يونس العموري - النجاح الإخباري - مما لاشك فيه أن الواقع الفلسطيني الراهن يفرض المطالبة علنا، وبالصوت المرتفع بوقف المذبحة التي ترتكب بحق الشعب كل الشعب، وبحق تراثه الكفاحي النضالي، الذي بات في مهب الريح، بل ان هذا التراث وما بُني عليه وما تم تحقيقه من انجازات، قد اضحى محل خلاف واختلاف بل واستخفاف لدى الكثيرين الذين يحاولون الأن هدم المعبد على من فيه من مؤمنين بعدالة عبادتهم وتصوفهم وبما يؤمنون من أساسيات فرضتها وقائع التجربة الفلسطينية. وحيث ان القضية الفلسطينية مرتبطة اولا واخرا بالفعل الوطني التراكمي بصرف النظر عن القناعات الخاصة ووجهات النظر الحزبية على اهميتها بهذا الفعل، أو تحقيق حالة الاجماع وبصرف النظر عن سلبيات او ايجابيات هذا الفعل وتوافقه وبرامج الفهم الاستراتيجي لضرورة المرحلة، الا ان المسألة الفلسطينية وعلى الدوام كانت مؤشراتها تعتمد بالأساس على الرؤى والبرامج المنطلقة اساسا من استراتيجية فعل التحرير والخلاص من الاحتلال، على قاعدة الفهم البراغماتي للمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني والمحددة اساسا من خلال المشروع الوطني والذي كان محل اجماع وطني عام للكل الوطني والقومي العروبي.
السؤال الذي يطرح ذاته هنا، هل ما زال هناك اجماع او توافق فلسطيني عام على مفاهيم المشروع الوطني ..؟؟ او على ماهية جملة اهداف العملية النضالية الفلسطينية المتواصلة منذ بدايات القرن الماضي ؟ وبمعنى اخر هل ما زال ثمة اتفاق على تحديد ماهية الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني والمتمثلة بحقه في تقرير مصيره من خلال الدولة المستقلة ذات السيادة بعاصمتها القدس وعودة اللاجئين وتحقيق الحرية والاستقلال والسيادة ؟ ام تم اسقاطها بفعل انفعالات فصائلية لا هم لها بالظرف الراهن الا تثبيت احقيتها على الخارطة الوجودية للشعب عن طريق خطفه تارة وفرض اجنداتها العقائدية او السياسية واحلامها الخاصة التي اصبحت بعيدة عن الاهداف العامة المتوافق عليها على الأقل جماهيريا وشعبيا بل وقوميا تارة اخرى؟
اعتقد انه ومن خلال مطالعة للواقع الفلسطيني الراهن وما آلت اليه وقائع الساحة الفلسطينية و تشخيص حقيقة الواقع وتشخيص محددات هذا الواقع ووضع النقاط على الحروف لا بد من تسمية الأشياء بمسمياتها وهذا اولا، وثانيا اعتقد انه لا بد من تحديد اولويات المتطلبات الفلسطينية بالظرف الراهن باعتبار وقائع المرحلة تفرض على الجميع ودون استثناء الوقوف عند مسؤولياتهم وتحمل تبعات هذه المسؤوليات، والمقصود بالمسؤوليات تلك المسؤوليات الوطنية عموما التي تفرض على الكل التعامل بمنطق مراعاة المصالح العليا والعامة لجماهيرنا وبصرف النظر عن القناعات العقائدية او تلك السياسية التي أصبحت متاريس يتخندق فيها كل صاحب ولاية او امير جماعة او قائد تنظيم او حليف لهذا العاصمة او تلك الدولة .
من الواضح ان الساحة الفلسطينية قد تحولت الى ساحة لمعارك الدول عليها ولفرض الرؤى من خلالها وهنا لا يمكن استثناء أحد في ظل هذا السجال الذي تحول الى حالة انقسامية رأسية وأفقية الامر الذي بات يهدد حتى الهوية الفلسطينية واحقيتها واستحقاقاتها على مختلف المستويات .
وهنا حتى نستكمل هذا الفهم والتحليل في محاولة لخلق حالة نقاش من قبل اصحاب الرأي والرؤية وبالتالي تقديم المشروع السياسي الإجماعي التوافقي اذا ما جاز التعبير. اجد ان واقع الانقسام الفلسطيني قد فرض نفسه بكل ما يتصل بالمسألة الفلسطينية بحيث لا يمكن الا ان يتم التعامل والتعاطي و الهم الفلسطيني عموما على الأسس الواقعية الأتية:
• ان واقع الانقسام قد اصبح حقيقة.
• ان جغرافيا الوطن المحتل منقسمة ومتشرذمة ما بين سلطة رام الله وسلطة حماس وفوق كل ذلك سلطة الاحتلال.
• ان الشعب الفلسطيني قد خاض شكلا من اشكال الحرب الأهلية .... وبالتالي اسقط خطوطه الحمراء المحرمة. وقد يكون القادم اسوأ بهذا السياق في المستقبل القصير اذا ما تم اعتماد ترتيب النواة القيادية الاولى عند اي استحقاق يفرضه اي غياب او تغييب لرأس النوة القيادية الاولى.
• ان الخلاف الحقيقي ما بين الأطراف المتصارعة بالساحة الفلسطينية يتمحور بالأساس حول السلطة والسيطرة على السلطة بالمعنى الإصطلاحي للكلمة سواء أكانت تلك السلطة في اطار سلطة السلطة الوطنية الفلسطينية او سلطة منظمة التحرير الفلسطينية.
• ان القوى والفصائل الفلسطينية قد انخرطت بوقائع المحاور الإقليمية بحيث انها صارت ارقاما بتلك المحاور وبالتالي تحولت الساحة الفلسطينية الى ساحة للمواجهات الإقليمية بشكل او بأخر ..
• ان القرار الوطني الفلسطيني من خلال المؤسسة الفلسطينية الرسمية اصبح في مهب الريح ومصادر لصالح الرؤى الفردية، بمعنى ان المؤسسة الفلسطينية الرسمية اصبحت معطلة ومجمدة تماما وهذه حقيقة لا يمكن انكارها او تجاهلها بالمطلق.
• لا وجود لما يمكن ان نسميه البرنامج السياسي التوافقي الذي من شأنه ان يجمع الكل الفلسطيني حوله.
• غياب استراتيجية الفعل المقاوم بالشكل العملي العلمي والتي تستطيع ضبط ايقاع المقاومة وتسويقها سياسيا وامساكها بزمام المبادرة دائما.
• غياب استراتيجية العمل السياسي عموما عن نشاط الدبلوماسية الفلسطينية التي ظلت رهينة لوقائع العملية التسووية العدمية.
• الاستقطاب الثنائي الخطير ما بين فتح وحماس اظهر حجم الفجوة السحيقة ما بين منطلقات ومحددات كل منهما لوقائع القضية الفلسطينية عموما وجرها لإرتباطات اخرى بعيدة اساسا عن صلب الوطنية الفلسطينية ومتطلباتها.
اعتقد ان المرحلة الراهنة وعلى المستوى القيادي الوطني تعاني من الأزمات التالية:
• تمركز الصلاحيات بيد مؤسسة الرئاسة، نتاج القوة الدستورية والتنظيمية واعتمادا على الشرعية التاريخية الموروثة لمسمى القيادة التاريخية والتي تتنازع الأن مع مختلف المؤسسات او ما تبقى منها.
• ازدواجية الصلاحيات وتضارب القرارات بين أجسام ومؤسسات (منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وحركة فتح .
• انتقال حركة فتح من الثورية إلى السلطوية، أحدث أضرارا في فهم فتح لذاتها وفهم الشعب الفلسطيني لها.
• تولي حركة حماس السلطة واقترابها اكثر فأكثر من قوانين اللعبة السياسية والإقليمية والدولية الأمر الذي خلق حالة من الارباك في حماس ذاتها وبالتالي اختلاط وخربشة مفاهيم العمل وتداخلها فيما بينها بمعنى ضياع خطاب المقاومة وفعلها.
• أفرز كل ذلك أزمة قيادة فلسطينية دائمة الاضطراب، لا يضبط قرارها عمل مؤسسي بل هي أقرب لمحاكاة نفوذ وإرضاء شخوص ومراكز قوى.
وامام كل هذه الوقائع لا بد من دعوة الكل الوطني الفلسطيني لفهم حيثيات المرحلة وقوانينها وبالأساس لابد من اعادة المفاهيم الصحيحة لصدارتها في واجهة العمل السياسي والتي تتلخص بضرورة تثبيت الكثير من الحقائق الهامة وهي كالأتي:
• توصيف المرحلة الراهنة في إطار مرحلة التحرر الوطني. وهذا الأمر له استحقاقات بمعنى ان ثمة قوانين يجب ان تفرض نفسها هنا امام هكذا توصيف ومخاطبة الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي على أساس هذه الحقيقة دون سواها.
• ان منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
• ان انجاز الوحدة الوطنية امر لا مفر منه وعكس ذلك سيكون فعلا تدميريا للذات الفصائلية اولا وللقضية برمتها.
• اعادة برمجة مفاهيم العمل القيادي المتوافق مع البرنامج السياسي المتوافق عليه.
• خلق المؤسسات القيادية المنسجمة مع بعضها البعض انطلاقا من المصالح العليا للشعب الفلسطيني اولا وقبل كل شيء.