رجب أبو سرية - النجاح الإخباري - يتسابق موظفو البيت الأبيض، وموظفو الخارجية الأميركية بدرجة أقل، على كسب ود ورضا إسرائيل، للبقاء في مناصبهم، ولا غرو في ذلك، إذا كان الرئيس دونالد ترامب نفسه، يذهب إلى انتخابات رئاسية صعبة، بعد نحو شهرين من الآن، وليس في جعبته من منجز يقدمه لجمهور الناخبين، سوى ما فعله من أجل إسرائيل، وبصورة أدق من أجل اليمين الإسرائيلي.
ومع قرب انتهاء ولاية ترامب وطاقمه، الأولى والتي قد تكون الأخيرة، في البيت الأبيض، فإن أهم ملاحظة يمكن التقاطها هي أنه لم يحدث من قبل مثل هذا التضارب أو التنافس بين صلاحيات موظفي البيت الأبيض والخارجية، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وقد ظهر ذلك منذ لحظة دخول ترامب للبيت الأبيض، حيث زاحم صهره ومستشاره جاريد كوشنر وزارة الخارجية على الدور والنفوذ، خاصة فيما يخص ملف الشرق الأوسط، وعادة يوظف البيت الأبيض مستشاراً خاصاً للشرق الأوسط، حتى يستثنى هذا الملف الحساس والمهم، وحتى يخضع لمتابعة خاصة من الرئيس إضافة لمتابعة الخارجية، التي كانت في عهد الديمقراطيين تحوز على اهتمام خاص مضاعف، ربما يعود إلى كونهم من رعوا اتفاقات السلام في المنطقة، بدءا من كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل برعاية جيمي كارتر، وانتهاء ببيل كلينتون راعي اتفاقي أوسلو ووادي عربة.
لكن أن يتولى قيادة الملف بالدرجة الأولى والأساسية، مستشار الرئيس كونه صهره، فهذا ما أحدث ارتباكاً دفع وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون إلى الاستقالة، أما وزير الخارجية الحالي فإنه كان أكثر تواضعاً من سابقه، وقبل أن يقوم بدور الرجل الثاني في الملف، الذي تولى رسم مستقبله كوشنر بحجة الإعداد للصفقة التي أفنى السنوات الأربع من أجلها، دون أن ينجح في شيء، سوى ما حققه الموساد الإسرائيلي من اختراق تطبيعي توج بالاتفاق مع الإمارات.
الآن وحيث يتم إعداد مائدة الشواء تحضيراً للاحتفاء باتفاق التطبيع والأمن بين الإمارات وإسرائيل، فإن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يبحث عن الفتات، ليشبع به نهم وزارته، وذلك من خلال محاولة تحويل الإعلان من منصة انتخابية - كما أشرنا في مقال سابق لنا - إلى حفل جماعي، يكون مقدمة لتدافع دول عربية أخرى، للانضمام إلى محفل التطبيع، حيث تبدو مصلحة إسرائيل في التقدم على هذا الطريق أولى وأهم من إعادة انتخاب ترامب.
الإعلان عن الاتفاقات السابقة، كان يتم عادة في حديقة البيت الأبيض، حيث يحتفظ التاريخ بصورة الرؤساء، السادات - كارتر - بيغين، ثم عرفات - كلينتون - رابين، كذلك الملك حسين - كلينتون - رابين، لذا فإن بنيامين نتنياهو، الذي لم تشفع له صورة سابقة في الإعلان عن اتفاق حول الخليل، من البقاء على مقعد رئيس الحكومة الذي خسره، بعد ذلك الاتفاق، يسعى إلى تقديم صورة مختلفة، تظهر فيها إسرائيل وهو تحديداً، وليس أميركا ولا حتى ترامب، كصاحب المنجز المهم.
لهذا جاءت جولة بومبيو الأخيرة إلى المنطقة، لإطلاق ما يسميه هو مؤتمر سلام إقليمياً، وما هو إلا محفل تطبيع إقليمي، جماعي، يحاول من خلاله ضم بعض الدول التي لديها مشكلات إقليمية، تعتقد أن حلها، يمكن أن يكون من خلال هذا الطريق الوعر، حيث لن يطول الوقت لتتبين أنها إنما هربت من الرمضاء للنار، ولم يتريث بومبيو ولا المصادر المحيطة والمتابعة، في التنبؤ بأن الدول المستهدفة، هي البحرين والسودان وعمان، وتشاد، وربما المغرب، ومن بعيد قد تحضر مصر والأردن، كل ذلك طبعاً في ظل الغياب الفلسطيني والدولي متمثلا بالاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة.
سبق لكوشنر أن فحص هذا الاحتمال من خلال مؤتمر المنامة، لكن لا بأس من محاولة بومبيو، فإن نجح فقد يتم الإعلان الثلاثي في واشنطن من أجل حظوظ ترامب الانتخابية، ثم تتوجه الأطراف إلى المنطقة، على الأغلب إلى أبو ظبي، لتظهر إسرائيل في محفل عربي جماعي لأول مرة في تاريخها منذ نشأتها وحتى الآن.
طبعا أميركا وإسرائيل عرفتا المنافذ الضيقة، وجروح الدول العربية، فالإمارات والبحرين تخشيان الجار القوي إيران، والسودان، فقير جداً، ومحارب أميركياً منذ عهد عمر البشير، ويريد أن يرفع اسمه من خانة الدول الراعية للإرهاب، كذلك تشاد من أفقر دول أفريقيا، وفي الحقيقة فإن وزن السودان ليس كوزن البحرين ولا حتى عمان، لكن القرار السياسي في السودان حالياً، يتخذ من قبل قيادة مزدوجة، حيث يظهر التباين جلياً بين كادر المجلس العسكري المرتبط بعلاقات وثيقة مع الإمارات، والبعيد نسبياً عن الشارع، والمكون المدني ممثلاً برئيس الحكومة بالتحديد.
لن يكون محفل الاحتفاء ذا شأن إذا اقتصر على البحرين وعمان، حيث لن تحضر السعودية وقطر والكويت، على الأغلب، وحيث من المستبعد أن تحضر الأردن ومصر، وإن كانتا كما حدث في المنامة قد تحضران بتمثيل رمزي، لذا فإن وجود السودان أولا والمغرب ثانياً، هو من يمكنه أن يمنح أهمية لمؤتمر يحتفى به بتعليق الجسد الفلسطيني على جمرة النار، فيما قد يدفع عدم حضورهما إلى إلغاء الاحتفاء برمته.
وهنا تظهر أهمية ارتفاع عقيرة الرفض الشعبي، للتطبيع المجاني، أو حتى محاولة تحقيق سلام عربي - إسرائيلي، دون انسحاب إسرائيل من الأرض الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة، وأيا تكن نتيجة الأمر، فإن هبوط سقف الأنظمة العربية في مواجهة إسرائيل يزيد من عزلتها الشعبية، ويبقي على أتون الكفاح الشعبي من أجل إسقاط الأنظمة المستبدة والمتفردة بالحكم، والتي تتبع سياسات فيها منفعة خاصة لنخبة الحكم على حساب الشعوب ومجمل الأمة العربية، بما في ذلك حكم الأسر المالكة وحكم العسكريين، بحيث تتعزز ثقافة المطالبة بالحكم الديموقراطي المدني، كما هي حال تونس والجزائر، بما يدفع بالسودان، إلى إنجاز المهمة الانتقالية بنجاح، دون انتكاسة تجعل من تضحية الملايين تذهب هباء، فما زالت المنطقة العربية تمور بحراكها، وكلما تدخلت إسرائيل، ازداد الغضب الشعبي، واقتربت لحظة انعتاق فلسطين من نير الاحتلال الإسرائيلي، وانعتاق الشعوب العربية من حكم أنظمة الاستبداد.