نابلس - أشرف العجرمي - النجاح الإخباري - تضاربت الأخبار المتعلقة بما حصل على الجبهة الشمالية في منطقة مزارع شبعا المحتلة على الحدود اللبنانية. ففي حين تؤكد السلطات الإسرائيلية على مستوى الناطق بلسان جيش الاحتلال ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس الحكومة البديل ووزير الدفاع بيني غانتس أن إسرائيل أحبطت عملية تسلل لخلية من «حزب الله» ، ينفي الأخير حصول أي هجوم من طرفه، بل ينفي أنه شارك في أي اشتباك مع القوات الإسرائيلية، وأكد بيان الحزب على أن «إطلاق النار كان من طرف واحد فقط هو العدو الخائف والقلق والمرتبك». وتضارب الروايتين فتح المجال أمام الكثير من التساؤلات والتحليلات حول حقيقة ما جرى أول من أمس على الحدود مع لبنان، وهل حاول «حزب الله» تنفيذ عملية تسلل وفشلت ولهذا ينفي الموضوع مبقياً الباب مفتوحاً أمام عملية رد على مقتل أحد مقاتلي الحزب في سورية قبل أيام؟ أم أن إسرائيل اختلقت القصة من ألفها إلى يائها لصرف «حزب الله» عن تنفيذ عملية انتقامية؟ أم أن هناك خللاً ما قد حصل وأدى إلى هذا التضارب؟
المشكلة في الواقع لدى الجانب الإسرائيلي الذي بدت رواياته متضاربة ومشوشة إلى حد بعيد، فقد تم الحديث عن إطلاق صاروخ كورنيت على مركبة إسرائيلية، وعن دخول خلية مسلحة متسللة في وضح النهار تم كشفها، ثم حصول اشتباك واصابة بعض أفراد الخلية، وبعد ذلك نجحت الخلية في العودة إلى لبنان دون إصابات. ثم انتفى حصول إطلاق صاروخ ضد مركبات إسرائيلية، ولم يثبت مطلقاً حصول اشتباك لبناني- إسرائيلي بل قصف إسرائيلي لتلال بلدة كفر شوبا في الجنوب اللبناني. وبعض المصادر الصحافية الإسرائيلية تحدثت عن احتمال وجود خطأ في وحدة المراقبة ينسب لمجندة جديدة رصدت خلية مسلحة تابعة لـ»حزب الله» ولم تكن هناك خلية من الأصل. وإذا كان الذي حصل مبنياً على خطأ في الرصد فكيف يمكن لرئيس الحكومة وبديله ووزير حربه أن يتبنيا هذه الرواية رسمياً ويوجها رسائل لجهات دولية بهذا الخصوص؟
حتى الآن تغرق إسرائيل في حالة من عدم اليقين تجاه ما حصل. ونظراً لأن الجمهور الإسرائيلي يثق بتصريحات «حزب الله» أكثر من تصريحات القادة الإسرائيليين، فقد خلق بيان النفي الصادر عن الحزب حالة من الارتباك الشديد الذي اصبح موضع سخرية من قبل الكثير من الإسرائيليين في شبكات التواصل الاجتماعي. ويعد ما حصل انتصاراً معنويا لـ»حزب الله»، في معركة لم تحصل بغض النظر عن دقة الروايات من الجانبين. وهنا يمكن القول أن «حزب الله» استطاع وضع إسرائيل في حالة تأهب قصوى على الحدود الشمالية مصحوبة بالكثير من التوتر وعدم اليقين. علماً بأن إسرائيل وجهت رسائل لـ»حزب الله» عبر جهات دولية بأنها لم تكن تقصد قتل المقاتل من الحزب خلال قصفها لما تقول أنها مخازن للسلاح في سورية. وأنها سترد بقوة إذا ما قام الحزب بأي هجوم ضد إسرائيل. وتتمنى السلطات الإسرائيلية أن ينتهي هذا الوضع المتوتر بعملية بسيطة يمكنها التعايش معها حتى لو أدت إلى مقتل جندي إسرائيلي «واحد مقابل واحد».
من الواضح أن إسرائيل في وضع لا يسمح لها بخوض حرب واسعة مع «حزب الله» في الشمال، لسببين الأول عدم جاهزية الجيش الإسرائيلي وهذا ما تحدثت عنه وسائل الإعلام الإسرائيلية والتقارير الأمنية المتتابعة عن حالة الجيش، والجبهة الداخلية كذلك غير مهيئة لحرب تسقط فيها كمية كبيرة من الصواريخ. والسبب الثاني هو أزمة «الكورونا» والوضع الاقتصادي المأزوم بسببها، بالإضافة إلى المشاكل الائتلافية التي تعاني منها الحكومة والاحتجاجات المتعاظمة ضد رئيس الحكومة.
والوضع في لبنان ليس أفضل في ظل تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان وانهيار الليرة اللبنانية مقابل العملات الأجنبية وارتفاع معدلات البطالة والفقر بصورة غير مسبوقة. وبالتالي لا توجد دافعية لـ»حزب الله» لخوض حرب واسعة ضد إسرائيل، ولكن هذا لا يمنع القيام بعملية محدودة كرد على قيام إسرائيل بقتل أحد نشطاء ومقاتلي الحزب في سورية، وتهديد الحزب بالرد. وفي هذا الشأن استطاع «حزب الله» الحفاظ على صدقية في تصريحاته ومواقفه. وأصبح يقيناً عند الإسرائيليين أن الرد قادم لا شك. وهم يريدون أن ينتهي ذلك بسرعة وأن يكون ضعيفاً بحيث لا يؤدي إلى تصعيد خطير، ولكن لا أحد يضمن السيطرة على مستوى اللهيب، فمثلاً لو قام «حزب الله» باستهداف جنود إسرائيليين وأدت عملية له لمقتل أو إصابة عدد منهم فإن إسرائيل سترد، لو كان الرد الإسرائيلي قوياً كما يهدد رئيس الحكومة الإسرائيلية، فهذا سيستدعي رداً مقابلاً من «حزب الله». وهكذا قد تتدهور الأمور نحو تصعيد جدي قد يتدحرج لحرب لا يريدها الطرفان.
نجاح «حزب الله» الرئيس في هذه المرحلة هو خلق حالة التوتر والاستنفار وعدم اليقين والارتباك في الساحة الإسرائيلية تجاه ما قد يفعله. ولعل بيان الحزب في الرد على الادعاء الإسرائيلي يبقي الباب مفتوحاً أمام عملية انتقامية قادمة يختار موعدها ومكانها قادة «حزب الله»، وحسب التقديرات الإسرائيلية فإنه عاجلاً أم آجلاً سيجد الهدف بالرغم من محاولات إسرائيل إخفاء جنودها عن النظر، وبالرغم من حالة التأهب القصوى.
نقلا عن صحيفة الايام