القلعة الهشّة من الداخل، فهي بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه، وهو شعب ومجتمع متجانس، منسجم، متمسك بأرضه وهويته.
نقلاً عن الأيام الفلسطينية