محمود عبد الهادي - النجاح الإخباري - مع مرور عام على فيروس كوفيد-19، وتجاوز عدد الوفيات المليون بداية الشهر الجاري، ما زال الجدل محتدما حول هذا الأمر، هل الفيروس طبيعي أم مصنّع؟ وهل هذا العدد من الوفيات والإصابات بسبب الفيروس أم بسبب غيره؟ وهل حالة الفزع المصاحبة له مفتعلة أم مبررة؟
وهل الإغلاق الشامل كان جزءا من العلاج أم أنه إجراء كيدي متعمد؟ ولماذا لم تقدم منظمة الصحة العالمية والهيئات الغربية المختصة حتى الآن علاجا للفيروس؟ ولماذا لم تتعامل المؤسسات الغربية بعلمية مع اللقاحين الصيني والروسي؟ ولماذا اختلف تعامل العالم مع الفيروس هذه الأيام عما كان عليه الأمر في الشهور الأولى؟ وهل الموضوع مجرد جائحة صحية أم أنه جزء من مؤامرة خفية لم تظهر تفاصيلها بعد؟ لماذا ٢٠٢٠ بالذات، هل تم توقيت هذا التاريخ أم كان مجرد مصادفة؟ وهل سيستمر تهديد الفيروس للعالم أم سينتهي قريبا؟ هل دول العالم مشتركة في هذا الأمر أم أنها مضطرة للتعامل معه؟
المدخل إلى الفهم الصحيح
الأسئلة كثيرة، والإجابات أكثر، ورغم ما في هذه الإجابات من معلومات وحقائق علمية أحيانا، ومن منطق سياسي وأمني واجتماعي وفكري أحيانا أخرى، ومن سجالات ومناظرات وتصورات عبثية في معظم الأحيان؛ إلا أنها تبقى عاجزة عن تقديم الفهم الصحيح لهذا الفيروس الظاهرة، وهذا الفهم لن يتسنى لنا إلا بعد أن نضعه في سياقه الدولي الصحيح، ونتعرف على الظروف المرحلية السياسية والاقتصادية والتنموية والفكرية التي تقف وراءه.
عشرات البرامج والمبادرات الغربية الكبرى، تتصل بها مئات البرامج والمشروعات والشركات والمؤسسات ومراكز الأبحاث على مستوى العالم، ومعها مئات الآلاف من المؤيدين والنشطاء والأتباع والعلماء، تدعو كافة القطاعات للمساهمة في مواجهة كوفيد-19، جمعت عشرات المليارات من الدولارات، وما زالت تجمع دون أن نرى شيئا حتى الآن.
في هذه السلسلة من المقالات سنصحب القارئ الكريم في جولة واسعة مع الوقائع والمعلومات والتحركات والمؤتمرات والبرامج والمبادرات والمشروعات، التي غابت عنه ولم تصله، أو غاب عنها، أو لم يعطها من الاهتمام ما تستحق حتى يفهم حقيقة ما يدور من حوله في العالم، وعلاقة ما دار حوله بالأمس بما يدور حوله اليوم، وعلاقة ما يدور حوله اليوم بما سيدور حوله في المستقبل.
عشرات البرامج والمبادرات الغربية الكبرى، تتصل بها مئات البرامج والمشروعات والشركات والمؤسسات ومراكز الأبحاث على مستوى العالم، ومعها مئات الآلاف من المؤيدين والنشطاء والأتباع والعلماء، تدعو كافة القطاعات للمساهمة في مواجهة كوفيد-19، جمعت عشرات المليارات من الدولارات، وما زالت تجمع دون أن يرى العالم منها شيئا حتى الآن سوى الرعب والفزع وتكرار دعاوى الإغلاق والحذر، والخسائر العالمية المتلاحقة في شتى المجالات، وسوف نتناول تباعا أهم وأكبر هذه البرامج والمبادرات في مقالاتنا اللاحقة.
قبل 20 عاما
درجت الأمم المتحدة على إقامة مؤتمرات ووضع خطط واتفاقيات على أساس تخصصي، مثل قمة الطفولة عام 1990، وقمة الأرض عام 1992، والمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان 1993، والمؤتمر الدولي للسكان والتنمية 1994، والمؤتمر العالمي للمرأة 1995؛ إلا أنها مع بداية الألفية الثالثة عام 2000، ولأول مرة تضع الأمم المتحدة خطة إستراتيجية شاملة تحتوي على 8 أهداف تنموية كبرى تلتزم الدول الأعضاء بالعمل على تحقيقها بحلول عام 2015، وتشتمل على مختلف الموضوعات، التي كانت تتناولها في المؤتمرات التخصصية آنفة الذكر على سبيل المثال، وقد وافقت جميع الدول الأعضاء في سبتمبر/أيلول عام 2000 (189 في حينها) في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة على هذه الخطة فيما عرف بإعلان الألفية، وهذه الأهداف التنموية المعروفة بـ"إم دي جي إس" (MDGs) مستمدة من هذا الإعلان، وجميعها لها أهداف تفصيلية ومؤشرات محددة، وهذه الأهداف الثمانية هي:
. 1 القضاء على الفقر المدقع والجوع.
. 2 تحقيق التعليم الابتدائي للجميع.
. 3تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.
. 4الحد من وفيات الأطفال.
.5 تحسين صحة الأم.
. 6 مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والملاريا والأمراض الأخرى.
. 7ضمان الاستدامة البيئية.
. 8 إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية.
هذه الأهداف الكبرى تشتمل على 18 هدفا تفصيليا، و48 مؤشرا للقياس، وقد توقع البنك الدولي في دراسة له عام 2006 أن يؤدي العمل على تحقيقها إلى خلق ازدهار اقتصادي للفقراء والمحرومين من الخدمات، والبالغ عددهم 4-5 مليارات إنسان، يمثل فرصة اقتصادية تصل إلى 13 تريليون دولار، أي حوالي 15% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، الذي زاد عن 87 تريليون دولار عام 2019.
توالت السنوات، والأمم المتحدة تتابع تنفيذ هذه الأهداف عن طريق منظماتها المتخصصة، وتقوم سنويا بمراجعة ما يتحقق منها، في اجتماعات الجمعية العامة بحضور جميع الدول الأعضاء، وفي عام 2015 قدم الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، تقريره الختامي حول أهداف الألفية، وتبين أن هذه الأهداف تحققت بنسب متفاوتة، فانخفض معدل الفقر إلى حوالي النصف، وعدد الأطفال الذين لم يلتحقوا بالتعليم الإبتدائي إلى النصف كذلك، وارتفعت نسبة النساء العاملات من 35% إلى 41%، وحققت المرأة مكاسب على صعيد التمثيل في المجالس البرلمانية بما يقارب 90% في 174 بلدا، وانخفض معدل وفيات الأطفال دون الخامسة إلى أكثر من النصف، كما تراجعت نسبة الوفيات النفاسية بنسبة 45%، وانخفض عدد المصابين بفيروس الإيدز بنسبة 4%، وانخفضت نسبة وفيات الملاريا إلى 58% والسل بنسبة 45%، وتم التخلص بصورة كبيرة من الأضرار التي تؤثر على طبقة الأوزون، وارتفعت نسبة من يحصلون على ماء صالح للشرب بمعدل 15%، وارتفعت المساعدات التنموية المقدمة من الدول المتقدمة بنسبة 66%، وانخفضت خدمة الدين الخارجية عن الدول النامية من 12% إلى 3%، وصار 95% من سكان العالم يملكون هاتفا جوالا، وبلغ عدد المرتبطين بشبكة الإنترنت 43% من عدد سكان العالم.
إخفاقات ومعالجات
أوضح التقرير الختامي للخطة، أن التقدم كان متباينا بين المناطق والبلدان المختلفة، الأمر الذي ترك وراءه ثغرات هامة، فقد تخلّف عن الركب ملايين الناس، ولا سيما أشدهم فقرا وأكثرهم حرمانا، بسبب الجنس أو العمر أو العجز أو الإثنية أو الموقع الجغرافي.
وأشار التقرير إلى "أن المجتمع العالمي يقف في عام 2015 على مفترق طريق تاريخي.. وهناك خطة جديدة شجاعة آخذة في الظهور ترمي إلى تحويل العالم، بحيث يمكنه أن يلبّي الاحتياجات البشرية ومتطلبات التحويل الاقتصادي، مع العمل في الوقت نفسه على حماية البيئة، وضمان السلام، وتفعيل حقوق الإنسان. وتقع التنمية المستدامة في صميم هذه الخطة، وهي تنمية لا بد أن تصبح واقعا حيا لكل إنسان على وجه هذا الكوكب".
وكان بان كي مون، أكثر وضوحا في كلمته في مقدمة التقرير حين قال "إننا نعرف ما الذي يتعين علينا فعله، غير أن تحقيق مزيد من التقدم يتطلب إرادة سياسية لا تتزعزع، وجهدا جماعيا طويل الأجل، وعلينا أن نتصدى للأسباب الجذرية، وأن نقوم بالمزيد لكي ندمج بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية المستدامة، وتسعى الخطة الناشئة للتنمية لما بعد عام 2015، بما فيها أهداف التنمية المستدامة، إلى الاستفادة من تلك الدروس والبناء على ما تحقق من نجاح، ووضع جميع البلدان، سوية وبثبات، على الطريق نحو عالم أكثر رخاء واستدامة وإنصافا".
وكان بان كي مون قد أرجع سبب عدم تحقيق كامل أهداف الألفية الثمانية إلى ما يأتي:
- الالتزامات التي لم يتم الوفاء بها.
- الموارد غير الكافية.
- نقص التركيز والمساءلة.
- الاهتمام غير الكافي بالتنمية المستدامة.
وأرجعت بعض الدراسات التقصير في تحقيق أهداف الألفية إلى ما يأتي:
- محدودية صياغة الأهداف التنموية.
- محدودية الهيكلة.
- محدودية المحتوى.
- محدودية التنفيذ.
إذن، فقد انشغل العالم تحت مظلة الأمم المتحدة في حركة مكوكية صامتة، دون ضجيج يذكر، على مدار 15 عاما، في برامج تنموية عديدة تصب في صالح الأهداف التفصيلية لأهداف الألفية الثمانية، بمشاركة الدول الأعضاء وأجهزتها الوطنية المتخصصة، وقبل أن تنتهي هذه المدة كانت الأعمال تجري على قدم وساق لإعداد الخطة الأممية الجديد للأعوام الـ15 التالية، للفترة 2015-2030؛ لكن هذه المرة بخبرات أوسع، وتصميم أشد، وإرادة أقوى، وأسس أكثر ثباتا، ومنهجية أكثر شمولا ومرونة، وأقدر على التغلب على المشكلات والعقبات التي واجهتها الخطة السابقة.
وفي اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة 2015، وافقت الدول الأعضاء على الخطة الجديدة تحت اسم "أهداف التنمية المستدامة" ويرمز لها بـ"إس دي جي إس" (SDGs)، والتي تم إعدادها من خلال عملية مفاوضات حكومية دولية بين ما يقرب من 200 دولة في العالم، بصيغة تدعو إلى الجرأة والتحول ووضع حد للفقر، وتنص على أن ذلك سيتحقق من خلال "الشراكة التعاونية"، وقد ورد في "الرؤية الراديكالية" للخطة أن جميع البلدان وجميع أصحاب المصلحة، الذين يعملون في شراكة تعاونية، سينفذون هذه الخطة، وأنهم "مصممون على تحرير الجنس البشري من طغيان الفقر والعوز وشفاء الكوكب وتأمينه، ومصممون على اتخاذ خطوات جريئة وتحويلية مطلوبة بشكل عاجل لتحويل العالم إلى مسار مستدام ومرن.. ويتعهدون بعدم تخلف أحد عن الركب".
وهكذا، وضعت هذه الخطة حجر الأساس لانطلاقة دولية جديدة، وافقت فيها جميع الدول الأعضاء للأمم المتحدة، على تحقيق أهدافها بحلول عام 2030، وعلى مواجهة التحديات التي تواجهها بكل عزيمة وإصرار.
في مقال الأسبوع القادم بإذن الله، نتعرف على تفاصيل هذه الخطة، وعلاقتها بعام 2020