د. أحمد ابراهيم حماد - النجاح الإخباري - كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الامريكية المقررة في الثالث من نوفمبر/ تشرين الأول القادم ،حيث يتبارز المحللون السياسيون في تناول الشأن الأمريكي، ومواقف الإدارة الأمريكية من العديد من القضايا الشائكة في العالم اليوم وفي مقدمتها بالطبع القضية الفلسطينية حيث يطلقون العنان لمخيلاتهم بأن أموراً جسام وتغيرات جوهرية ستطرأ على طريق التوصل الى حل مقبول لهذه القضية الشائكة.
ويكاد لا يختلف المحللون السياسيون على أن أي رئيس أمريكي منتخب لن يتمكن من اتخاذ قرارات مصيريه في فترته الأولى، الا أنه سيكون أكثر واقعية في فترته الثانية وهذه لعمري كذبة كبيرة اعتدنا على ترديدها أو سماعها الا أن الواقع على الأرض شيء آخر مختلف تماما. فمع كل انتخابات جديدة تتكرر الأسطوانة المشروخة ذاتها، حيث تمضي السنوات، ويذهب رئيس ويأتي رئيس جديد ويبقى الحال على حاله اللهم الا بعض الوعود التي قد تدغدغ العواطف، وسرعان ما تتبخر بعد حين، وتظل السياسة الأمريكية المنحازة لإسرائيل هي الحقيقة الثابتة في السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم قاطبة، فأية إدارة أمريكية سواء كانت قديمة أو جديدة لن تتورع في الدفاع عن الجرائم الإسرائيلية، بل واستخدام حق الفيتو إذا حُشرت إسرائيل في الزاوية عندما يهب المجتمع الدولي لانتقاد ممارساتها.
وفي ظل حقبة ترامب الذي يبذل جهودا واضحة استعداداً للجولة الانتخابية القادمة سيما في محاولة تكريس التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل كإنجاز سياسي لصالحه، تبدو الأمور أكثر ضبابية في ظل سياسة الإدارة الأمريكية الحالية التي تتميز برفع الأسقف، والضغط الشديد، والمطالب الكبيرة، وإرساء المتناقضات، وتعيين المتناقضين في الرؤى والحلول، لابتزاز دول، وتحقيق أكبر قدر من المصالح للولايات المتحدة، وإظهار أكبر قدر من التأييد لإسرائيل.
وقد لا يبدو مستغرباً الالتفاف الأمريكي الحالي تجاه إسرائيل، فعلى "مدار أكثر من سبعين عاما ماضية، تعاملنا كفلسطينيين وعرب مع إدارات أمريكية مختلفة، جمهورية وديمقراطية، ولم نشاهد سوى هذا التسابق لدعم إسرائيل والتي أصبحت بادية للعيان بصورة جلية في ظل الإدارة الأمريكية الحالية سيما في ظل حالة الشرذمة والانقسامات التي تعيشها الدول العربية قاطبة.
وفي ظل التوجه لجولة انتخابية جديدة في الولايات المتحدة حيث تشير استطلاعات الراي العام لتراجع شعبية الرئيس الامريكي دونالد ترامب وازدياد شعبية منافسه الديمقراطي بالانتخابات القادمة جو بايدن ولذلك حرصت الادارة الامريكية وعلى رأسها ترامب على اظهار تكريس دعمها لإسرائيل فهي تشدد على أن صفقة القرن الحل الأمثل للقضية الفلسطينية كما لم تضغط على إسرائيل لإلغاء قرار الضم، بل طلبت من نتنياهو التباطؤ والتريث لانشغالهم بمشاكلهم الداخلية حالياً، اضافة لتقديرات امنية في"اسرائيل" تشير الى ان قرار الضم من الممكن ان يؤدي لانتفاضة ثالثة، بجانب قرار القيادة الفلسطينية بوقف التنسيق الامني وما يترتب عليه، فكل هذه الاسباب تثير مخاوف الجانبين الامريكي والاسرائيلي.
وفي المقابل فإن المرشح الديمقراطي بايدن يسير بحذر وفق مخططات مدروسة، سبقه فيها كل الرؤساء الديمقراطيين، وعليه، فان بايدن لن يكون فظ في التعامل مع القضايا العربية والفلسطينية، بل قد تمضي فترته الرئاسية الأولى على منهج ترامب ذاته، حتى يضمن عدم تحريض اللوبي اليهودي ضده. لكن المصلحة الوحيدة في حال فوزه هي وقف كسر القرارات والشرعيات التي انتهجها ترامب فباتت كل قرارات الشرعية الدولية وقرارات الولايات المتحدة نفسها بما يخص القضية الفلسطينية في مهب الريح. والمكسب الآخر هو محاولة انعاش عملية السلام في المنطقة والعودة للمفاوضات المتوقفة منذ أبريل/ نيسان 2014. الا ان القيادة الفلسطينية اكدت اكثر من مرة أن العودة للمفاوضات لها متطلبات تتمثل بإلغاء مخطط الضم بشكل نهائي، وإلغاء صفقة القرن الأمريكية، ولا سلام ولا استقرار في المنطقة دون قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
المرشح الديمقراطي المفترض لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة جو بايدن، خلال فعالية عن بعد ليهود ديمقراطيين والتي دعا فيها اسرائيل الى وقف البناء في المستوطنات واكد فيها أن واشنطن لا يمكنها أن تحمي إسرائيل بشكل كامل بدون سلام وأنه لا يدعم أي خطوات إسرائيلية لضم أراض جديدة لأن من شأنها أن تقوض احتمالات حل الدولتين حسب تعبيره وأنه سوف يعكس تقويض دونالد ترامب لعملية السلام.
وفى حال فاز المرشح الديمقراطي "بايدن"، يتوقع توقف الضغط الأمريكي على الفلسطينيين؛ لتقديم تنازلات بسيطة من قبل اسرائيل تتعلق بالاستيطان، لكنه سيستمر في دعم إسرائيل فى كل المحافل لان هناك ثابت في السياسة الخارجية الامريكية إزاء الشرق الاوسط اذ لا يمكن لأي رئيس أمريكي سواء أكان جمهورياً أو ديموقراطياً أن يتخطاه او أن يحيد عنه وهو تأييد ودعم سياسات اسرائيل الاجرامية والتوسعية في المنطقة والعداء الشديد للقضايا العربية والإسلامية.
ومن هنا لا يتوقع حدوث أي تغيير جوهري في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل سواء في ظل وجود ترامب أو فوز منافسه سيما في ظل التغيرات الدراماتيكية التي طرأت على المنطقة العربية منذ ما اصطلح على تسميته بـ "الربيع العربي" العام 2011، والتي على أثرها شهدت المنطقة حروبًا أهلية وصراعات داخلية وتدخلات دولية. وما ترتب على ذلك من حالة من التشرذم السياسي العميق بين الدول العربية بشأن الأزمات في سوريا والعراق وليبيا واليمن والانقسام الفلسطيني.
وفي ظل هذه التغيرات التي طرأت على المنطقة وما أحدثته من انقسامات واضحة فقد خسر الدعم العربي للقضية الفلسطينية زخمه ولم تعد هذه القضية تتصدر أجندات معظم القادة العرب المثقلين حاليًا بمشاكل وتهديدات محلية لا تنتهي. وقد ساهمت ظروف مماثلة بشكل كبير في الاختلاف الراهن في الخطاب العربي بشأن القضية الفلسطينية. ولذلك لن يكون مستغرباً أن تحمل السياسية الأمريكية سواء الحالية أو غيرها المزيد من التطرف والدعم لإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية في مسائل عدة، كدعم التوسع الاستيطاني اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتوسيع مدينة القدس المحتلة وتهويدها عبر ضم العديد من الكتل الاستيطانية. وقد تكون الأمور بالغة الصعوبة فيما يتعلق بالسلطة الوطنية الفلسطينية خاصة أن "تركيبة الإدارة الأمريكية الحالية، والمواقف التي يتخذها ترامب، والقوانين التي يوقعها؛ توحى بأن أياما صعبة قادمة على القضية الفلسطينية" إذا ما كتب له الفوز مرة ثانية لأن فوزه يعني إعطاء ترامب تفويضا جديدا لمتابعة برنامج أعماله في السياسة الداخلية والخارجية التي لم تكتمل بعد. وفي حال فوز بايدن فإنه سيبدأ في تطبيق برنامجه وفق رؤى أسلافه من الديمقراطيين والتي بالطبع ستكون منحازة لإسرائيل وفق استراتيجيات جديدة مما يعني أن الرهان العربي على اية إدارة أمريكية هو رهان خاسر وهذا ما ستثبته قادم الايام.